عقب قراءة عبد ربه منصور هادي بيانه المقتضب والمفاجئ ليلة 7 أبريل/نيسان 2022، معلنًا للشعب اليمني والعالم، تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وتفويضه "تفويضا لا رجعة فيه" كل صلاحياته، في رئاسة الجمهورية اليمنية، وفقا للدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، خرج إلى غرفة مجاورة يقف فيها القيادي الأمني رشاد العليمي وبعض نوابه.
فما كان من العليمي إلا أن مد يده اليمنى للرئيس المستقيل مصافحا، ووضع يده اليسرى على رأسه من الخلف، وقبّل جبينه، مبديا له شكره وامتنانه، أما بقية أعضاء مجلس القيادة فصافحوه باليد .
في هذه اللحظة التي أثارت كثيرا من الجدل، وجرت وقائعها في الرياض التي قادت تحالفا عسكريا عربيا ضد انقلاب جماعة الحوثيين على شرعية هادي في صنعاء عام 2014، طُويت صفحة الأخير، بعد عشر سنوات من حكمه اليمن.
يعد رشاد العليمي المولود في 15 يناير/كانون الثاني 1954 من قيادات اليمن الأمنية البارزة خلال عهد الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح. وكان بين الذين أصيبوا في تفجير مسجد النهدين بقصر الرئاسة في صنعاء، الذي استهدفه ومسؤولين آخرين أثناء صلاة الجمعة في 3 يونيو/حزيران عام 2011. وقد نُقل بعدها إلى السعودية للعلاج، ثم عاد إلى صنعاء في 13 يونيو/حزيران 2012 بعد علاج تلقاه في السعودية وألمانيا مدة عام.
وبرغم علاقة العليمي الوثيقة بالرئيس الأسبق، وتسلُّمه خلال حكمه وزارة الداخلية (2001) ثم منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، ووزارة الإدارة المحلية (2008)، وقبلها إدارة أمن محافظة تعز، فإنه انحاز إلى الرئيس عبد ربه منصور هادي وشرعيته. خصوصا أن الأخير انتُخب توافقيا من الشعب اليمني في 27 فبراير/شباط 2012. وتسلم علم الجمهورية في صنعاء من رئيسها صالح في حفل لنقل السلطة، وكان يردد دوما، أنه لن يسلمها إلا لرئيس منتخب من الشعب، كما ينص عليه الدستور اليمني.
ويبدو أن العليمي اتكأ في خياره بالابتعاد عن صالح، ودعم هادي على مقولة رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق الدكتور عبد الكريم الإرياني -الذي وقف في صف صالح خلال ثورة 11 فبراير/شباط عام 2011 ، لكنه شارك في صياغة اتفاق ينص على تنحيه- والذي قال حينها "لو كانت الشرعية عصا مكسورة في غرفة، لوقفت إلى جانبها".
وعقب انطلاق عاصفة الحزم التي قادتها السعودية في مارس/آذار 2015 لدعم الشرعية اليمنية، غادر العليمي إلى الرياض. وقد اتهمه لاحقا الرئيس الأسبق صالح -الذي تحالف مع الحوثيين ضد هادي وساند سيطرتهم على صنعاء- بأنه هو الذي زوّد قوات التحالف العربي بـ"إحداثيات المعسكرات ومقرات الدولة" لتستهدفها المقاتلات الجوية السعودية والإماراتية، ومقاتلات التحالف العربي.
تخصص العليمي أكاديميا في العلوم العسكرية وحصل على البكالوريوس من كلية الشرطة بدولة الكويت عام 1975م، ومن جامعة صنعاء حصل على الليسانس في الآداب عام 1977م، وحاز الماجستير والدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة عين شمس في القاهرة بجمهورية مصر العربية عامي 1984و1988م، وعمل في كلية الشرطة بصنعاء عام 1975م، كما عمل في إدارة البحث الجنائي من عام 1978 حتى عام 1981م، وفي عام 1989م عمل أستاذا في جامعة صنعاء، ليصبح في أبريل/نيسان 2022 الرئيس الثالث للجمهورية اليمنية التي أعلن قيامها في 22 مايو/أيار 1990 وفقا لإعلان الوحدة اليمنية الاندماجية بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي.
وجاء تشكيل مجلس القيادة الرئاسي بقيادة العليمي قبل عامين، لإنهاء مرحلة هادي وترتيب بيت الشرعية الداخلي الذي بدأت النيران تشتعل فيه، وتكاد الحروب بين قواه تهدم ما بقي منه، وإن كان كثيرون يعتقدون أن السعودية قائدة التحالف العربي الداعم للشرعية اليمنية، وشريكتها الإمارات تقفان وراء إشعال الحرائق بين القوى المؤيدة للشرعية، لتنفيذ أجنداتهما الخاصة بهما، والمتعارضة مع أهداف الشرعية باستعادة مؤسسات الدولة اليمنية، وفرض سيادتها على كل أراضيها.
ونص بيان نقل السلطة وقتها على أن يفوض الرئيس هادي كل صلاحياته الرئاسية إلى الرئيس رشاد العليمي واعتباره قائدا أعلى للقوات المسلحة اليمنية، كما نقلت صلاحيات نائب رئيس الجمهورية الفريق علي محسن الأحمر -الذي أقيل بقرار من هادي- إلى الأعضاء السبعة الآخرين بمجلس القيادة الرئاسي واعتبر كل عضو منهم بدرجة نائب رئيس.
وقال البيان إن مجلس القيادة الرئاسي سيقوم بمهام "إدارة اليمن سياسيا وعسكريا وأمنيا طوال المرحلة الانتقالية". ونصت المادة الثامنة منه على أن: "تنتهي ولاية مجلس القيادة الرئاسي وفقا للحل السياسي الشامل وإقرار السلام الكامل في كافة أنحاء الجمهورية، الذي يتضمن تحديد المرحلة الانتقالية ومتطلباتها، أو عند إجراء الانتخابات العامة وفقا للدستور الجديد وتنصيب رئيس الجمهورية الجديد".
ويبدو للوهلة الأولى أن مجلس القيادة الرئاسي باليمن تشكل من ثمانية أشخاص بالمناصفة، أربعة من قوى الشمال وأربعة من قوى الجنوب، فالأربعة المحسوبون على قوى شمال اليمن هم:
• الرئيس رشاد العليمي المنحدر من محافظة تعز، المنتمي لحزب المؤتمر الشعبي العام.
• اللواء سلطان علي مبخوت العرادة محافظ مأرب السابق، المنتمي لحزب المؤتمر الشعبي العام، والذي يحظى بعلاقة جيدة مع حزب التجمع اليمني للإصلاح.
• عثمان حسين فايد مجلي، وهو برلماني وشيخ قبلي من محافظة صعدة بمديرية سحار، منتم لحزب المؤتمر الشعبي العام منذ عام 2003.
• العميد طارق محمد عبد الله صالح عفاش نجل شقيق الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، الذي عمل قائدا لحرسه الخاص حتى مقتله في 2 ديسمبر/كانون الأول 2017 بأيدي حلفائه الحوثيين.
أما الأربعة المحسوبون على قوى جنوب اليمن فهم:
• عيدروس قاسم الزبيدي؛ اللواء السابق في الجيش، الذي كان عضوا في الحزب الاشتراكي اليمني، وعُيّن محافظا لمدينة عدن في 7 ديسمبر/كانون الأول 2015، وأُقاله هادي في 27 أبريل/نيسان عام 2017، ليعلن بعدها في مايو/أيار 2017 عن تأسيس ورئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، المطالب بانفصال جنوب اليمن.
• اللواء فرج سالمين البحسني القائد السابق للمنطقة العسكرية الثانية بالجيش اليمني، والذي كان ينتمي للحزب الاشتراكي اليمني، وعمل محافظا لحضرموت.
• عبد الرحمن المحرمي المكنى بأبي زرعة، المنتمي للتيار السلفي والمنحدر من منطقة يافع، بمحافظة أبين.
• الدكتور عبد الله بن عبد الله العليمي باوزير المنحدر من محافظة شبوة، الذي برز في عدن خلال ثورة الشباب السلمية عام 2011 التي أطاحت برئاسة صالح، والمنتمي لحزب التجمع اليمني للإصلاح.
الظهور الإعلامي
اعتمد الرئيس العليمي منذ بداية ولايته سياسة تكثيف الحضور الإعلامي صوتا وصورة عبر خطابات رسمية تبث عبر قنوات التلفزيون الحكومية ومنصات التواصل الاجتماعي، خلافًا لنهج الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، الذي فضل الغياب عن الإعلام إلا ما ندر خلال عشرية حكمه اليمن التي شهدت أخطر حرب داخلية وخارجية في تاريخه.
ولا يفوت العليمي مناسبة دينية أو وطنية دون الظهور في خطاب متلفز يقرأه بنفسه، والتأكيد الدائم أن مهمته هي "استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي، سلما أو حربا"، ورغم مضي عامين على رئاسته ودخوله العام الثالث في قيادة اليمن لم تظهر سوى جهود سلام لم تؤت أكلها حتى اليوم، وهو ما أعاد إلى الأذهان مقولة لسلفه الرئيس هادي يقول فيها "سأضرب بسيف السلام حتى النهاية".
وفي أحدث خطاب له بمناسبة عيد الفطر المبارك للعام الجاري 1445هـ الموافق 9 أبريل/نيسان 2024م قال الرئيس العليمي إن مجلس القيادة الرئاسي كان على مدى العامين الماضيين ملتزما بمبادئ إعلان نقل السلطة وتعهداته المعلنة في خطاب القسم بشأن خيار السلام كمصلحة للشعب اليمني "الذي لم يختر أبدا هذه الحرب المدمرة، وإنما كانت بالنسبة له حرب الضرورة للدفاع عن النظام الجمهوري، وهوية وسيادة اليمن وسلامة أراضيه".
ويرى عبد السلام محمد، مدير مركز أبعاد للدراسات، في حديث للجزيرة نت أن "إنجازات مجلس القيادة الرئاسي تتمثل في نقطتين فقط، هما الحفاظ على مشروعية الدولة اليمنية واعتراف المجتمع الدولي بها، حيث كانت الدولة في حالة انهيار، والحوثيون يسحبون البساط من الحكومة الشرعية، وخلال هجمات الحوثيين في البحر الأحمر استطاع الرئيس رشاد العليمي أن يعيد وصل كثير من الحبال التي انقطعت مع المجتمع الدولي الذي كان قد بدأ يتحدث عن مساع لإلغاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 في سياق الاعتراف بالأمر الواقع الذي فرضه الحوثيون في صنعاء".
الانجاز الثاني- كما يقول عبد السلام محمد- هو وضع كل القوات والتشكيلات العسكرية المعادية للحوثيين سواء قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وقوات العمالقة السلفية التي يقودها عبدالرحمن المحرمي وقوات المقاومة الوطنية والتهامية التي يقودها العميد طارق محمد صالح، إلى جانب الجيش في مأرب وتعز وحضرموت وحجة وصعدة، وألوية السلفيين وعثمان مجلي في صعدة، تحت قيادة وزارة الدفاع وغرفة عمليات واحدة، وهو ما عزز موقف الدولة، والحكومة الشرعية عسكريا وسياسيا ودوليا، في مواجهة الحوثيين.
من جانبه أشار الدكتور عادل الشجاع، الأكاديمي والقيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام، إلى أن ما يجري اليوم في اليمن يؤكد فشل الرئيس العليمي ومجلسه الرئاسي في توحيد قوات الجيش اليمني إذ "لم تعد هناك مؤسسة عسكرية، بل مليشيات واختفت الأجهزة الأمنية لتحل محلها أجهزة تابعة للمليشيات، وحلت العقيدة المناطقية بدلا عن العقيدة الوطنية الجامعة". ولفت الشجاع في حديثه إلى أن إعلان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي "أكد على الالتزام بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية ووحدة أراضيه لكن الحاصل هو التفتيت والتمزيق".
في المقابل يرى مؤيدو الرئيس العليمي أنه يعمل في وضع معقد للغاية، نتيجة تراكمات سابقة خلال فترة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي إضافة إلى تعقيدات الواقع في اليمن. وقال الدكتور ثابت الأحمدي الباحث السياسي والقيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام "نتيجة الركام الهائل أمام الرئيس العليمي ومجلس القيادة فإن حجم الإنجاز خلال عامين قد يبدو متواضعا بالنسبة للمواطن اليمني الذي لا يلمّ بتفاصيل المشهد وتعقيداته.
ويبدو العليمي ذو السبعين عاما أكثر نشاطا وحضورا من كثير من نوابه ووزراء حكومته، إلا أنه يبدو بالمقابل مشدودا بحبال حلفائه في السعودية والإمارات اللتين تضبطان سرعة إبحار سفينة اليمن في بحر مظلم ذي أمواج عالية، وعواصف هوجاء.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك