على خلفية قضايا تتعلق بالفساد وسوء الإدارة، أطلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حملة، استهدفت مسؤولين في الإدارة الرئاسية ووزارة الدفاع، والهيئات القضائية، فضلاً عن إقالة خمسة من حكام المناطق.
ورغم إقالة، أو استقالة، مسؤولين بارزين، فإنه من المستبعد أن تؤثر التغييرات سلباً على تماسك الحلقة الأقرب من الرئيس والقيادات العسكرية الأولى.
وبعد ساعات على إعلان زيلينسكي عن تغييرات واسعة النطاق تتعلق بشكل خاص بـ"مديرين من مختلف المستويات في الوزارات وهياكل الحكومة المركزية الأخرى، وفي المناطق وسلطات إنفاذ القانون"، من دون ذكر الأسباب، كشف نائب رئيس مكتب الرئيس كيريلو تيموشينكو، أمس الإثنين، عن تقديمه استقالته، عارضاً نسخة عن كتاب الاستقالة على صفحته على تطبيق "تيليغرام"، وأرفقها بشكر لزيلينسكي على منحه الفرصة للعمل معه.
وفي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كشف تقرير استقصائي أعده موقع "BIHUS Info" الأوكراني أن تيموشينكو يتنقل بسيارة جيب طراز "شيفروليه تاهو"، قدمتها شركة "جنرال موتورز" ضمن 50 سيارة لأوكرانيا من أجل إجلاء ونقل المواطنين والبعثات الإنسانية من مناطق العمليات العسكرية.
استقال نائب وزير الدفاع المسؤول عن الخدمات اللوجستية للقوات الأوكرانية
وذكر تقرير الوكالة أن تيموشينكو استخدم السيارة لأغراض شخصية، وللتنقل بين منزله والعمل، وكذلك في رحلات إلى عدة مناطق.
وكان المسؤول المستقيل أكد، في وقت سابق، أنه استخدم السيارة نظراً لأنها مدرجة في ملاك الإدارة الرئاسية، لكن "BIHUS Info" ذكر أنه لم يعثر على دليل على أنه تم شراء السيارة التي قادها تيموشينكو.
وحسب صحيفة "أوكراينسكايا برافدا"، فإن رئيس الإدارة العسكرية لمنطقة كييف أوليكسي كوليبا سيحل محل تيموشينكو.
بدوره، تقدم نائب المدعي العام الأوكراني أوليكسي سيمونينكو باستقالته يوم أمس الإثنين بعد كشف تقرير أنه سافر في إجازة لمدة 10 أيام إلى إسبانيا لقضاء ليلة رأس السنة مع عائلته التي تقيم في مدينة ماربيا الإسبانية، مستخدماً سيارة رجل الأعمال غريغوري كوزلوفسكي. وعلى خلفية هذه الأنباء قال زيلينسكي، أمس الإثنين، إنه وقع مرسوماً يحظر على المسؤولين الأوكرانيين من أي مستوى السفر إلى الخارج "لأي غرض آخر غير حكومي".
فضيحة كبرى في وزارة الدفاع
وبعد أيام على تقرير نشرته صحيفة "زيركلو نيديليي" الأوكرانية عن فساد في عملية تزويد الجيش الأوكراني بالمواد الغذائية وغيرها من المواد اللوجستية، عبر رفع الأسعار بشكل كبير، استقال نائب وزير الدفاع فياتشيسلاف شابوفالوف من منصبه اليوم الثلاثاء. ومعلوم أن شابوفالوف كان مسؤولاً عن الخدمات اللوجستية للقوات المسلحة الأوكرانية.
وقال شابوفالوف إن طلبه جاء حتى لا يشكل تهديداً للإمداد المستقر للقوات المسلحة الأوكرانية، نتيجة حملة اتهامات تتعلق بشراء خدمات غذائية. ووافق وزير الدفاع أولكسي ريزنيكوف على طلب الاستقالة.
وأشادت وزارة الدفاع، في بيان، بشابوفالوف الذي عمل "بأقصى قدر من المسؤولية" واستطاع تزويد الجيش بحاجاته رغم الظروف الصعبة وارتفاع عديد الجيش بشكل كبير بعد الغزو الروسي.
وذكر البيان أن المسؤول المستقيل نفذ عدداً من الإصلاحات المهمة، ضمنها إلغاء احتكار الخدمات الغذائية، وكذلك في قطاع توفير الوقود والزيوت للقوات المسلحة، وإنشاء "هامش أمان" قدره ربع مليون من الدروع الواقية، وأكثر من 150 ألف خوذة. واعتبرت أن استقالة شابوفالوف كانت "عملاً جديراً" من شأنه أن يساعد في الحفاظ على الثقة في الوزارة.
إلا أن موقف وزارة الدفاع تبدل بسرعة، من نفي شبهات الفساد إلى الإعلان عن إجراء تحقيقات شاملة حول مشتريات الوزارة، متعهدة باتخاذ القرارات المناسبة بشأنها.
وفي الوقت ذاته، اعترض عضو لجنة الأمن القومي والدفاع والاستخبارات في "الرادا العليا" (البرلمان) الأوكراني غينادي كاساي على نشر معلومات تفصيلية عن تزويد الوحدات العسكرية بالمواد الغذائية واللوجستية، ما يعرضها للخطر بعد الكشف عن مواقعها، وطالب بإشراك هيئة الأمن الفيدرالي الأوكراني للكشف عن مصادر المعلومات، نظراً لأنه "قد يتم استخدام المعلومات من قبل العدو في ظروف الحرب". ولم يستبعد أن يكون التسريب بهدف الخيانة، وتقديم معلومات سرية عن القطع العسكرية الأوكرانية وانتشارها.
وتزامناً مع فضيحة المشتريات في وزارة الدفاع، أوقف، نهاية الأسبوع الماضي، نائب وزير البنية التحتية الأوكراني فاسيلي لوزينسكي بتهمة تلقي رشوة تصل إلى 400 ألف دولار في صفقة شراء مولدات. وذكرت صحيفة "زيركلو نيديليي" أنه تم القبض على لوزينسكي أثناء تلقيه رشوة، بعد موافقته على شراء مولدات بسعر أعلى بكثير من أسعار السوق.
كما أقالت الحكومة الأوكرانية، اليوم الثلاثاء، خمسة حكام مناطق. وأعلن ممثل الحكومة في البرلمان تاراس ميلنيتشوك أنّ حكام مناطق دنيبروبتروفسك (وسط) فالنتين ريزنيشنكو، وزابوريجيا (جنوب) أولكسندر ستاروخ، وسومي (شمال) ديمترو تشيفيتسكي، وخيرسون (جنوب) ياروسلاف يانوشيفيتش، والعاصمة كييف أوليكسي كوليبا، سيغادرون مناصبهم. كما أقيل نائب وزير السياسة الاجتماعية ونائبان لوزير التنمية الإقليمية.
تقديم المتهمين إلى المحاكمة
وتعليقاً على الفضائح المتتالية، شدد زيلينسكي، مساء أمس الإثنين، على ضرورة تقديم جميع المتهمين إلى المحاكمة هذا الأسبوع. وأعلن أنه اتخذ قرارات للحدّ من الفساد، لكنه لم يكشف عن طبيعتها، ملمحاً إلى إمكانية إقالة وزير الطاقة غيرمان غالوشينكو.
وذكر زيلينسكي أن مجلس الأمن القومي قد اتخذ قراراً "مبدئياً" يقضي بمنع المسؤولين الحكوميين من قضاء إجازاتهم في الخارج.
وبدا واضحاً أن تفاعل السلطات الأوكرانية السريع مع قضايا الفساد يعود إلى مخاوف من تراجع الدعم الغربي لكييف، اقتصادياً وعسكرياً، في فترة حساسة تشهد هجوماً روسياً على جبهات دونباس وزابوريجيا في الأيام الأخيرة.
ومعلوم أن هناك خلافات كبيرة وسط حلفاء أوكرانيا بشأن تزويدها بدبابات حديثة مثل "ليوبارد 2" إذ أخفق اجتماع قاعدة رامشتاين لوزراء دفاع التحالف الداعم لأوكرانيا، نهاية الأسبوع الماضي، في حسم هذا الأمر.
وتزيد شبهات الفساد داخل وزارة الدفاع من مخاوف أطلقتها الصحافة الروسية والغربية حول مصير الأسلحة الغربية المقدمة لأوكرانيا، وإمكانية تسربها إلى جهات إرهابية، ما ينعكس سلباً على أمن أوروبا.
وتعتمد أوكرانيا على المساعدات الاقتصادية الغربية لتمويل العجز في موازنتها، ودعم اقتصادها الذي توقف قسم كبير منه عن الإنتاج بسبب تبعات الحرب الروسية المستمرة منذ 11 شهراً.
تفاعل السلطات الأوكرانية السريع مع قضايا الفساد يعود إلى مخاوف من تراجع الدعم الغربي لكييف
والأرجح أن الجانب الأوكراني يأمل في أن تسهم الإقالات والتحقيقات والمحاكمات بسبب الفساد في استمرار الدعم الغربي الذي يؤمن استقرار البلاد، وصمودها في وجه الغزو الروسي.
ومن المستبعد أن تؤثر التغييرات في تماسك النخبة السياسية الأوكرانية، خصوصاً أن الإقالات طاولت الصف الثاني فقط، ورؤساء بعض الإدارات العسكرية. مع العلم أن زيلينسكي أقال، صيف العام الماضي، عدداً من المسؤولين الأمنيين البارزين، من ضمنهم رئيس جهاز أمن الدولة إيفان باكانوف، والمدعي العام في أوكرانيا إيرينا فينيديكتوفا، في خطوة وصفت حينها بـ"المفاجئة"، نظراً لعلاقات الصداقة التي تربط زيلينسكي بالمسؤولين المقالين.
وفي إطار مختلف، استقال أليكسي أريستوفيتش، مستشار مكتب الرئيس، في 17 يناير/ كانون الثاني الحالي، بعد تصريحات بأن الصاروخ الروسي الذي دمر مدخل مبنى سكني على نهر دنيبرو، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من الأشخاص، وقع بعد أن أسقطته وسائل الدفاع الجوي الأوكراني.
وكان أريستوفيتش، وفقاً لاستطلاعات الرأي، ثالث أكثر شخصية شعبية في أوكرانيا بعد زيلينسكي ورئيس أركان الجيش الجنرال فاليري زالوجني.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك