هجوم على بورتسودان.. "العاصمة المؤقتة" في مرمى نيران "الدعم السريع"

 
نقلت قوات "الدعم السريع" حربها مع الجيش السوداني إلى مستوى جديد بمهاجمتها، للمرة الأولى، مدينة بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر شرقي البلاد، التي تتخذها الحكومة السودانية عاصمة إدارية بديلة. إذ شنّت ثماني طائرات مسيّرة هجوماً عنيفاً على قاعدة "عثمان دقنة" الجوية التابعة للجيش السوداني، ومستودع للبضائع، وبعض المنشآت المدنية. واعتبرت الحكومة السودانية ذلك "عدواناً مكتمل الأركان وتهديداً للأمن الوطني، وخطراً داهماً على الأمنين الإقليمي والدولي"، مؤكدة أن الأمر "يتطلب تحركاً عاجلاً وجاداً للتصدي لمثل هذه الانتهاكات"، التي اتهمت دولة الإمارات بالوقوف خلفها.
وقال المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبد الله، في تصريح صحافي عقب الهجوم، الأحد، إن الهجوم تم بطائرات مسيّرة انتحارية، وتمكنت المضادات الأرضية من إسقاط عدد منها، مضيفاً أن بعضها تسبّب في أضرار محدودة تمثلت بإصابة مخزن ذخائر في قاعدة عثمان دقنة الجوية، ما أحدث انفجارات متفرقة، من دون وقوع إصابات بشرية.
وجاء الهجوم على بورتسودان بعد يوم واحد من استهداف طائرة مسيّرة تابعة لـ"الدعم السريع" مطار مدينة كسلا شرقي السودان، في الساعات الأولى من صباح السبت، من دون أن يسفر الهجوم عن خسائر كبيرة أو سقوط ضحايا. وهي المرة الأولى أيضاً التي تهاجم فيها "الدعم السريع" مدينة كسلا التي عاد مطارها للعمل في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
واستهدفت "الدعم السريع" كسلا، وبعدها بورتسودان، بعد ساعات من عملية هجومية واسعة نفذها الجيش السوداني، يوم السبت، على مطار مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، الخاضعة لسيطرة "الدعم السريع". وقالت الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش في مدينة الفاشر، بولاية شمال دارفور، إن الجيش استهدف في نيالا طائرة إماراتية من طراز "بوينغ" كانت محمّلة بإمدادات عسكرية ولوجستية، وأسلحة وذخائر، وطائرات مسيّرة انتحارية واستراتيجية.
وأفادت الفرقة، في بيان الأحد، بأن العملية أسفرت عن تدمير الطائرة، ومقتل العديد من الأجانب، وإصابة آخرين نُقلوا إلى المستشفيات. وأشارت إلى إفشال خطة لنقل قوة أخرى في نيالا كانت مهيّأة للسفر إلى الإمارات للتدريب، وتم تحييد 150 مقاتلاً من "الدعم السريع"، في وقت شهدت فيه المدينة اعتقالات واسعة للمواطنين، وخلافات واتهامات في صفوف المليشيا، واعتقالات لعدد كبير من الضباط عقب العملية.
من جهته، قال وزير الإعلام والمتحدث باسم الحكومة السودانية خالد الإعيسر، في بيان صحافي عقب هجوم بورتسودان، إن "مليشيا الدعم السريع الإجرامية" استخدمت في الهجوم سبع طائرات مسيّرة انتحارية، شكّلت غطاءً لهجوم نفذته طائرة استراتيجية أخرى على قاعدة عثمان دقنة الجوية، ما أسفر عن أضرار مادية من دون وقوع خسائر في الأرواح.
وأضاف أن قوات الدفاع الجوي تمكّنت من التصدي للطائرات الانتحارية وتحييدها جميعاً، فيما أصابت الطائرة الاستراتيجية أحد الجملونات (مستودع حديدي) داخل القاعدة الجوية. ولفت إلى أن "هذا الاعتداء يؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن هذه الحرب ليست مجرد تمرد من مليشيا الدعم السريع، بل هي عدوان مكتمل الأركان تديره وتدعمه دولة الإمارات العربية المتحدة".
وأشار إلى أن تزويد المليشيا بطائرات مسيّرة متطورة تُدار من غرف تحكم في أبوظبي لا يشكل تهديداً للأمن الوطني السوداني فحسب، بل يعدّ "خطراً داهماً على الأمنين الإقليمي والدولي، ويتطلب تحركاً عاجلاً وجاداً للتصدي لمثل هذه الانتهاكات".
وانتقل إلى بورتسودان عدد من البعثات الدبلوماسية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمحلية، إلى جانب رئاسات البنوك الحكومية والتجارية، إذ تضم المدينة نحو 30 مصرفًا، كما انتقلت إليها مكاتب عدد من مراسلي وسائل الإعلام الإقليمية والدولية.

وعلى ضوء الهجوم، عقد مسؤولون في الحكومة السودانية، مساء الأحد، اجتماعًا مع ممثلي البعثات الدبلوماسية والقنصلية، وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية، لشرح تداعيات الهجوم. وقال وكيل وزارة الخارجية حسين الأمين، في تصريحات عقب الاجتماع، إنه جرى تنوير السلك الدبلوماسي بالاستهداف والهجوم الذي نفذته "المليشيا وأعوانها" عبر مسيّرات انتحارية واستراتيجية، طاول عددًا من المنشآت المدنية والخدمية.
من جانبه، قال قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية الفريق محجوب بشرى، خلال الاجتماع، إن كل الطائرات الانتحارية جرى التعامل معها، مضيفًا أن عددها بلغ نحو 11 طائرة، سقط جزء منها في البحر، بينما باتت سبع منها في قبضة الجيش. وذكر أنه أثناء التصدي للمسيّرات الانتحارية، هاجمت طائرة استراتيجية عند الرابعة صباحًا قاعدة عثمان دقنة، وأحدثت بعض الأضرار المادية، كما سُجلت بعض الإصابات الطفيفة بين العاملين في القاعدة. وأوضح أن الهجوم استمر أكثر من ساعتين، وكان الهدف من الطائرات الانتحارية إشغال الدفاع الجوي عن الطائرة الاستراتيجية الأخرى.
وقد تسببت الحرب المستمرة منذ 15 إبريل/ نيسان 2023 بين الجيش السوداني، بقيادة عبد الفتاح البرهان، و"قوات الدعم السريع"، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في تدمير العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث (الخرطوم، بحري، وأم درمان). وقررت الحكومة السودانية، بعد خروج البرهان من مقر القيادة العامة في أغسطس/ آب 2023، اتخاذ مدينة بورتسودان الساحلية، أقصى شرقي السودان، عاصمة إدارية بديلة، ومقراً للقائد العام للجيش.
وظلت ولاية البحر الأحمر بعيدة عن الحرب أشهراً طويلة، قبل أن تستهدف "الدعم السريع" في 31 يوليو/ تموز 2024 مدينة جبيت، التي تبعد عن بورتسودان نحو 100 كيلومتر، عندما هاجمت بطائرات مسيرة احتفالاً عسكرياً للجيش شارك فيه البرهان الذي نجا من الهجوم، فيما قتل خمسة أشخاص وأصيب آخرون، وفق ما أعلن حينها المتحدث باسم الجيش.
وقد تسبب اندلاع الحرب في توقف الحركة الجوية فوق كامل الأجواء السودانية، قبل أن تقرر سلطة الطيران المدني السودانية، في 15 أغسطس/ آب 2023، فتح المجال الجوي أمام الطيران عبر المسارات الشرقية للبلاد، وتدشين مركز ملاحة جوية بديل في بورتسودان.
وتُعد مدينة بورتسودان من أبرز المدن السودانية، وتُعرف بأنها البوابة الشرقية للبلاد، وتضم الميناء الرئيسي للسودان الذي افتُتح عام 1909، بالإضافة إلى مطار دولي ومحطة نهائية لأنابيب النفط من السودان وجنوب السودان، ومصفاة نفط وميناء "بشاير" لتصدير الخام. وتضم المدينة أيضاً مقر القيادة العامة للجيش حالياً، ومواقع عسكرية مثل قاعدة عثمان دقنة، والفرقة 101 مشاة بحرية، والكلية البحرية، ومستشفى باوارث العسكري، وقاعدة فلامنغو البحرية.
وتأوي بورتسودان عشرات الآلاف من النازحين الفارين من الحرب. ووفق إحصاءات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) الصادرة في فبراير/ شباط 2024، فإن المدينة تستضيف نحو 239 ألف نازح يقيمون في 34 مركز إيواء.
وفي تعليقه على استهداف بورتسودان، قالت "قوات الأورطة الشرقية"، وهي الذراع العسكرية للجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة وتتخذ من المدينة مقراً لها، إن "هذه الأفعال لا تعدو كونها (...) محاولات فاشلة للضغط على الشعب السوداني من أجل القبول بالتفاوض مع مليشيا إرهابية خارجة عن القانون"، مؤكدة في بيان، الأحد، أن الدولة وقواتها النظامية والمجتمعية "قادرة على التعامل مع هذا التصعيد بحزم واقتدار"، داعية المواطنين للاطمئنان.
أما المحلل السياسي مجدي عبد القيوم، فقال لـ"العربي الجديد" إن قوات "الدعم السريع"، بعد فشلها في حسم المعارك ميدانياً نتيجة الضربات القوية التي تلقتها، لجأت إلى استخدام الطائرات المسيّرة لتوسيع نطاق الضغط السياسي، مشيراً إلى أن "أثر هذه المسيرات سياسي أكثر منه عسكري، وتهدف إلى خلق استياء شعبي قد يُستخدم ورقةَ ضغط لدفع الحكومة نحو التفاوض".
واعتبر أن "هذا لن يحدث"، موضحاً أن "ما يجري يكشف تورط قوى إقليمية ودولية في الحرب، فيما تمثل الدعم السريع مجرد أداة لتنفيذ أجنداتها"، مضيفاً أن هذا التصعيد "قد يعزز من حجم المقاومة الشعبية ويدفع باتجاه استمرار المعركة حتى القضاء على آخر مرتزق".
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط https://telegram.me/alyompress



اقرأ ايضا :
< شركة النفط بصنعاء تضع آلية لتوزيع المشتقات النفطية في المحطات ( صورة )
< أزمة وقود خانقة .. وهذا وضع المحطات داخل العاصمة صنعاء منذ صباح اليوم
< المناطق التي استهدفها الطيران الأمريكي في العاصمة صنعاء ومحيطها
< السعودية تكشف عن مبلغ الغرامة لمن يأوي حاملي تأشيرات الزيارة
< الحوثيون يعلنون فرض حصار جوي شامل على إسرائيل ويحذرون شركات الطيران
< العليمي يتسلم دعوة من الرئيس العراقي لحضور مؤتمري القمة العربية العادية والاقتصادية
< الاحتلال يستأنف حرب غزة | استدعاء عشرات آلاف الجنود لتوسيع العدوان

اضف تعليقك على الفيس بوك
تعليقك على الخبر

ننبه الى ان التعليقات هنا تعبر عن كاتبها فقط ولا يتبناها الموقع، كما ننبه الى ان التعليقات الجارحة او المسيئة سيتم حذفها من الموقع
اسمك :
ايميلك :
الحد المسموح به للتعليق من الحروف هو 500 حرف    حرف متبقى
التعليق :
كود التحقق ادخل الحروف التي في الصورة ما تراها في الصورة: