في ظل غياب رؤية واضحة بشأن الحدود المسموح بها للتعامل مع الحوثيين مع سريان قرار الولايات المتحدة تصنيف الجماعة «منظمة إرهابية أجنبية»، أكد سياسيون يمنيون ورجال أعمال أن الضبابية تلف مشهد مرحلة ما بعد التصنيف على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وسط تحذير الحكومة من أي تعامل مع الجماعة سياسياً أو اقتصادياً أو إعلامياً.
وذكر سياسيون لـ«الشرق الأوسط» أن مسار العملية السياسية مع الحوثيين في أعقاب هذا القرار غير معروف، خصوصاً أن هناك أنباء عن ضم عدد من قادة الجماعة إلى قوائم الإرهاب؛ لأن ذلك يفترض أن يحول دون عقد أي لقاءات معهم، وتوقعوا أن تذهب الجماعة نحو التصعيد إذا ما اشتد الخناق عليها اقتصادياً وسياسياً خلال المرحلة المقبلة.
المخاوف ذاتها كانت حاضرة لدى القطاع التجاري في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، فقد أكدت مصادر عاملة في تلك المناطق لـ«الشرق الأوسط» أن القطاع التجاري تلقى تطمينات من الجانب الحكومي بأن التصنيف لن يؤثر على استيراد المواد الغذائية ولا على فتح الاعتمادات المستندية؛ لأن هذه العملية تجري أساساً منذ سنوات عبر «البنك المركزي اليمني» في عدن بعد نقل مقره الرئيسي إلى هناك.
وعلى الرغم من هذه التوضيحات، فإن المصادر أكدت أن القطاع التجاري لا يزال بحاجة إلى توضيحات أكثر لمعرفة الحدود والمجالات التي يمكن العمل بها في مناطق سيطرة الحوثيين، وبما يجنب التجار أي تبعات لهذا التعامل، وبحيث لا تطولهم العقوبات الأميركية. وبينت أن الاتصالات التي تجريها الغرفة التجارية مع الجانب الحكومي متواصلة، وأنه سيجري الحصول على تفاصيل كاملة بشأن هذه القضايا.
وبشأن عمل المنظمات الأممية في مناطق سيطرة الحوثيين، ذكرت مصادر حكومية أن الجانب الأميركي أبلغ الأمم المتحدة أن هناك استثناءات ستوضع لعمل المنظمات الإغاثية، ولكن بشرط عدم استفادة الحوثيين أو المتعاونين معهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من تلك المساعدات، كما كان يحدث من قبل.
وكان الحوثيون يختارون الشركاء المحليين للمنظمات الأممية والدولية، وهم غالباً مؤسسات غير حكومية تتبع الجماعة أو يمتلكها قادة ونشطاء فيها، وكذلك الأمر بشأن الخدمات اللوجيستية للمنظمات، التي كان يحتكرها تجار ورجال أعمال من الحوثيين.
ووفق مصادر يمنية عاملة في الجانب الإغاثي، ورغم الاستثناءات التي منحتها الولايات المتحدة للعمل الإنساني في مناطق سيطرة الحوثيين، فإن هناك محاذير كبيرة للعمل في تلك المناطق؛ لأن الحوثيين يتحكمون في كل شيء، حيث منعوا كل المنظمات غير الحكومية التي لا تتبعهم من العمل، وبالتالي فكل المنظمات الشريكة تدين بالولاء لهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وكذلك الأمر، وفق المصادر، بخصوص الخدمات اللوجيستية، فقد أصبح التجار في تلك المناطق تحت رحمة الحوثيين، وبالتالي؛ فإنهم يُرغَمون على دفع جبايات أو فوائد مالية للجماعة.
ورجحت المصادر زيادة الأعباء إذا ما اتخذت الولايات المتحدة قراراً بإخراج البنوك في مناطق سيطرة الحوثيين من نظام «التحويلات المالية العالمية (سويفت كود)»، وقالت إن المنظمات الإغاثية كانت قد اقترحت نقل الأموال المخصصة للعمل الإغاثي ونفقات تشغيل المكاتب ودفع المرتبات وتلك المخصصة للمحتاجين بديلاً عن المساعدات الغذائية، بشكل مباشر من الخارج إلى مناطق الحوثيين لتجاوز هذه العقبة، لكن لا يُعرف حالياً ما إذا كان هذا الخيار لا يزال قائماً أم إن هناك خيارات بديلة.
وكان معمر الإرياني، وزير الإعلام والثقافة في الحكومة اليمنية، قد وصف هذه الخطوة بـ«القرار التاريخي الذي يعكس التزام الولايات المتحدة بمواجهة الإرهاب الذي تمارسه ميليشيا الحوثي، ويمثل خطوة حاسمة لقطع مصادر تمويلها وعزلها دولياً، بعدما ثبت تورطها في استهداف المدنيين، وتهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، والمصالح الإقليمية والدولية».
وبين الوزير اليمني أنه «وفقاً لقرار التصنيف، فإن كل من يتعامل مع الحوثيين معرض للملاحقة القانونية بموجب قوانين مكافحة الإرهاب، والعقوبات المالية، وتجميد الأصول المرتبطة بأي تعامل معهم، والعزل السياسي والمجتمعي».
وحذر الإرياني جميع الجهات والأفراد من مغبة التعامل مع ميليشيا الحوثي بعد تصنيفهم «إرهابيين»، وأكد أن أي تواصل سياسي أو اقتصادي أو إعلامي أو اجتماعي معهم سيعدّ «تواطؤاً مع الإرهاب» وسيواجَه بعواقب قانونية صارمة.
ودعا الوزير رجال الأعمال إلى وقف أي تعامل مالي أو تجاري مع الحوثيين فوراً، كما دعا السياسيين والإعلاميين إلى «عدم محاولة منح الشرعية لجماعة إرهابية تهدد الأمن الإقليمي والدولي»، وحذر القبائل والشخصيات الاجتماعية من «الوقوع في فخ الحوثي، فهو يستغل الجميع ثم يتخلص منهم».
وحذر ناشط حقوقي يمني بارز من «كارثة إنسانية وشيكة في اليمن، جراء ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي في البلاد، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، بالتزامن مع أزمة اقتصادية خانقة تضرب البلد» الغارق في أتون حرب مستمرة منذ 10 سنوات.
ودعا عرفات حمران، رئيس «منظمة رصد للحقوق والحريات»، الحكومة إلى تشكيل غرفة طوارئ عاجلة؛ «لأن التقارير الإنسانية والإغاثية والأممية ذات الصلة تُشير إلى أن البلاد توشك على دخول مرحلة (الكارثة)، وهي المرحلة التي تفقد فيها السلطات والمنظمات القدرة على الحد من انتشار المجاعة»، داعياً المجتمع الدولي إلى «توسيع تدخلاته الإنسانية والمساهمة في وقف التدهور المريع للوضع الإنساني في البلاد».
ومع تأكيد الأمم المتحدة وجود 17.1 مليون يمني بحاجة للمساعدات الإنسانية خلال هذا العام، وإصابة ملايين الأطفال بسوء التغذية والتقزم، نبه حمران إلى أن «غالبية الأسر اليمنية لا تستطيع شراء المتطلبات الأساسية من الغذاء؛ جراء الأزمة الاقتصادية ومحدودية فرص الدخل وانهيار العملة».
ودعا الحقوقي اليمني الحكومة إلى «تشكيل غرفة طوارئ على مدار الساعة، لجمع المعلومات والبيانات والتنسيق مع كل المنظمات الدولية والشركاء الدوليين والمحليين، لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها في عموم البلاد؛ لأن كل مواطن، سواء في مناطق الشرعية والحوثيين، هو مسؤولية الحكومة الشرعية».
هذا وكان قد حذر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، من التداعيات المحتملة لإعلان وزارة الخارجية الأميركية إدراج الحوثيين، ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
وفي مؤتمر صحفي عُقد الثلاثاء الماضي ، شدد دوجاريك على أهمية ضمان استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والأنشطة التجارية المدنية في اليمن، في ظل هذا التصنيف الذي يمكن أن يعمق الأزمة الإنسانية في البلاد.
وأشار دوجاريك إلى أن "هذا التصنيف يجب أن يُقترن بضمانات ملائمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية بشكل فعال، وكذلك لتمكين المدنيين من الوصول إلى السلع والخدمات الأساسية".
وأكد على أن الأمم المتحدة تركز بشكل رئيسي على الوضع الإنساني في اليمن، وتواصل جهودها لإنقاذ الأرواح في ظل الأزمة المستمرة.
وشدد على ضرورة الحفاظ على دور القطاع الخاص في تأمين الاحتياجات الإنسانية، محذرًا من أن أي تعطل في وصول السلع التجارية إلى اليمن قد يؤدي إلى آثار كارثية.
وأوضح أن "حوالي 19 مليون شخص في اليمن يحتاجون إلى مساعدات إنسانية منقذة للحياة، بينما يواجه 17 مليون شخص خطر المجاعة، في بلد يعتمد على استيراد حوالي 90% من احتياجاته الغذائية".( حسب تصريحه) .
هذا وكان قد أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن واشنطن أعادت رسميا إدراج جماعة الحوثيين باليمن إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
وأوضح روبيو في بيان مكتوب، أمس الثلاثاء، أن واشنطن اتخذت خطوات رسمية تتوافق مع المرسوم الرئاسي الذي وقعه سابقا الرئيس دونالد ترامب.
وجاء في البيان: "تنفذ وزارة الخارجية اليوم أحد الوعود التي قطعها الرئيس ترامب منذ توليه منصبه، ويسعدني أن أعلن أن الوزارة صنفت أنصار الله، المعروفة أيضا باسم الحوثيين، منظمة إرهابية أجنبية".
وأضاف أن "أنشطة الحوثيين تشكل تهديدا لأمن المدنيين والموظفين الأميركيين في الشرق الأوسط، كما تعرض سلامة أقرب شركائنا الإقليميين واستقرار التجارة البحرية العالمية للخطر"، وذلك وفقًا للأمر التنفيذي 14175 الصادر عن الرئيس ترامب.
وأشار البيان إلى أن الحوثيين نفذوا منذ عام 2023 مئات الهجمات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، بالإضافة إلى استهدافهم القوات الأميركية التي تدافع عن حرية الملاحة والشركاء الإقليميين.
ولفتت واشنطن إلى أن الجماعة امتنعت عن استهداف السفن التي ترفع العلم الصيني، بينما استهدفت السفن الأميركية والحليفة، مؤكدة أنها "لن تتسامح مع أي دولة تتعامل مع منظمات إرهابية مثل الحوثيين تحت غطاء الأنشطة التجارية المشروعة".
وشددت على أن هذه الخطوة "تعكس التزام إدارة ترامب بحماية المصالح الأمنية الأمريكية وسلامة المواطنين، كما تساهم في الحد من الدعم الذي تتلقاه الجماعات الإرهابية".
إلى ذلك أعلن برنامج مكافآت العدالة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية أنه سيدفع ما يصل إلى 15 مليون دولار مقابل معلومات تؤدي إلى تعطيل تمويل الحوثيين.
وبموجب مرسوم رئاسي، قرر ترامب في 23 يناير/كانون الثاني الماضي إعادة إدراج الحوثيين في قائمة "المنظمات الإرهابية" بعد أن أخرجتهم إدارة الرئيس السابق جو بايدن، من القائمة.
وفي 16 فبراير/ شباط 2021 أعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق أنتوني بلينكن أن إدارة بايدن قررت إزالة "أنصار الله" من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
وأشار بلينكن حينها إلى أن هذا القرار تم اتخاذه بسبب الوضع الإنساني المتدهور في اليمن.
وكان الحوثيون أضيفوا إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في الأيام الأخيرة لإدارة دونالد ترامب الأولى (2017-2021).
*اليوم برس - الشرق الأوسط
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك