في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تتكرر أمام أعيننا مشاهد مأساوية من الدمار والخراب التي خلفتها سياسات إيران وأذرعها في المنطقة، وكأن الدروس لا تجد آذاناً صاغية، من العراق إلى سوريا، ومن لبنان إلى غزة، ومن اليمن إلى العمق الإيراني ذاته، نجد مثالاً صارخاً على فشل المشروع التوسعي الإيراني الذي وعد بالنهضة والمقاومة، فإذا به لا يجلب سوى الموت والانهيار؛ واليوم يقف الحوثي في اليمن أمام نفس المفترق غير آبه بالعبر، متمسكاً بلغة السلاح والدمار، متجاهلاً كل مؤشرات الفشل التي حصدتها طهران في تجاربها الماضية؛ منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فتحت إيران بوابة نفوذها في المنطقة على مصراعيها، متسللة عبر الطائفية والشعارات الثورية، فدعمت ميليشيات، ومولت جماعات، ورفعت راية "المقاومة"، ولكن على أرض الواقع لم نجد سوى تفكيك للدولة العراقية، وخلق بيئة طاردة للاستثمار والحياة، وتحويل بغداد العريقة إلى عاصمة تعاني من الفساد والعنف والضعف المؤسسي، وبينما كانت إيران تزعم الدفاع عن سيادة العراق كانت تسحبه إلى محور الهيمنة والارتهان لملالي قم.
لم تكن سوريا أفضل حالاً فبذريعة حماية محور "الممانعة"، دفعت إيران بميليشياتها العابرة للحدود لتدافع عن نظام الأسد فكانت النتيجة كارثة إنسانية بكل المقاييس؛ ملايين المهجرين ومدن مدمرة واقتصاد منهار، ومن كان يتوهم أن إيران تحارب في دمشق من أجل الشعوب أدرك متأخراً أنها لم تكن سوى أداة للحفاظ على مصالحها ونفوذها، ولا ننسى هنا كيف قُدمت سوريا على طبق من ذهب للتدخل الروسي والإسرائيلي والأمريكي وبقية القوى الدولية، لتصبح مثالاً آخر على فشل النموذج الإيراني في بناء الدول.
أما غزة فكانت إحدى أوراق إيران في لعبة الضغط الإقليمي، حيث دعمت حماس بالسلاح وحركت الفصائل لخدمة أجندتها ولكنها لم تبنِ مستشفى ولم تساهم في إعمار حي، ولم تقدم مشروعاً تنموياً واحداً، والنتيجة أن غزة أصبحت ساحة تجارب للصواريخ، وحقل اختبار للمواقف السياسية، وأهلها بين فقر وجوع وحصار دائم وحين احتدمت المعارك الأخيرة وقفت طهران من بعيد تراقب وتشجب دون أن تقدم أكثر من الشعارات المعتادة؛ إيران التي توعدت بإزالة إسرائيل لم تصمد في أي مواجهة مباشرة بل نراها اليوم تلهث خلف اتفاق نووي جديد يضمن لها بقاء النظام ولو على حساب المنطقة كلها.
وفي خضم هذا المشهد تبرز مليشيا الحوثي كنسخة باهتة من الحلم الإيراني يسير بخطى عمياء نحو تكرار نفس السيناريوهات، مليشيا لا تملك مشروع دولة، ولا رؤية اقتصادية، ولا خبرة سياسية، كل ما في جعبتها هو السلاح والتجنيد والشعارات؛ الحوثي الذي يدعي الدفاع عن السيادة اليمنية يتحول تدريجياً إلى أداة إيرانية تزعزع استقرار البلاد وتعطل التنمية وتمنع عودة الدولة، وفي الوقت الذي يتطلع فيه اليمنيون إلى الأمن والبناء وإعادة الإعمار يصر الحوثي على خوض حروب خاسرة لا يستفيد منها سوى تجار السلاح وأمراء الحرب هم بالمقام الأول؛ إن فقاعة إيران النووية التي طالما رُوج لها في الإعلام لم تكن سوى وسيلة للابتزاز السياسي، فعلى الرغم من عشرات السنوات من العمل وعشرات المليارات من الدولارات لا تزال طهران عاجزة عن تحقيق توازن عسكري حقيقي أو فرض نفوذ استراتيجي مستقر، وكلما اشتدت الضغوط تلجأ إيران إلى تسويق الخطر النووي من أجل عقد الصفقات، وهذا ما على الحوثي أن يدركه أن إيران لا تحارب نيابة عن أحد ولا تضحي من أجل أحد بل ترمي بحلفائها إلى المعارك ثم تتنصل منهم حين تشتد الأزمات.
اليوم، تقف المنطقة أمام مفترق طرق حاسمة، الشعوب تبحث عن استقرار والدول تبحث عن إعادة بناء، والمستقبل لا يُصنع بالصواريخ بل بالتعليم، والتكنولوجيا، والتجارة، وعلى مليشيا الحوثي أن تسأل نفسها: ماذا قدمت بعد سنوات من الحرب؟ ما هي إنجازاتهم الاقتصادية؟ أين الجامعات والمستشفيات والمطارات؟ الحقيقة المؤلمة أن اليمن، مثل العراق وسوريا ولبنان، دفع ثمناً باهظاً لمغامرات لا تخدم سوى طموحات نظام في طهران يعاني داخلياً أكثر مما يُظهر خارجياً؛ فهل يتعظ الحوثي قبل فوات الأوان؟ أم سيظل يسير في طريق أثبت فشله ليجر اليمن معه إلى مزيد من الدمار؟ الإجابة بيده، ولكن الزمن لن ينتظر كثيراً
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك