تناثرت شظايا الحرب الدائرة في اليمن منذ ما يزيد على خمس سنوات في اتجاهات عديدة لتطاول المشاريع الاستثمارية والتنموية التي كانت قائمة قبل الحرب أو ما كان سينفذ منها في السنوات التي تلت الصراع.
كما أدى توقف الموازنات التشغيلية للجهات والدوائر الحكومية إلى تعثر مشاريع تنموية عديدة في قطاعات خدمية مهمة مثل الزراعة والأسماك والمياه والصرف الصحي والكهرباء، إضافة إلى مشاريع الأشغال العامة والطرق والجسور، ما أدى إلى تسريح عمال كانت تستوعبهم مثل هذه المشاريع كثيفة العمالة.
توسع فاتورة المشاريع المتعثرة في اليمن، ساهم في تدهور الوضع الاقتصادي وتعطيل حركة الأعمال وشبكة الأشغال العامة، الأمر الذي فاقم من أعداد العاطلين عن العمل في بلد يعاني من بطالة مزمنة منذ عقود.
في السياق، تقدّر بيانات أولية واردة في تقارير رسمية حديثة ، عن تسبب الحرب في تعثر مشاريع عامة وخاصة تتجاوز تكلفتها 17 مليار دولار، تضاف إلى تكاليف وخسائر الصراع الذي أدى إلى توقف إنتاج وتصدير المورد الرئيسي الذي يعتمد عليه الاقتصاد اليمني المتمثل في النفط والغاز وهدر فرص ضائعة تتجاوز قيمتها 88 مليار دولار، حسب تقارير رسمية.
يقول المستشار السابق في وزارة الأشغال العامة، جمال المحمدي، إن الأمر لا يقف عن حدود توسع فاتورة المشاريع المتعثرة وتضخم الديون وتهاوي شركات ومشاريع استثمارية واعدة، بل كان هناك ما يشبه التفكك لهياكل الاقتصاد الوطني اليمني وقطع مختلف قنواته من إيرادات، والأهم بنية تحتية تعرضت للتدمير، وهو ما يجعل عملية التعافي صعبة للغاية وتحتاج إلى مبالغ ضخمة. ويضيف المحمدي لـ"العربي الجديد"، أن المجتمع الدولي والمانحين غير مستعدين لإعادة خطوط التمويلات التي كانت تخصص للمشاريع التنموية في اليمن قبل الحرب.
كانت الحكومة اليمنية قد قدرت خسارة الاقتصاد اليمني بسبب الحرب بنحو 50 مليار دولار كخسارة ضمنية، بينما وصلت الخسائر عن تدمير البنية التحتية إلى عشرات المليارات من الدولارات، بحسب ما أوردته مسودة خطة أوليات إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي للعامين 2019-2020.
من جانبه، يتطرق الباحث الاقتصادي خالد العباسي، إلى انهيار الموازنة العامة في اليمن متأثرة بانقسام مؤسسات وموارد الدولة، وبالذات انقسام السلطة النقدية وتعثر إيرادات النفط والغاز المورد الرئيسي الذي تعتمد عليه هذه الموازنة.
لذا كان هناك انكماش للنفقات العامة وتمويل المشاريع التنموية، مع توقف كذلك تمويلات المانحين التي كانت يمول جزء منها مشاريع مهمة مثل الطرق والجسور التي تعرضت للقصف من قبل طيران التحالف، إذ تضررت كثيراً منذ بداية هذه الحرب التي نالت كثيراً من مشاريع البنية التحتية، وانعكاس ذلك على تدمير بيئة الأعمال والاستثمار، وفق حديث العباسي لـ"العربي الجديد".
ويعاني اليمن من مشكلة مزمنة في المشاريع المتعثرة واختلال منظومة الأشغال العامة والمعوقات الفنية والهندسية والإدارية في تنفيذ المشاريع، إذ كان تقرير للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة قد تطرق إلى ما يرافق تنفيذ المشاريع التنموية من اختلالات يؤدي إلى تعثرها، وحدد بعض القطاعات في وزارتي الزراعة والأسماك والموارد المائية التي تتسرب منها أموال طائلة نتيجة ما يرافق مشاريع من تعثر وخسائر.
وكشف الجهاز عن تعثر نحو 166 مشروعاً في القطاعات العامة مثل الزراعة والمعادن والأسماك والمياه، إضافة إلى حصر ما يقارب 10 مليارات ريال (الدولار = نحو 880 ريالا في السوق السوداء) عبارة عن قروض متعثرة لدى بعض الجهات الحكومية والمؤسسات العامة.
وقضت الحرب الملتهبة في منطقة نهم ما بين صنعاء ومأرب على بصيص الأمل الذي لاح قبل الحرب لإعادة تنفيذ مشروع "جبل صلب" للزنك والرصاص الذي تصل تكلفته إلى نحو 250 مليون دولار.
وما تزال أسباب تعثر "جبل صلب" غامضة حتى الاّن، لكنها بالدرجة الأولى تتمثل في أزمة تمويلية وخلافات عاصفة بين الشريك المستثمر الرئيسي المتمثل في مجموعة شركات محلية والجهة التمويلية للمشروع وهي بنوك أجنبية، حسب مصادر "العربي الجديد".
هذا المشروع الضخم، والذي كان يعد أحد أهم المشاريع الواعدة في اليمن كان مقررا له معالجة 800 ألف طن من الزنك الخام سنوياً وتحويلها إلى 80 ألف طن من الزنك المركّز.
وفي حال تنفيذه، سيجعل اليمن ضمن أكبر 20 دولة منتجة للزنك على مستوى العالم واستغلال أكبر ثروة يتميز بها البلد والمتمثلة بالمعادن وما يحتويه هذا القطاع من خامات هائلة تدخل في العديد من الصناعات التحويلية وغيرها من الفرص الاقتصادية الواعدة ورفد خزينة الدولة بنحو 160 مليون دولار سنوياً.
ويرى الخبير في مجال المعادن، أوس الحطامي، أن المشاريع المتعلقة بثروات اليمن مثل الموارد المعدنية والنفط والغاز استقرت في مناطق قبلية وعرة ومضطربة منذ ما قبل الصراع الدائر في البلاد، فيما كانت الحرب الشرارة التي التهمت هذه الموارد وعطلت مشاريع استثمارية، خصوصاً في مجالي النفط والمعادن.
إلى جانب مشروع منجم "جبل صلب" الاستراتيجي، يشير الحطامي إلى مشروع استثماري اّخر مهم تسببت الحرب في تعثره وتوقفه المتمثل بمشروع مصنع الزجاج في منطقة "ثومة" التابعة لمحافظة عمران شمال صنعاء الذي تزيد تكلفته على 100 مليون دولار.
وينوه الحطامي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن خسائر اليمن كارثية في تعثر المشاريع بسبب الحرب وانعدام التمويلات.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك