علت نبرة التهدئة - الثلاثاء- عقب لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومستشار ألمانيا أولاف شولتز وتأكيدهما ضرورة الحوار لحل الأزمة الأوكرانية، في وقت تُنتظر فيه كلمة للرئيس الأميركي جو بايدن بشأن التطورات.
وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه لا يريد حربا سببها أوكرانيا، بعد أسابيع من التوتر الذي أججه انتشار واسع للقوات الروسية على حدودها، إلا أنه لم يخف مخاوفه من استمرار السعي لانضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) حاليا أو مستقبلا.
وقال بوتين -في مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني عقب مباحثات مطولة بينهما في موسكو- "هل نريد حربا أم لا؟ بالتأكيد لا، لهذا السبب قدمنا اقتراحاتنا لعملية تفاوضية".
وأضاف الرئيس الروسي أنه بحث مع المستشار الألماني الضمانات الأمنية، وأكد استعداد موسكو لمواصلة تصدير الغاز إلى أوروبا عبر أوكرانيا.
وقال بوتين إن بلاده أُبلغت بأن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي في المستقبل القريب، لكن موسكو لا تعتقد أن هذا ضمان جيد بما يكفي، وتريد حل المسألة برمتها الآن.
وطالب بوتين الناتو بحسم مسألة ضم أوكرانيا إليه، معربا مجددا عن رفضه لمقولة إن الناتو حلف دفاعي سلمي، وقال إن الناتو قصف بلغراد في يوغسلافيا السابقة من دون تفويض من مجلس الأمن.
في المقابل، رفض شولتز رأي بوتين، وأكد أن الحلف كان يقصد آنذاك منع وقوع إبادة جماعية، ورد بوتين -بدوره- بقوله إن هناك "إبادة جماعية" في شرق أوكرانيا اليوم.
من جانب آخر، قال شولتز إنه اتفق مع بوتين على حل النزاع مع أوكرانيا ضمن صيغة النورماندي، وشدد على أن توسع الناتو شرقا ليس مطروحا للنقاش حاليا، داعيا الرئيس الروسي إلى إجراء حوار مباشر حول الصراع الأوكراني.
واعتبر المستشار الألماني أن إدانة المعارض الروسي المسجون أليكسي نافالني، الذي يواجه عقوبة إضافية في روسيا "تتعارض مع مبادئ دولة القانون".
وقال شولتز -بعد سؤاله عن مصير المعارض الذي عولج في ألمانيا عام 2020 بعد تعرضه لعملية تسميم نسبت إلى الاستخبارات الروسية- "بالنسبة إلى نافالني، موقفي واضح جدا، وإدانته تتعارض مع مبادئ دولة القانون".
وأشار المستشار الألماني إلى أنه إذا تم التصديق على الاعتراف بدونيتسك ولوهانسك جمهوريتين مستقلتين، فسيشكل ذلك انتهاكا لاتفاقية مينسك، وفق تعبيره.
في سياق متصل، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس بايدن سيوجه كلمة الليلة بشأن تطورات الأزمة الأوكرانية الروسية والجهود الدبلوماسية.
وأوضح أن بايدن سيؤكد انفتاح واشنطن على الخيار الدبلوماسي بالتنسيق مع الحلفاء بشأن أزمة أوكرانيا.
بدوره، أعلن الإليزيه أن الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الأميركي اتفقا -خلال اتصال هاتفي- على ضرورة التحقق من الانسحاب الروسي من حدود أوكرانيا.
دونيتسك ولوهانسك
ووجه النواب الروس -اليوم الثلاثاء- نداء إلى الرئيس فلاديمير بوتين يدعونه فيه إلى الاعتراف باستقلال المناطق الانفصالية الأوكرانية المؤيدة لروسيا والمدعومة من موسكو، والتي تشهد مواجهة مع الجيش الأوكراني في شرق هذا البلد منذ 8 سنوات.
وقال رئيس مجلس النواب فياتشيسلاف فولودين "النداء الموجه إلى رئيس روسيا حول ضرورة الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين سينقل إليه فورا"، موضحا أن الوثيقة أقرت خلال جلسة عامة لمجلس الدوما.
بدورهما، أدان كل من البرلمان الأوكراني والاتحاد الأوروبي تصويت مجلس الدوما الروسي على الاعتراف باستقلال منطقتي دونيتسك ولوهانسك في إقليم دونباس.
والاعتراف بتلك المنطقتين سيشكل نهاية عملية السلام في شرق أوكرانيا واتفاقات مينسك التي تم التوقيع عليها بفضل وساطة فرنسية وألمانية، والتي تنص على عودة هذه المناطق -على المدى البعيد- إلى سيادة كييف.
وجاءت الخطوة الروسية بالتزامن مع إعلان موسكو بدء سحب بعض قواتها من الحدود الأوكرانية والعودة إلى قواعدها بعد انتهاء تدريبات عسكرية مع بيلاروسيا.
تحذيرات مستمرة
ورغم إعلان موسكو عن سحب جزء من قواتها، فإن الخارجية البريطانية قالت إن القوات الروسية يمكن أن تصل إلى كييف بسرعة كبيرة جدا إذا غزت أوكرانيا.
وقالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس -اليوم الثلاثاء- إنه لا يزال من المرجح بشكل كبير أن تغزو روسيا أوكرانيا، وقد يكون ذلك وشيكا.
وأشارت الوزيرة إلى أن الحكومة في حالة تأهب لأي عمليات سرية في الأيام القليلة القادمة.
وأضافت تروس لشبكة "سكاي نيوز" (Sky News) أنه إذا دخلت القوات الروسية إلى أوكرانيا، فسيمكنها الوصول إلى العاصمة كييف سريعا، مشيرة إلى أن "توقيت الهجوم قد يكون وشيكا".
وأوضحت الوزيرة أنه "لا يزال لدينا وجود دبلوماسي في كييف، لكن جزءا من فريقنا انتقل إلى غرب أوكرانيا".
سحب السفارة
وكانت الولايات المتحدة أعلنت -أمس الاثنين- أنها بدأت نقل سفارتها من كييف إلى غربي أوكرانيا مؤقتا، بسبب التسارع الكبير في الحشد العسكري الروسي، وأشارت إلى أن هناك فريقا محدودا يجري نقله إلى مدينة قرب بولندا للقيام بالعمليات الدبلوماسية.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن -في بيان- إن نقل السفارة لا يشير إلى أي تخفيض في الدعم الأميركي لأوكرانيا، مؤكدا أن السفارة ستظل تعمل مع كييف لتنسيق العمل الدبلوماسي هناك، كما ستواصل واشنطن جهودها الدبلوماسية المكثفة لتهدئة الأزمة.
وأشار بلينكن إلى أن مسار الدبلوماسية سيظل متاحا إذا اختارت روسيا الحوار بحسن نية، وأن الإدارة الأميركية ستبقى على تواصل مع الحكومة الروسية بعد مكالمة الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، ومحادثاته مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
بلينكن قال إن بلاده عرضت على أوكرانيا قرضا بقيمة مليار دولار من دون أن يشير إلى رد كييف)
ونقلت وكالة رويترز عن بلينكن قوله إن الحكومة الأميركية تعرض على أوكرانيا قرضا بقيمة نحو مليار دولار لدعم اقتصادها، وسط الحشد الروسي على الحدود.
في هذه الأثناء، نقلت قناة "سي بي إس" (CBS) الأميركية عن مسؤول أميركي، أمس الإثنين، قوله إن صورا التقطتها الأقمار الصناعية أظهرت تحرك القوات الروسية من نقاط تجمعها إلى مواقع هجومية قرب الحدود مع أوكرانيا.
وأوصت الولايات المتحدة -في بيان- رعاياها في بيلاروسيا بمغادرتها فورا، بسبب الحشود العسكرية الروسية المتزايدة على الحدود البيلاروسية مع أوكرانيا.
كما حذرت الخارجية الأميركية مواطنيها من السفر إلى مولدوفا، بسبب النشاط العسكري الروسي غير المعتاد والمقلق في المنطقة، وفق البيان.
خيارات روسية عدة
وجدد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي تأكيده أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يحدث في أي لحظة.
وكشف كيربي خلال لقاء مع شبكة "سي إن إن" (CNN) الإخبارية الأميركية عن أن لدى الرئيس الروسي خيارات عدة، منها العمل العسكري التقليدي واسع النطاق، أو هجوم يشبه ما وقع في دونباس عام 2015.
ورحب المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية بإشارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى وجود أمل للدبلوماسية لحل الأزمة الروسية الأوكرانية.
وأضاف كيربي -في مؤتمر صحفي بواشنطن- أنه لا يعتقد أن روسيا قد اتخذت قرارا نهائيا بشأن غزو أوكرانيا.
لكن كارين بيير نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض قالت إن روسيا لا تزال تحشد مزيدا من القوات على حدودها مع أوكرانيا.
وأضافت بيير -خلال المؤتمر الصحفي اليومي للبيت الأبيض- أن هناك توقعات بأن يبدأ الغزو الروسي لأوكرانيا هذا الأسبوع.
وشددت على أن جهود الولايات المتحدة تنصب على منع حدوث حرب شرقي أوروبا، لكنها تبقى مستعدة لكل الاحتمالات.
عودة قوات روسية
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف للصحفيين إن القوات المسلحة الروسية المنتشرة قرب الحدود مع أوكرانيا ستعود إلى مواقع انتشارها الدائم بعد انتهاء التدريبات.
وبدأت وحدات المنطقة العسكرية الجنوبية والمنطقة العسكرية الغربية بالفعل التحميل على المركبات، وستتوجه إلى القواعد اليوم الثلاثاء.
وقال كوناشينكوف "مع اكتمال أنشطة التدريب القتالي ستسير القوات -كعادتها دائما- بطريقة مشتركة إلى نقاط انتشارها الدائمة".
وتجري التدريبات البيلاروسية الروسية المشتركة تحت مسمى "عزم الحلفاء 2022" كاختبار للجاهزية الدفاعية ومواجهة الهجمات الخارجية ومكافحة الإرهاب، وتنتهي في 20 فبراير/شباط الجاري، وصرح ممثلو البلدين مرارا وتكرارا بأن المناورات دفاعية بطبيعتها ولا تهدد أحدا.
وعقب الإعلان الروسي عن سحب بعض القوات، قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا للصحفيين "تمكنا نحن وحلفاؤنا من الحيلولة دون قيام روسيا بمزيد من التصعيد، نحن في منتصف فبراير/شباط، ونرى أن الدبلوماسية لا تزال مستمرة".
لكن كوليبا شدد على أن منسوب التوتر لا يزال مرتفعا عند الحدود الأوكرانية، وأنه لا يزال يتعين على روسيا سحب قواتها المتبقية.
وقال "لدينا قاعدة تقول ’لا تصدق ما تسمعه، بل ما تراه‘، عندما نرى انسحابا سنصدق حدوث خفض للتصعيد".
تفاؤل حذر
وتعليقا على إعلان روسيا بشأن إعادة انتشار قواتها، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي إن البنتاغون لن يؤكد أو يتكهن بشأن خطط ونيات قوات دولة أخرى.
وأضاف كيربي -في بيان مكتوب- ردا على سؤال للجزيرة أن الولايات المتحدة دعت روسيا، وتواصل دعوتها، إلى خفض التوترات في المنطقة. وأشار إلى أن واشنطن ستواصل التنسيق الوثيق مع حلفائها وشركائها بشأن هذه الأزمة.
ستولتنبرغ عبر عن تفاؤله الحذر بالإشارات الروسية حول رغبتها في مواصلة الدبلوماسية في ما يتعلق بالأزمة مع أوكرانيا (الجزيرة)
من جانبه، أعرب أمين عام حلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، عن تفاؤله الحذر بما وصفه بالإشارات التي تصدرها روسيا حول رغبتها في مواصلة الدبلوماسية في ما يتعلق بالتوترات مع أوكرانيا والحلف في شرق أوروبا، داعيا موسكو لخفض التصعيد بشكل عملي على الأرض.
وقال ستولتنبرغ -في بيان صحفي من بروكسل أورده الموقع الرسمي للحلف اليوم الثلاثاء- "هناك إشارات من موسكو على أن الدبلوماسية يجب أن تستمر. هذه النية من موسكو للانخراط في الطريق الدبلوماسي تعطينا بعض الأمل والتفاؤل الحذر، لكننا الآن لم نر أي خفض للتصعيد على الأرض، ولم نر أي تقليص للحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية".
هجوم سيبراني
وأعلنت أوكرانيا الثلاثاء تعرّض مواقع وزارة الدفاع ومصرفين حكوميين لهجوم إلكتروني.
وجاء الإعلان الصادر عن هيئة رقابة الاتصالات الأوكرانية في وقت يخيّم فيه القلق على الجمهورية السوفياتية السابقة من احتمال تعرّضها لهجوم عسكري تشنه روسيا التي تجري تدريبات عسكرية واسعة عند حدودها.
وطال الهجوم موقعي مصرف الادخار الحكومي "أوشاد بنك" و"بريفات 24″، وهما من أكبر مؤسسات الدولة المالية، كما ظهرت رسالة على موقع وزارة الدفاع تشير إلى أنه معطّل و"يخضع لصيانة تقنية".
وأفادت الهيئة بأن "بريفات 24" تعرّض لـ"هجوم ضخم يقوم على حجب الخدمة"، وأضافت في إشارة إلى روسيا "لا يمكن استبعاد أن الجهة المعتدية تلجأ إلى حيل قذرة"، وهو ما لم تعلق عليه موسكو.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك