لا تزال حالة الصمت تسيطر على المشهد السياسي في الكويت، إثر إعلان أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، يوم الجمعة الماضي، حلّ مجلس الأمة (البرلمان)، وتعليق العمل في بعض مواد الدستور، وذلك لمدة لا تزيد عن أربع سنوات، التي ربما يكون عزّزها إعلان النيابة العامة، السبت، حبسها مواطناً احتياطياً، وحجز وضبط آخرين، استناداً إلى المادة 25 من قانون أمن الدولة الكويتي وذلك بتهمة "نشر عبارات عبر حساباتهم بموقع إكس، تضمّنت طعناً في حقوق وسلطات مقام الأمير، والعيب في ذاته والتعرض لشخصه بالنقد"، من دون أن تُشير إلى أسمائهم أو صفاتهم.
وجرى التداول على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي في الكويت، أن من بين المحتجزين النائب السلفي السابق في البرلمان، وليد الطبطبائي، والمغرد باسم مستعار "نيرون". وكان الطبطبائي قد علّق على حسابه الرسمي في "إكس" على حلّ مجلس الأمة ووقف بعض مواد الدستور الكويتي، قائلاً: "عهد ووعد... سندافع عن حريات الشعب وحقوقه ومكتسباته الدستورية، والتي لا نقبل المساس بها. والله المستعان".
توقيفات وفق المادة 25 من قانون أمن الدولة الكويتي
وكانت صحيفة الجريدة الكويتية، واسعة الانتشار في البلاد، الوحيدة التي نشرت خبراً حول تفاصيل أوامر النيابة العامة أخيراً، ولكن بعد يومين من صدورها، وذلك في عددها الصادر اليوم الاثنين، حيث كتبت: "قررت النيابة العامة حجز النائب السابق وليد الطبطبائي والمغرد نيرون إلى اليوم (أمس)، لاستكمال التحقيقات التي تجريها على خلفية اتهامهما بالإساءة إلى الذات الأميرية، بعد نشرهما تغريدات مسيئة في موقع إكس، عقب الخطاب الذي ألقاه أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد". وتابعت أنها علمت أن النيابة "أصدرت قراراً بضبط وإحضار ناشط سياسي ومرشح سابق على خلفية الاتهامات ذاتها"، من دون أن تُسمّيه، "إلا أنه لم يُنفذ لوجوده خارج البلاد"، بحسب الصحيفة.
وتنصّ المادة 25 من قانون أمن الدولة الكويتي على أنه "يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات، كل من طعن علناً أو في مكان عام، أو في أي مكان يستطيع سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام، عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصورة أو أي وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر، في حقوق الأمير وسلطته، أو عاب في ذات الأمير، أو تطاول على مسند الإمارة". كما تنصّ المادة 54 من الدستور الكويتي، على أن "الأمير رئيس الدولة، وذاته مصونة لا تُمسّ".
وحول ذلك، قال الخبير الدستوري، أستاذ القانون في جامعة الكويت، إبراهيم الحمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن التعرّض إلى إجراءات الأمير "من جرائم أمن الدولة، ومعناها أنه لا يجوز المساس بما يؤدي إلى اضطراب الأمن في البلاد، ومن أهم مستلزمات حماية الأمن عدم التعرّض بالإساءة إلى رأس الدولة، وهو الأمير". وتابع: "الحظر في المادة 25 من قانون أمن الدولة الكويتي يتعلق بعدم التعبير السلبي على الإجراءات التي يتخذها الأمير، حيث يُعدّ العيب فيها عيباً في الأمير، ما يعني العيب في رأس الدولة وكيان الدولة وبقائها". وأوضح الحمود أبعاد نصّ المادة، قائلاً: "العيب في ذات الأمير أو في استخدامه لسلطاته يعني أن الدولة هشّة، حيث يُعتبر المساس في رئيس الدولة هدراً لكرامتها، وهو ما عبّر عنه القانون باعتبارها من جرائم الأمن الداخلي".
وحول أوامر النيابة الصادرة أخيراً، بعد الأمر الأميري بحلّ البرلمان ووقف بعض مواد الدستور، بيّن أن "هؤلاء استهانوا بسلطات الأمير، وعابوا الأمر الأميري الصادر، وبالتالي كأنهم عابوا الأمير لأنه هو من اتخذ هذا الأمر، وهنا كأنهم مسّوا في سلطاته كأنه غير قادر على إصدارها، وهذا ما لا يجوز". وأضاف: "الأمر الأميري جاء في مطلعه أنه يأتي "بناء على ما تقتضيه المصلحة العليا للبلاد" في أول فقرة مكتوبة، ومن ثم من يقول إن هذا الإجراء غير سليم؟ يجب أن يكون هناك حكم محكمة على الأقل يقول إنه باطل، وهو ما لا يوجد، لذا لا يصحّ أن يأتي من يعترض عليه بهذا القول مثلاً".
وشرح الخبير الدستوري أن "القضاء في الكويت عام 1986 (أثناء وقف العمل في بعض مواد الدستور للمرة الثانية في تاريخ البلاد)، قال إن الأمر الأميري بحلّ مجلس الأمة يُعتبر حالة واقعية لا تراقبها المحكمة". وبالتالي، برأيه، فإن "القوانين التي صدرت في تلك الفترة، وحتى في الفترة الأولى بعد عام 1976 (وقف العمل في بعض مواد الدستور للمرة الأولى)، ما زلنا نعيش فيها حتى اليوم". وعليه، شدّد على أنه "لا يصحّ أن نقول إن الأمر الأميري باطل من مزاجنا من دون حكم قضائي على الأقل، أولاً احتراماً للظروف الحالية التي أدت إلى تدخّل الأمير بهذا الأمر الأميري، وثانياً لأنه لا يوجد مرجع يقول ببطلانه".
جدال سياسي متواصل
ولطالما دار جدال سياسي وقانوني في الكويت، حول حدود المادة 25 من قانون أمن الدولة الكويتي خصوصاً في زخم الحراك الاحتجاجي المُعارض في البلاد قبل أكثر من عقد، تحديداً بعد الاحتجاجات التي أطلقتها المعارضة الكويتية ضد "مرسوم الضرورة" الذي أصدره أمير الكويت السابق الراحل، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، عام 2012، وقرر بموجبه تقليل أصوات الناخبين من أربعة أصوات لأربعة مرشحين في كل دائرة انتخابية (النظام الانتخابي في الكويت من خمس دوائر، وتنتخب كل دائرة عشرة أعضاء)، إلى صوت واحد لمرشح واحد فقط في الدائرة، حيث اعتبرت المعارضة المرسوم الأميري "تجاوزاً على الدستور"، وقاطعت الانتخابات التي جرت وفق النظام الجديد. إثر ذلك، تعرّض قطاع واسع من المعارضة الكويتية إلى حملة اعتقالات ومحاكمات قضائية، وتصدّرها آنذاك عدد من رموزها خصوصاً من النواب السابقين، أبرزهم مسلّم البراك وفيصل المسلم وجمعان الحربش ووليد الطبطبائي وفلاح الصواغ، كما اشتملت على مجموعة كبيرة من قادة الحراك الشبابي، منهم من نال عضوية البرلمان في السنوات الأخيرة، من بينهم حمد العليان في مجلس 2023، وأنور الفكر في مجلس 2024، وأُدين هؤلاء وغيرهم بتهمة "الإساءة إلى الذات الأميرية".
وخلال تلك الفترة، انتقل الجدال السياسي حول المادة 25 من قانون أمن الدولة الكويتي إلى أروقة المحاكم عام 2013، حيث تقدّم نواب سابقون ومغردون بالطعن على دستوريتها لدى المحكمة الدستورية، التي حسمت المسألة نهائياً، وحكمت بدستورية المادة، وسلامة النصّ القانوني بعدم تعارضه مع نصوص الدستور الكويتي، وبما يتوافق مع مواد الأخير التي تناولت ذات الأمير وصلاحياته الدستورية.
ولم ينقطع في الكويت استخدام المادة 25 من قانون أمن الدولة الكويتي ولكنه تفاوت بين مرحلة سياسية وأخرى، بحسب تأثره بالحالة السياسية في البلاد، حيث توسّع في زخم الحراك الاحتجاجي والمسيرات والندوات السياسية في الشوارع والساحات ما بين عامي 2011 و2014، وتراجع بعد ذلك مع تراجع الحراك تدريجياً على الأرض، ثم توقّف الحراك تماماً في أعقاب سحب الجنسية الكويتية من عدد كبير من المعارضين، كان من أبرزهم آنذاك، النائب السابق عبد الله البرغش، والداعية الإسلامي نبيل العوضي، والصحافي سعد العجمي، والذي عمل مراسلاً لقناة "العربية"، ورئيس تحرير صحيفة "عالم اليوم" أحمد الجبر.