لقد منّ الله على الأمة العربية بالإسلام، وانتشلها من براثن الجاهلية وحقب الظلام إلى العلم والنور، فاختار من بين خلقه ليكون متمّم مكارم الأخلاق (إنما لبعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، والخروج بالناس من الظلامات إلى النور، محمد صلى الله عليه وسلم، من قبيلة قريش الحجازية، فجعله نبياً ورسولاً، وأنزل عليه قرآناً عربياً ليبشر به الأمة "إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون" (سورة يوسف)، وحمله رجالات الحجاز، أصحاب النبي، إلى كل أركان الجزيرة، العربية، ومنها إلى كل أصقاع العالم المعروف في ذلك الزمان (650 م).
(2)
انتشر الإسلام، وأصبح المؤمنون به أكثر من ملياري مسلم عبر العالم في زماننا هذا، وما برح عددهم في كل أرجاء المعمورة يزيد. صحيح أن الإسلام واجه مراحل انتصار وانكسار منذ فجر الدعوة إليه، لكنه ينكسر وسرعان ما يجبّر انكساراته، لينقض من جديد، من دون عنف، ليواصل مسيرته الإنسانية، مبشّراً بالخير والرحمة لكل بني الإنسانية، ونذيراً ومحذّراً من الوقوع في مهاوي الردى واليأس والقنوط والارتماء في أحضان من يعادي الدعوة إلى الإسلام.
(3)
قامت الثورة في مصر في عام 1952 ضد النظام الملكي، وأعلنت النظام الجمهوري، وحدّدت مبادئها في القضاء على الاستعمار، القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، إقامة جيش وطني قوي، وعدالة اجتماعية، بناء حياة ديمقراطية سليمة. إلى جانب تبنّي تلك الثورة فكرة القومية العربية. واكتسبت الثورة تأييداً جماهيرياً واسع النطاق على امتداد الوطن العربي، لكن النظام الجديد كان مقاومةً من دون عنف في مراحله الأولى، فالإقطاعيون، والقُطريون، والليبراليون، والإخوان المسلمون، لم يجدوا ضالتهم في النظام الجديد، فراح كل منهم يدلي بدلوه لكبح جماح الثورة الوطنية، وكان أشدهم عنفاً جماعة الإخوان المسلمين، فووجهت بكل عنف من قادة النظام الجمهوري. ثم استنصر قادة "الإخوان" في مصر بقوى من خارج جغرافية مصر، فكانت إيران الشاه نصيراً لهم، والسعودية والأردن والعراق واليمن، وكلها نظم ملكية، إلى جانب قوى أخرى، منها بريطانيا وفرنسا صاحبتا النفوذ آنذاك في العالم العربي.
سبحان مغير الأحوال. الوارثون الآن حكام ذلك الزمان لم يبق منهم إلا عدد قليل ممن ناصروا التيارات الإسلامية، وخصوصاً "الإخوان". الآن يلاحقونهم على امتداد الوطن العربي للنيل منهم، وزج قادة الصحوة الإسلامية في السجون والمعتقلات، وكذلك عقلاء الفكر الديني المتنور وقادته. وتحت سياط التهديد وإغراءات زينة الحياه أسكتوا بعضهم، ولا حول لهم ولا قوة. لم تقف جهود الأنظمة العربية المعادية للتيار الديني الإصلاحي في إطار الوطن العربي، وإنما راحوا يلاحقونهم في الشتات، ويستعدون عليهم الأمم. راح زعيم عربي في عام 2011 يحذّر الغرب من الإسلاميين، ودعا إلى القضاء عليهم و"إلا فإنهم سيكونون على أبواب أوروبا في شهرين. وحذر آخر سلطات الدول الأوروبية من إيواء الإسلاميين، لأنهم سيثيرون الفتن فيها. وقال ثالث إنه لا بد من اجتثاث هذا التيار وأتباعه من جذورهم. ولقيت هذه الدعوات، وغيرها مما صدر عن زعماء عرب مسلمين آخرين رواجاً في الغرب.
(4)
تعمل أنظمة عربية إسلامية على بث الفتن بين المسلمين حتى في أوروبا، كل دولة شكّلت جمعية إسلامية خاصة بها، في فرنسا مثلاً، شكلت المملكة المغربية، بطريقة أو أخرى "الاتحاد الوطني لمسلمي فرنسا"، وهناك اتحاد آخر يمثل المغرب "تجمع مسلمي فرنسا"، لكنه أقل نفوذاً من ذاك. وتتمثل الجزائر عبر "مسجد باريس الكبير". ولا جدال في أن الخلافات بين الجزائر والرباط تنعكس على أداء أتباعهما في المجتمع الإسلامي في فرنسا. وهناك جمعيات خيرية إسلامية تتبع لبعض الدول العربية تمارس تنافسا غير مشروع، فكلٌّ يريد أن يكون مضمون خطبة الجمعة لخدمة مصلحة هذا النظام أو ذاك. ولا يحدث هذا في فرنسا وحدها، فشبيه به حال المسلمين في بريطانيا وبلجيكا وهولندا والنمسا والدنمارك على سبيل المثال.
وصف وزير الداخلية الألماني السابق، أوتو شيلي، الإسلاميين الذين يعيشون في أوروبا بأنهم "نمو سرطاني في جسد المجتمع الأوروبي". ووصف رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، توني بلير، الإسلام بأنه "أيديولوجية شريرة". وهناك أقوال كثيرة تمسّ الإسلام والمسلمين. وراح بعضهم يصنف الإسلام بالطريقة التي تثير الحقد على هذا الدين، مثل القول "إسلام يساري، وإسلام تقدّمي، وإسلام رجعي، وإسلام إرهابي، وإسلام متطرّف، وإسلاموي، وفوبيا الإسلام .. إلخ". ولكن لا يجب أن ننظر، نحن المسلمين، إلى الغرب كله باعتباره عدوّاً، فالجامعات الغربية والمستشفيات ومراكز البحوث تعج بالعرب المسلمين، ويتبوأون مناصب في أجهزة تلك الدول في الهيئات التشريعية ومناصب مرموقة أخرى.
(5)
العداء للإسلام والمسلمين في المجتمعات الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية ما كان ليحدث لو لم ير قادة تلك الدول الغربية كيف يُعامل المسلمون من حكوماتهم. عندما اجتاح الاتحاد السوفييتي أفغانستان (1979- 1989) استولدوا الجهاد الإسلامي، وراحت الولايات المتحدة تموّل إسلاميين كثيرين وتجندهم لقتال السوفييت في أفغانستان، وتضامن معها بعض القادة العرب المسلمين، وشجّعوا شبابهم للانخراط في صفوف المجاهدين في أفغانستان. ونتيجة لذلك ولد تنظيم القاعدة (1990 - 1991)، ومن بعده تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إثر احتلال العراق عام 2003. ويقود هذا إلى استنتاج أن هذه الحركات الإسلامية المتطرّفة، والتي نعاني من أفعالها اليوم، ما هي إلا نتيجة تواطؤ حكام عرب مع قوى أجنبية للنّيل من الإسلام والمسلمين.
هناك صمت عربي إسلامي على ما يفعل بالمسلمين في الهند وفي ميانمار والصين، ومن الواجب أن نشيد بدور الحكومة الكندية على دعوتها إلى تصنيف ما يُفعل بالمسلمين في إقليم الإيغور في غرب الصين أنها عملية إبادة جماعية. ولا يجب السكوت على ما تفعل إسرائيل بأهلنا في فلسطين. آخر القول: ماذا ستفعل إسرائيل أو الغرب لو عومل إسرائيلي، أو معبد يهودي في أي بقعة، كما يعامل المسلمون ومساجدهم في بعض ولايات الهند وفي ميانمار وفي إقليم الإيغور في الصين، هل سيكون ردها بالصمت، كما يفعل الحاكم العربي تجاه قضايا المسلمين؟
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك