يدخل الاقتصاد اليمني، منعطفاً جديداً هو الأخطر، خلال العقد الاخير، بعد أن أحدث الحوثيون، خرابا هائلاً في مختلف القطاعات الاقتصادية، حيث انعكست كافة الممارسات الحوثية، على تضرر المصالح العامة في اليمن ومنها المصالح الاقتصادية والتجارية.
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية الثلاثاء 4 مارس/ آذار الجاري، بدء سريان القرار الذي يقضي بإعادة تصنيف مليشيا الحوثي في اليمن، منظمة إرهابية، حيث من المحتمل أن يكون لهذه الخطوة، العديد من التبعات على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن.
كما تضع كافة المصالح الاقتصادية والتجارية، المرتبطة بمليشيا الحوثي، في دائرة الخطر، كون قرار الخزانة الامريكية، يهدف إلى تجميد كافة الأصول والممتلكات التابعة للحوثيين، ووقف التعاملات المالية والتجارية.
وجاء في حيثيات البيان الصادر عن الخارجية الامريكية، أنها لن تتسامح مع أي دولة تتعامل مع الحوثيين، تحت ذريعة ممارسة الأعمال التجارية.
تتزايد احتمالات تأثر الاقتصاد اليمني، والأوضاع الإنسانية مع صعوبة الأوضاع الراهنة، وإصرار المليشيا على المقامرة بمستقبل وحاضر البلد، وخصوصا الملف الاقتصادي الذي ظل على مدى عشرة أعوام مضت هدفا مباشراً لمليشيا الحوثي، حيث تعرض القطاع العام لتجريف ممنهج، وإحلال واستحواذ طال القطاع الخاص.
قرار الولايات المتحدة تصنيف مليشيا الحوثي في اليمن كمنظمة إرهابية أجنبية، الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب ودخل حيز التنفيذ في مارس 2025، من المتوقع أن يحدث تأثيرا مباشراً على الاقتصاد الخاص بمليشيا الحوثي، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية في المناطق التي تسيطر عليه المليشيا بالقوة.
إن أقرب وصف لتأثيرات هذا القرار على الاقتصاد القائم والمرتبط بمصالح الجماعة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم يتمثل في فرض عزلة اقتصادية دولية على الحوثيين، عبر تجميد أصولهم، وحظر التعاملات المالية والتجارية، مع تشديد العقوبات على أي طرف ينتهك هذه الإجراءات.
وفقا لتشريعات تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية، يُصبح أي شكل من أشكال الدعم، سواء ماليا، أو تقنيا، أو حتى التواصل المباشر مع الجماعة أو أفرادها، محظورا تماما دون استثناءات.
ستؤثر هذه العقوبات بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي في مناطق سيطرة الحوثيين، خاصة الإيرادات العامة والخاصة التي تُشكل العمود الفقري لنفوذهم، فالجماعة تعتمد بشكل كبير على جباية الرسوم غير القانونية من الموانئ البحرية، والضرائب الباهظة على البنوك والشركات التجارية، بالإضافة إلى التحويلات المالية الخارجية من المنظمات الدولية. ومع هذا القرار، من المتوقع أن تُغلق هذه المصادر تدريجيًا أمام الحوثيين، مما يُهدد استقرارهم المالي.
تقييد التجارة الدولية
في سياق الاقتصاد اليمني، الذي يعتمد بشدة على التجارة الخارجية والاستيراد لتلبية احتياجاته الأساسية من الغذاء والسلع الاستهلاكية، ستُسبب هذه العقوبات هزات عنيفة في مناطق سيطرة الحوثيين، وخاصة في العاصمة صنعاء والمحافظات المجاورة، إذ تعد التجارة الخارجية، حاليًا الشريان الرئيسي للاقتصاد اليمني، ومن المرجح أن تواجه تحديات كبيرة نتيجة القيود المفروضة على الموانئ التي تديرها الجماعة، مثل ميناء الحديدة.
تصنيف الخزانة الأمريكية، يفرض عقوبات اقتصادية تشمل تجميد الأصول المالية للجماعة وقياداتها، وحظر التعاملات التجارية معها، وهذا قد يدفع الشركات الدولية، إلى تقليص أو وقف تعاملاتها التجارية مع المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون كموانئ الحديدة، خشية العقوبات الأمريكية.
إزاء ذلك ستتضاعف تكلفة التأثيرات من حيث ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء والدواء والوقود في هذه المناطق، حيث يعتمد اليمن بشكل كبير على الواردات، مما يؤثر بشكل بالغ على الوضع التمويني في الداخل، ويفاقم من تدهور الأوضاع المعيشية.
صعوبة مليشيا الحوثي من الوصول إلى الموارد المالية، مع سريان القرار الذي قد يؤدي إلى تجميد أي أصول مالية خارجية مرتبطة بالحوثيين أو شركاتهم، والحد من قدرتهم على تمويل عملياتهم الاقتصادية، مما قد يدفعهم إلى فرض جبايات إضافية على التجار والمواطنين في مناطقهم، وهو ما يرهق الاقتصاد المحلي.
تأثر التعاملات المالية
تبرز أيضاً مخاطر العزلة الاقتصادية ووقف التعاملات المالية مع القطاع الاقتصادي المرتبط بمليشيا الحوثي، سيكون لها تأثيرات مباشرة على قدرة وصول المؤسسات المالية المحلية إلى النظام المالي الدولي، لا سيما القطاع البنكي الذي مازال تحت التأثير المباشر لمليشيا الحوثي، وهو ما يضعف الشركات التجارية والمستوردين من الوصول إلى الأسواق العالمية لشراء السلع والمواد الغذائية والبضائع، فضلا عن انخفاض وتراجع القدرة الائتمانية للبنوك، في تقديم الخدمات المالية والقروض للأفراد والمؤسسات العامة والخاصة.
ومع صعوبة وصول البنوك في تلك المناطق إلى النظام المالي الدولي، وتردد شركات الشحن البحري في التعامل مع هذه الموانئ خوفًا من العقوبات، ستتفاقم الأزمة الاقتصادية، إذ يعتمد اليمن بشكل أساسي على الأسواق الخارجية لتأمين احتياجاته، إلى جانب تحويلات النقد الأجنبي من المساعدات الإنسانية والمغتربين، وهي موارد ستتأثر سلبًا بهذا التصنيف، كما ستضعف هذه الإجراءات قدرة الحوثيين على استغلال مواردهم، وستُضعف محاولاتهم لإضفاء الشرعية على سيطرتهم على مؤسسات الدولة، بما في ذلك القطاع البنكي الذي يتركز معظمه في صنعاء.
في المحصلة، ستُعيد هذه العقوبات جماعة الحوثي إلى نقطة البداية اقتصاديًا، مُجردةً إياها من المكاسب المالية التي حصلت عليها عبر سنوات من بناء اقتصاد موازٍ. فالجماعة التي استغلت فرع البنك المركزي في صنعاء لاستهداف العملة الوطنية في المناطق المحررة والضغط على البنوك التجارية، ستجد نفسها أمام تحدٍ غير مسبوق، ومع حظر التعامل مع هذا الفرع، ستُصبح البنوك في صنعاء أمام خيار وحيد لتجنب العزلة الدولية، وهو التنسيق مع البنك المركزي في عدن، المعترف به دوليًا، والامتثال لقوانين مكافحة الإرهاب والنظام المالي العالمي.
إجمالا يؤثر القرار في تقييد قدرات الحوثيين المالية والاقتصادية، مما يضعف نفوذهم على المدى الطويل، لكنّ القطاع الخاص ومجتمع رجال المال والأعمال، خصوصا المرتبط بمليشيا الحوثي، سيكون أيضا معرضا للمخاطر، في حال استمرار المصالح المشتركة، بين الطرفين، لذا فإن أقرب طريقة للابتعاد عن دائرة العقوبات الدولية، والحفاظ على مصالحه، هي بإنهاء أي تعاملات مع مليشيا الحوثي، في الجانبين المالي والتجاري.
خيارات الصمود أمام القطاع الخاص
يفرض هذا الوضع تحديات جمة، على القطاع الخاص في اليمن بما فيه القطاع المصرفي، للنأي بنفسه عن تداعيات وتأثيرات دائرة العقوبات الأمريكية والعزلة الاقتصادية، وهذا قد يدفعه نحو إيجاد سياسات بديلة للحفاظ على مصالحه، تبدأ بوقف أي تسهيلات أو تعاملات ترتبط بالمصالح التجارية والمالية لمليشيا الحوثي.
وتتلخص أبرز جوانب تأثير التصنيف الأمريكي للحوثيين، في قوائم الإرهاب الدولي، على القطاع الخاص اليمني، ومجتمع رجال المال والأعمال، في تقييد التعاملات المالية، إذ أن أي تعاملات من قبل الافراد أو المنشآت والمؤسسات مع مليشيا الحوثي، قد يعرضهم للعقوبات الأمريكية، مثل تجميد الأصول أو الحظر الاقتصادي، وهذا يشمل البنوك والشركات في المناطق التي يسيطرون عليها، مما يعقد الوصول إلى النظام المالي العالمي.
كما أن الشركات التي تعتمد على استيراد البضائع أو تصديرها عبر موانئ مثل الحديدة، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، قد تواجه مخاطر قانونية ولوجستية، بما في ذلك رفض البنوك الدولية تسوية المدفوعات، وهو ما يفاقم الوضع الاقتصادي في المناطق الخاضعة للحوثيين.
في ظل هذا الظروف، يبقى القطاع الخاص اليمني، أمام خيارات أخرى، للحفاظ على مصالحه وأنشطته الإنتاجية، منها التنسيق الكامل مع الحكومة الشرعية، والانتقال إلى المحافظات المحررة، للتعامل مع الخارج، إضافة إلى الاستفادة من الموانئ في المناطق الحكومية مثل موانئ عدن والمكلا، كبديل مناسب وأكثر أماناً لتسهيل آلية الاستيراد واستمرار التجارية الخارجية.
من جهة أخرى، يُعتبر تعزيز العلاقات مع شركات ومؤسسات خارجية داعمة للحكومة الشرعية أو على دراية بالواقع اليمني خطوة استراتيجية مهمة، يجب أن تركز هذه العلاقات على إبراز التزام الشركات اليمنية بالمعايير والقوانين الدولية، مما يعزز مصداقيتها ويفتح أبواب التعاون الاقتصادي.
للحفاظ على مصالحه التجارية، مع العالم الخارجي، من المهم للقطاع الخاص في اليمن اتخاذ خطوات استباقية تتضمن قطع أي صلة محتملة مع مليشيا الحوثي، وتعزيز الشراكات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، والالتزام الصارم بالتشريعات الدولية، وعلى الرغم من التحديات الضخمة، فإن التعاون الوثيق مع الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي، يُمكن أن يُخفف من وطأة التصنيف ويضمن استدامة العلاقات التجارية الخارجية.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك