رامي مخلوف رجل أعمال سوري وابن خال الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد يعتبر مثالا لزواج السلطة برأس المال، إذ تُعدّ عائلة مخلوف من أبرز ركائز البنية الاقتصادية والسياسية لنظام الأسد.
في الثورة السورية ردد المحتجون اسمه واعتبروه رمزا للفساد الاقتصادي، وفرضت عليه عقوبات دولية ومحلية، ثم برز مرة أخرى عام 2025 مع إعلانه تشكيل فصيل مسلح في الساحل عقب أشهر من سقوط الأسد.
المولد والنشأة
ولد رامي مخلوف يوم 10 يوليو/تموز 1969 لعائلة علوية في جبلة الساحلية، وهو الابن البكر لمحمد مخلوف، الشخصية الاقتصادية التي سلّمها الرئيس السوري السابق حافظ الأسد إدارة المصرف العقاري.
الدراسة والتكوين العلمي
حصل مخلوف على بكالوريوس في الهندسة المدنية من "جامعة دمشق".
التجربة الاقتصادية
شغل مخلوف منصب الشريك المؤسس ورئيس مجلس إدارة "شركة راماك للمشاريع التنموية والإنسانية المساهمة المغفلة القابضة الخاصة" في سوريا، وامتلك فيها غالبية الحصص.
كما عمل مديرا أول وشريكا مؤسسا في "شركة راماك للاستثمار" بحصة تبلغ 90%، وهو أيضا شريك مؤسس في "مجموعة راماك الاستثمارية" بنسبة ملكية 51%، كما شغل منصب رئيس مجلس إدارة "شركة سيريتل"، ممثلا عن "شركة راماك للمشاريع التنموية والإنسانية".
أسس "جمعية البستان الخيرية"، وشارك في تأسيس عدد من الشركات في سوريا، منها "شركة راماك للمشاريع التنموية والإنسانية" و"شركة صروح" و"شركة الفجر" و"شركة المدينة" و"الشركة السورية للتعليم" و"الشركة السورية لخدمات الاتصالات".
إمبراطورية احتكار موروثة
توطدت علاقة آل الأسد بعائلة مخلوف منذ عهد حافظ الأسد، في سبعينيات القرن العشرين، وقد جمعت بينهما المصاهرة والانتماء المذهبي وكان لأنيسة مخلوف والدة بشار الأسد، دور محوري في ترسيخ الشراكة بين العائلتين.
وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، أنشأ نظام الأسد شبكة استثمارات دولية واسعة في تلك الفترة، امتدت إلى شراء عقارات فاخرة في روسيا وفنادق في فيينا وطائرات خاصة في دبي، بناء على تحقيقات مسؤولين أميركيين سابقين ومحامين ومنظمات بحثية.
وبدأت عملية تراكم الثروة مع وصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم حين أسند إلى صهره محمد مخلوف، الموظف البسيط آنذاك في شركة الطيران، احتكار استيراد التبغ.
ولاحقا، سلّم محمد إمبراطوريته التجارية لابنه رامي، الذي أصبح الذراع المالية للنظام بثروة قدّرتها الخارجية الأميركية بعشرة مليارات دولار.
وكان مخلوف أقوى شخصية اقتصادية في سوريا زمن النظام البائد، ليس لأنه كان ملك إمبراطورية مالية على رأسها شركة سيريتل للاتصالات السورية، بل تحدثت بعض التقارير أيضا عن استخدامه رجال المخابرات لترويع خصومه من رجال الأعمال، إضافة إلى استخدامه القضاء لصالحه.
ومع تولي بشار الأسد الحكم عام 2000، شهد نفوذ آل مخلوف توسعا هائلا، برز فيه رامي مخلوف، واجهة اقتصادية أولى للنظام، إذ أحكم قبضته على قطاعات إستراتيجية أبرزها الاتصالات والمصارف والعقارات والنفط، مستخدما شركات مثل "سيريتل" و"شام القابضة" أذرعا استثمارية، وحظيت العائلة بدعم أمني وقانوني مباشر مكّنها من احتكار الاقتصاد وإقصاء المنافسين.
وقد قيل وفق تقارير ومعارضين سوريين إن رامي مخلوف كان ستارا اقتصاديا وتجاريا لبشار الأسد، "يغسل" له الأموال، وإنهما متورطان في صفقات فساد كبرى بالمليارات.
عقوبات
فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات اقتصادية على مخلوف في 21 فبراير/شباط 2008، ضمن مساعيها لمعاقبة مسؤولين سوريين قالت إنهم على صلة بمحاولات تقويض الحكم في العراق ولبنان.
وأوضحت الوزارة في حيثيات القرار أن رامي مخلوف هو المستفيد من الفساد العام في سوريا والمسؤول عنه، وإن نفوذه واتصالاته داخل النظام سمحت له بالسيطرة على صفقات مربحة لأنواع محددة من السلع.
وفي الأسابيع الأولى للثورة السورية صبّ المحتجون جام غضبهم على مخلوف وأحرقوا مكاتب شركته سيريتل في مدينة درعا التي بدأت فيها شرارة الثورة منتصف مارس/آذار 2011.
وفي 10 يوليو/تموز 2011 أدرجت وزارة الخزانة الأميركية عددا من الشركات التي يملكها مخلوف كليا أو جزئيا على لائحة عقوباتها.
ووضعه الاتحاد الأوروبي أيضا في قائمة عقوباته الاقتصادية والسياسية في 10 مايو/أيار 2011.
وتقول بعض التقارير إن أي شركة أجنبية تسعى إلى الاستثمار أو ممارسة أنشطة تجارية في سوريا، كانت مضطرة للحصول على موافقة مخلوف، وغالبا ما كان ذلك يتطلب إدخاله شريكا أساسيا في تلك العمليات.
سحب الجنسية القبرصية
كان رامي مخلوف قد تقدم بطلب أولي للحصول على الجنسية القبرصية عام 2009، مستندا إلى أصول عقارية وودائع مصرفية في قبرص. وعلى الرغم من تقديمه مستندات تثبت امتلاكه عقارات بقيمة 320 ألف يورو وودائع مصرفية بقيمة 17.3 مليون يورو، لم يحصل على الجنسية إلا مطلع عام 2011، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز" آنذاك.
ولاحقا، مُنحت الجنسية القبرصية أيضا لزوجته و3 من أبنائه، إلا أن مجلس الوزراء القبرصي قرر في آب/أغسطس 2012 سحب الجنسية من جميع أفراد العائلة، وهو قرار أقرته لجنة قانونية في مارس/آذار 2013، وصدّقت عليه الحكومة رسميا في مايو/أيار 2013.
أرجعت الحكومة القبرصية قرارها إلى دور مخلوف في تمويل قمع النظام السوري للاحتجاجات في الثورة السورية، إضافة إلى العقوبات الأوروبية التي فُرضت عليه لاحقا بسبب تورطه في ذلك.
ورغم تحذيرات السجل المدني القبرصي المتعلقة بخلفيته، حصل مخلوف على الجنسية في البداية بسبب حجم استثماراته داخل قبرص.
عام 2024، تقدّم رامي مخلوف بطعن قضائي أمام المحكمة الدستورية العليا في قبرص ضد قرار سحب الجنسية، إلا أن المحكمة رفضت الاستئناف وأبقت على قرار الإلغاء.
خلافه مع الأسد
في يونيو/حزيران 2011، أعلن رامي مخلوف انسحابه من المشهد التجاري السوري واختفى عن الأضواء. ومع ذلك، بدأت الخلافات بينه وبين النظام السوري تظهر إلى العلن بحلول ديسمبر/كانون الأول 2019، عندما جمّدت "مديرية الجمارك" أصوله المالية واتهمته، مع آخرين، بالتهرب الضريبي والاستيراد غير المصرح به وتحقيق أرباح غير مشروعة.
لاحقا، فرض النظام السوري المخلوع حزمة من الإجراءات العقابية ضده، شملت:
• إصدار قرار بمنعه من السفر مؤقتا بسبب أموال مستحقة للدولة.
• الحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة.
• مصادرة "جمعية البستان" التي كانت تمثل الواجهة الإنسانية لأعماله.
• حل المجموعات المسلحة المرتبطة به.
• منعه من التعاقد مع الحكومة.
• فرض حارس قضائي على شركة "سيريتل".
وتصاعدت حدة الأزمة عام 2020، عندما وضع بشار الأسد رامي مخلوف قيد الإقامة الجبرية، على خلفية الضغوط الداخلية المتزايدة بسبب مظاهر الثراء الفاحش التي استعرضتها عائلته على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالتوازي، تولت أسماء الأخرس زوجة الرئيس السوري إدارة الأصول الاقتصادية داخل سوريا، رغم العقوبات الأوروبية والخليجية المفروضة عليها بتهمة الاستفادة من شبكات فساد دولية.
في خضم هذا النزاع، خرج مخلوف عن صمته ونشر سلسلة من مقاطع الفيديو انتقد فيها صراحة ممارسات النظام وأجهزة الأمن. ومع تصعيد المواجهة، فقد السيطرة على معظم استثماراته، إذ جرى نقل الأصول التي كان يديرها إلى كيانات وشخصيات موالية مباشرة للأسد، في خطوة اعتُبرت إعادة توزيع ممنهجة للثروة داخل الدائرة الضيقة للنظام.
عقب سقوط النظام
ومع إعلان سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 حاول أفراد من عائلة مخلوف الفرار من البلاد باتجاه لبنان، لكنهم وقعوا في كمين على الطريق نصبه مقاتلو المعارضة الذين أطلقوا النار على إيهاب مخلوف وقتلوه وأصابوا إياد مخلوف، بينما أفادت مصادر أخرى أن رامي مخلوف كان ضمن الموكب.
وفي مارس/آذار 2025 اندلعت اشتباكات في الساحل السوري بعد أن شنت جماعات علوية مسلحة هجمات منسقة ضد دوريات وحواجز أمنية في اللاذقية وطرطوس، وتسببت الاشتباكات بمقتل المئات من الطرفين إلى جانب وقوع قتلى وإصابات بين المدنيين.
حمّل مخلوف، غياث دلا، أحد التابعين لقائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، مسؤولية الأحداث التي شهدها الساحل السوري، متهما إياه بالتسبب في اندلاع فتيل الأحداث، حسب منشور على صفحته الرسمية على فيسبوك.
وأضاف أن دلا ومن يحيط به من فلول النظام المخلوع قبضوا الأموال و"جعلوا أهلنا يدفعون الثمن دماء وذلا وجوعا".
كما وجه مخلوف انتقادات للأسد، واصفا إياه "بالرئيس الهارب"، واتهمه بتدمير البلاد وجيشها واقتصادها وتقسيمها، وتجويع شعبها، وأضاف "فوق كل ذلك هربت بأموال لو وُزِّعت على الشعب لما كان هناك جائع ولا فقير"، محملا إياه دماء من قتلوا من الطائفة العلوية.
إعلان تشكيل عسكري
وفي أواخر أبريل/نيسان 2025 أعلن مخلوف في منشور على فيسبوك تشكيل فصيل مسلح في منطقة الساحل السوري، قائلا إن القوات التي حشدها "ليست غايتها الانتقام من أحد، وإنما حماية أهلنا في الإقليم الساحلي"، على حد تعبيره.
وقال مخلوف إنه عمل مع "القائد النمر" (العميد سهيل الحسن الذي تنسب إليه مجازر عديدة في الثورة السورية) في أسابيع عدة على حشد مقاتلين من النخبة موزعين على 15 فرقة، تعدادها قارب 150 ألفا إلى جانب قوة احتياطية مماثلة في العدد.
وأضاف أنهم أعدوا أيضا "لجانا شعبية تصل إلى مليون شخص جاهزين لتلبية نداء الحق. فنحن شعب ظلمنا في عهد النظام السابق، وذبحنا في عهد النظام الجديد، فمن حقنا الدفاع عن أنفسنا… ولولا أن ذلك الأسد المزيف لم يبعدنا أنا ومن معي من رجال الحق.. لما سقطت سوريا".
في الوقت نفسه، دعا مخلوف الحكومة السورية الجديدة إلى التعاون على حماية البلاد وتوفير الأمن في منطقة الساحل ودعمها اجتماعيا واقتصاديا.
كما ناشد المجتمع الدولي وعلى رأسه روسيا أن "تشمل إقليم الساحل السوري برعايتها"، واعدا بتسخير كل الإمكانات الاقتصادية والعسكرية والشعبية لوضعها تحت إشرافهما.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك