نشر الغسيل الصحافي

جزء كبير من مشكلتنا الوطنية تتمثل في تبعية قطاع واسع من الأقلام الصحافية للساسة وتجار الأزمات، فالصحافة المطبوعة والإلكترونية والمسموعة المرئية في اليمن لا ترتب في الغالب اهتمامات النخبة السياسية ولا تؤثر فيها، ويبدو أن العكس هو الصحيح. بمعنى أن الساسة هم من يضعون ملامح الخطاب الصحفي، وهنا أصل المشكلة وجوهر الأزمة.

 

 

ويتحمل الصحافيون أنفسهم المسؤولية الأكبر عن الوهن الواضح المعالم في دور الصحافة، لأن معظمهم رضي بالارتهان لهيمنة الساسة على ضفتي الصراع.

 

 

وللخلاص من فكاك هذا الوضع المزري للعمل الصحفية في اليمن لا يبدو أن المعالجات التقليدية ستجدي نفعاً. فمواثيق الشرف لا يمكن أن تؤثر في بيئة ابتعدت عن شرف المهنة بمسافات كبيرة، وتأثير الرقابة الشعبية آخر ما يمكن التعويل عليه في واقع يفيض بالإحباط ويدفع أفضل المتفائلين للانكفاء على همومه اليومية، أما المعالجة القانونية فهي غير مجدية وغير كافية في كل الأحوال.

 

للخروج من هذا المأزق ابتكر مجموعة من الزملاء المبدعين فكرة "حبل الغسيل" صفحة على فيس بوك تعنى بنقد أداء الإعلام اليمني، كمحاولة لتذكير أرباب مهنة الصحافة بالمسار الأخلاقي لوظيفة الإعلام، كمهنة تعتمد على الأخلاق أولاً.

 

 

يوضح أصحاب الفكرة أن "تسمية الصفحة بحبل الغسيل يأتي في سياقات متعددة منها ما هو فكري وثقافي كون التسمية مأخوذة من مسرحية شهيرة للأديب اليمني الراحل علي أحمد باكثير، إضافة إلى الرمزية في التسمية".

 

الفكرة مدهشة كمحاولة لتقديم عينات من واقع النشر الصحفي، للفت الأنظار لحجم التجريف، الذي يصل إلى حد الابتذال في بعض الأحيان.

 

بطبيعة الحال ليس من المتوقع أن تتلقف الصحف هذه المبادرة لمناقشتها، أو حتى لإعادة نشر المنشور على حبل الغسيل (الفيسبوكي).

 

 

ربما نفرط في التفاؤل إذا وضعنا هذه الفكرة في سياق "التربية الإعلامية" لنا جميعاً كمنتسبين لهذه المهنة، لكن على الأقل لنقرأ ما يحمله ذلك الحبل لأنه يقدم مرايا صادقة لجوانب الإخفاق في أدائنا الصحافي، ولو كنت مكان القائمين على هذه المبادرة الخلاقة لطلبت من جميع الزملاء في كل الصحف اليمنية المشاركة في "نشر الغسيل" لتنبيه زملائهم من خلال نشر ما يرونه مخالفاً للمعايير المهنية في الصحف المنافسة.. وبهذا يستفيد الجميع وتتحقق رقابة مزدوجة من الجميع على الجميع..