العقوبات على إيران.. صدمة في الشارع ومخاوف من جموح الأسعار

 
مع بدء سريان إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران، منذ صباح الأحد 28 سبتمبر/أيلول، ورغم تأكيدات الحكومة أن تبعاتها ذات طابع نفسي ولا تحمل آثاراً اقتصادية مباشرة، بات القلق من تداعيات هذه الخطوة ملموساً في الشارع الإيراني وبين الأوساط الاقتصادية والتجارية.
وكما جرت العادة، كان سوق العملات الأجنبية أول من تفاعل مع الحدث، إذ سجّل الريال الإيراني هبوطاً قياسياً في قيمته، ليصل مع افتتاح السوق، إلى أكثر من مليون و130 ألف ريال مقابل الدولار، قبل أن يتراجع قليلاً إلى مليون و110 آلاف ظهراً، وذلك بعدما كان قبل لجوء أوروبا إلى تفعيل آلية "سناب باك" لإعادة عقوبات مجلس الأمن أقلّ من مليون ريال للدولار. في المقابل، سجلت البورصة الإيرانية حركة معاكسة، إذ ارتفع مؤشرها بأكثر من 50 ألف نقطة يوم السبت 27 سبتمبر /أيلول، و44 ألف نقطة يوم الأحد، عقب فشل المساعي الدبلوماسية لتفادي إعادة فرض العقوبات، في مؤشر يعكس رهانات بعض المستثمرين على فرص جديدة في ظل التقلبات الاقتصادية المقبلة.
ومن شأن تفعيل العقوبات الدولية على إيران أن يفاقم تبعات العقوبات الأميركية المفروضة عليها منذ مايو/أيار 2018، بعدما أعلن الرئيس دونالد ترامب آنذاك انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرض عقوبات صارمة على إيران على نحو أقسى من ذي قبل، في إطار ما سمّته إدارته سياسة "الضغط الأقصى". شملت هذه العقوبات قطاعات حيوية كالنفط والغاز، بالإضافة إلى القيود المصرفية والمالية التي حدّت من قدرة طهران على الوصول إلى النظام المالي العالمي. وامتدت الإجراءات لتطال شركات أجنبية تتعامل مع إيران، بما عزّز الطابع الثانوي للعقوبات وزاد كلفتها على الشركاء التجاريين لطهران، ما أدّى إلى تراجع كبير في الصادرات النفطية وانكماش في الإيرادات الحكومية. وأحدثت العقوبات الأميركية، ضغوطًا شديدة على الاقتصاد الإيراني تمثّلت في تراجع قيمة الريال، وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، وتآكل القوة الشرائية للمواطنين.
طبيعة العقوبات المعاد فرضها
قال الخبير الاقتصادي الإيراني محسن جندقي لـ"العربي الجديد" إن العقوبات المزمع أن يُعاد تفعيلها هي الواردة في قرارات مجلس الأمن الدولي أرقام 1696، و1737، و1747، و1803، و1835، و1929، والتي تركز في مجملها على القضايا النووية، مثل تخصيب اليورانيوم، ومياه المفاعلات الثقيلة، وحظر استيراد المواد والمعدات ذات الصلة وتصديرها، إضافة إلى القيود على المعدات العسكرية، والقيود المصرفية المرتبطة بالبرنامج النووي، وتجميد أصول الأفراد والكيانات، مع تحديث قوائمهم.
إعادة العقوبات تضغط على الريال الإيراني وسط وعود رسمية باستقراره
وأوضح جندقي أن الانطباع الأولي يشير إلى أن هذه العقوبات تقتصر على المجالين العسكري والنووي والتقنيات المرتبطة بهما، غير أن القراءة الأعمق تبرز انعكاسها النفسي على الاقتصاد والأسواق، ولا سيما عبر ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية، ما يرفع تكاليف الإنتاج ويؤثر سلباً في قطاعات متعددة، مثل الإسكان والذهب والسيارات، ويدفع الأسعار إلى الصعود.
وأشار الخبير الإيراني في حديثه مع "العربي الجديد" إلى زيادة سعر الصرف نسبة 10%، معتبراً أن اتخاذ الحكومة إجراءات لتهدئة سوق الصرف يمكن أن يحدّ من انتقال أثر العقوبات إلى بقية الأسواق.
وفي السياق نفسه، يرى بعض المراقبين الاقتصاديين في إيران أن إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن، رغم أنها تتركز أساساً على المعدات والمواد النووية وقيود الصواريخ والعقوبات التسليحية، تشمل أيضاً تجميد الأصول والمصادر المالية، وتفتيش السفن والمحمولات الإيرانية في الممرات المائية الدولية، وهو ما يضيف مخاطر مالية وتشغيلية لقطاعات اقتصادية عدة، قد يمتد أثرها إلى مجمل الاقتصاد الإيراني.
كما أن التفتيش المحتمل للسفن والمحمولات الإيرانية في المياه الدولية، وفق القرار 1929، من شأنه أن يزيد من تكاليف الاستيراد والتصدير وأعباء التجارة الخارجية بشكل عام. هذه العوامل مجتمعة تخلق موجة تضخمية يصعب على الحكومة احتواؤها من خلال ضخ السيولة أو التدخل في سوق الصرف، ما يفسر التوتر النفسي في الأسواق الإيرانية فور إعلان تفعيل آلية "الزناد" أو "سناب باك" لإعادة فرض العقوبات الدولية.
كما أوضح المحلل الإيراني داود حشمتي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ البنوك العالمية كانت تتجنّب التعامل مع إيران قبل تفعيل آلية "سناب باك"، وأن طهران، بعد فرض الحظر على نفطها، نجحت في إيجاد منافذ بديلة، إذ أصبح معظم صادراتها النفطية متجهة إلى الصين ودول جنوب شرق آسيوية، فيما عادت الهند مؤخراً إلى شراء النفط الإيراني، وهو ما قد يخفّف من الأثر الاقتصادي المباشر للعقوبات الغربية التي يعاد فرضها عبر هذه الآلية.
خطط الحكومة

نائب رئيس لجنة الاستثمار في غرفة تجارة إيران، حسن فروزان فرد، حاول التقليل من ارتدادات العقوبات على مجمل الأنشطة الاقتصادية حيث قال، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة الإيرانية تعيش وتعمل منذ سنوات طويلة في ظل العقوبات، ولذا هِي على دراية بتأثيراتها المحتملة، وتمتلك خبرة تراكمية تمكّنها من توظيف قدراتها السابقة والدروس المستفادة في التعامل مع المرحلة الراهنة، لافتاً إلى أن المستجد الأبرز يتمثل في "التغيرات الكبيرة في المشهد الجيوسياسي الإقليمي، ولا سيما المواقف الجديدة لروسيا والصين، التي أحدثت تحولاً نوعياً في المعادلة". علماً بأن بكين وموسكو رفضتا عودة العقوبات الدولية ضد إيران من خلال تقديم مشروع قرار السبت الماضي في مجلس الأمن، لكن الأطراف الغربية رفضته.
قرار مجلس الأمن رقم 2231 حول المسألة النووية الإيرانية
ورغم تلك الرؤية المتفائلة أوضح فروزان فرد أن الاقتصاد الإيراني، الخاضع أصلاً لضغوط خانقة ويعاني تضخماً ركودياً، سيتعرض حتماً لضغط إضافي مع عودة العقوبات، مشيراً إلى أن الحكومة والبنك المركزي يركزان منذ سنوات على منع انهيار الاقتصاد وكبح التضخم الجامح عبر سياسات أكثر انضباطاً وتنظيماً، أهمها ضبط سوق الصرف للحيلولة دون انفلات الأسعار.
وأضاف أن مسار التأثيرات المستقبلية بعد تفعيل القرارات الأممية "يتوقف على كيفية تفاعل اللاعبين الآخرين"، في ظل أن إيران "تلعب في ميدان مألوف لها منذ سنوات طويلة تحت وطأة عقوبات مؤلمة ومرهقة، وتستمر في تسيير اقتصادها رغم ذلك".
ورأى نائب رئيس اللجنة الإيرانية أن قدرة طهران على تقليل الأضرار الاقتصادية في المرحلة القادمة ستتعزز إذا تمكنت الحكومة من تحسين مستوى التواصل مع الشعب وتوسيع قنوات الحوار الوطني، تجسيداً لرؤية الرئيس بشأن "تعزيز الوفاق الوطني"، وحافظت على مستوى مقبول من التنسيق بين الفاعلين الاقتصاديين والمجتمع، مع الاستفادة من خبرات التعامل مع جولات العقوبات السابقة، إضافة إلى "الارتكاز على دعم أوثق من الصين وروسيا وأمل في تعاون أكبر من دول الجوار، بما فيها دول مجلس التعاون الخليجي".
وحذّر فروزان فرد في حديثه مع "العربي الجديد" من أن هذه المعادلة قد تنقلب إذا أقدمت الولايات المتحدة أو الترويكا الأوروبية أو إسرائيل على اتخاذ "خطوات غير طبيعية" لدفع دول أخرى إلى تقليص تعاملاتها الاقتصادية مع إيران، خاصة الشركاء الإقليميين كالعراق والإمارات.
وأعلن مركز الإحصاء الإيراني مؤخراً أن معدل التضخم السنوي في شهر سبتمبر/أيلول بلغ 45.3%، وهو أعلى مستوى يسجله المؤشر منذ مايو 2023. وذكرت صحيفة دنياي اقتصاد الإيرانية في تقرير لها أنه إذا استمر هذا الوضع خلال الشهور الستة المتبقية للسنة الإيرانية فقد يصل معدل التضخم السنوي بنهاية السنة الإيرانية في 21 مارس/آذار إلى نحو 48%.
وأضافت الصحيفة أن مجموعة المواد الغذائية تفرض أكبر ضغط على سلة إنفاق الأسر الإيرانية، مشيرة إلى أن أسعار الخبز تضاعفت تقريباً خلال الفترة الأخيرة. يأتي هذا الارتفاع في معدلات التضخم بالتزامن مع إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي على طهران، في خطوة من شأنها زيادة الضغوط على الاقتصاد الإيراني ومعيشة المواطنين.
آراء الشارع
وعلى مستوى ردات فعل الأسر الإيرانية تقول الثلاثينية أيناز عباسي، موظفة في أحد البنوك ومتزوجة وأم لابن، إنه منذ أسبوع تقريباً مع الإعلان الأوروبي عن بدء إجراءات تفعيل العقوبات الدولية الأخيرة، "بدأنا نلاحظ تغيّراً في السوق، ولكن بوتيرة أسرع من الماضي. في عملي بالبنك، أرى الطلبات على القروض الشخصية تتزايد، لكن في الوقت نفسه نجد أن الناس لا يملكون الضمانات الكافية. حتى أنا، مع راتبي الثابت، أجد أن أسعار السلع الأساسية ارتفعت كثيراً، وأشعر بالخوف من أي التزام مالي جديد، لأن أي أزمة صغيرة قد تدفعني إلى التعثر".
إلى ذلك، يقول الخمسيني الطهراني محمد علي، سائق تاكسي منذ 15 عاماً، متزوج وأب لثلاثة أولاد، إن أسرته تعيش على دخل يومي، وما يجنيه مرتبط مباشرة بعدد الزبائن وتكلفة التشغيل، مضيفاً في حديثه مع "العربي الجديد" أن "البنزين ما زال مدعوماً من الحكومة، لكن أسعار قطع غيار السيارة صارت جنونية. أي قطعة مستوردة تضاعف سعرها تقريباً مع ارتفاع سعر الدولار هذه الأيام"، ومشيراً إلى أنه "في كل مرة تصل أخبار عن عقوبات جديدة، يرتفع الدولار فوراً، والمستوردون يرفعون الأسعار حتى قبل أن تصلهم الشحنة الجديدة". ويوضح أنه "غير قادر أبداً على الادخار ولا يكفي دخله لإنفاقات الأسرة الشهرية".
أما الثلاثينية سارا صاحبة متجر ملابس مستوردة في سوق تجريش شمالي طهران فتقول لـ"العربي الجديد" إن متجرها كان يعتمد على استيراد قطع محدودة من تركيا والإمارات. الآن، مع القيود البنكية وتعقيدات التحويل المالي، أصبح الحصول على البضائع صعباً جداً، مضيفة: "أحياناً أضطر إلى شرائها عبر وسطاء بأسعار مضاعفة، وهذا يرفع ثمن البيع للزبون. النتيجة؟ الناس يترددون في الشراء، والمبيعات انخفضت بحوالي النصف. أنا المسؤولة عن إعالة أمي، وأي تراجع في الدخل يعني أننا سنضغط على مصاريفنا المنزلية".
الستيني حسين رئوفيان، معلم متقاعد، لديه ولدان أحدهما يدرس في خارج البلد، فيقول لـ"العربي الجديد" إن راتبه التقاعدي لا يكاد يغطي الأساسيات. المشكلة أن ابني الأصغر تخرج مؤخراً، لكنه بلا عمل فيجري العمل لشراء سيارة له ليعمل سائق سيارات تاكسي تعمل عبر تطبيق إلكتروني، والآخر يدرس في الخارج ويحتاج إلى دعم مالي من العائلة. وأضاف العيش في طهران صار أصعب بكثير من أي فترة مضت. أتذكر سنوات التسعينيات، كانت هناك عقوبات أيضاً، لكن الوضع الاقتصادي كان أفضل بكثير من اليوم، وأسعار السلع رخيصة. الآن الخوف ليس من الأسعار فقط، بل من تضاؤل الأمل بالمستقبل.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط https://telegram.me/alyompress


كلمات مفتاحية:


اقرأ ايضا :
< سموتريتش يضع "خطوطاً حمراً" لنتنياهو: محو فكرة الدولة الفلسطينية للأبد
< مقتل مغترب يمني في حادثة سطو مسلح على محل تجاري بنيويورك ( صوره)
< صرف الريال اليمني مقابل الدولار والريال السعودي في صنعاء وعدن لليوم الإثنين
< اليمن يستأنف مشاورات المادة الرابعة مع صندوق النقد الدولي بعد إنقطاع دام 10 سنوات
< البنك المركزي السعودي يعتمد "هوية زائر" لفتح الحسابات البنكية في المملكة
< نصائح لتحسين جودة نومك وتجنب الأرق
< «القسام» تعلن انقطاع التواصل مع رهينتين جراء العمليات الإسرائيلية في مدينة غزة

اضف تعليقك على الفيس بوك
تعليقك على الخبر

ننبه الى ان التعليقات هنا تعبر عن كاتبها فقط ولا يتبناها الموقع، كما ننبه الى ان التعليقات الجارحة او المسيئة سيتم حذفها من الموقع
اسمك :
ايميلك :
الحد المسموح به للتعليق من الحروف هو 500 حرف    حرف متبقى
التعليق :
كود التحقق ادخل الحروف التي في الصورة ما تراها في الصورة: