لا تنكر المعارضة السورية أنّها تعرّضت لـ"انتكاسة" بخروجها من حلب، ثاني المدن السورية، ولكنها تؤكد في الوقت ذاته أن الثورة "ليست جغرافيّة"، وأن الصراع مع النظام وحليفيه روسيا وإيران لم ينته، فيما يدعو محللون عسكريون المعارضة الانتقال إلى مستويات جديدة، قوامُها حرب العصابات، واستهدافُ المصالح الروسية والإيرانية في البلاد. مع العلم أن المعارضة خسرت أهم معاقلها في شمال سورية، إثر اضطرارها للانسحاب من أحيائها بحلب، في تكرار لسيناريو الخروج النهائي من مدينة حمص في منتصف عام 2014. ما فتح الباب واسعاً لتساؤلات تتعلق بالخيارات المتاحة للمعارضة التي تواجه حلفاً ثلاثياً (روسيا، وإيران، ونظام بشار الأسد)، في الوقت الذي لا تجد فيه دعماً جاداً من دول "أصدقاء سورية" يمكّنها من الصمود.
في هذا الإطار، رأى المحلل العسكري الاستراتيجي الأردني مأمون أبو نوار، أن الخيارات أمام المعارضة السورية "لا تزال واسعة، ولم ينقطع الأمل بالخروج من مدينة حلب"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، بأن "طبيعة الصراع في سورية متحركة، ومن ثم فإن الخيار الأمثل في هذه المرحلة الحرجة هو اللجوء إلى معارك الكر والفر، وحرب العصابات، فهي الكفيلة باستنزاف قوات النظام، والمليشيات الإيرانية وإنهاكها".
ودعا أبو نوار المعارضة السورية المسلحة إلى استهداف المواقع الروسية في سورية. واعتبر بأن "وجود قوات المعارضة السورية في محافظة إدلب يتيح لها الاستعداد لهجوم آخر على مدينة حلب، خصوصاً أن خطوط الإمداد مفتوحة من جهة تركيا، ومن المستحيل محاصرتها كما حدث في حلب، ومناطق أخرى".
وأشار أبو نوار إلى أن "المعارضة تملك قاعدة انطلاق لا تقل أهمية عن إدلب، وهي ريف حلب الشمالي الذي انتزعت السيطرة عليه من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، لافتاً إلى أن "عودة داعش إلى مدينة تدمر أخيراً، تؤكد أن بإمكان المعارضة العودة إلى حلب مرة أخرى في حال اتباعها استراتيجيات قتال جديدة، وحصولها على أسلحة نوعية تمكّنها من مواجهة قوات النظام، والمليشيات الطائفية التي تعتقد أنها حققت نصراً، ولكنها كانت عاجزة عن التقدم على الأرض لولا الطيران الروسي".
ونوّه أبو نوار إلى أن "المعارضة فعلت ما بوسعها في حلب"، مشيراً إلى أنها "واجهت قدرات عسكرية فوق طاقتها، وأن وجود عشرات آلاف المدنيين أجبرها على الانسحاب، حماية لهم من القصف الجوي والمدفعي الذي كان يستهدفهم مباشرة للضغط عليها للانسحاب". وأردف "لا تزال المعارضة تسيطر بشكل كامل على ريف حلب الغربي، ومن ثم هي لا تبعد سوى كيلومترات عن المدينة، وكانت قد شنّت منه في أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي هجوماً واسع النطاق، في إطار ملحمة حلب الكبرى، على مدينة حلب، وحققت نتائج مهمة قبل أن تضطر للتراجع تحت قصف جوي غير مسبوق".
وتابع أبو نوّار "كما تتمركز قوات للمعارضة في منطقة خان طومان، جنوب غربي حلب على بعد نحو عشرة كيلومترات، والتي سيطرت عليها في مايو/أيار الماضي إثر معارك طاحنة، تكبّدت فيها مليشيات إيرانية خسائر فادحة، واضطرت للتراجع إلى قواعدها في بلدة الحاضر. في المقابل، يعتمد النظام على طريق بري واحد للوصول إلى حلب، وهو طريق بلدة خناصر الواصل من مدينة سلمية شرقي حماة، والذي حاولت المعارضة مرات عدة قطعه، وآخرها في فبراير/شباط الماضي، ولكنها تراجعت تحت ضغط ناري من الطيران الروسي".
بدوره، اعتبر المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور، أن "هناك إمكانية لقطع هذا الطريق الاستراتيجي، والمصيري للنظام إذا أرادت قوى المعارضة ذلك"، مضيفاً: "لكن من الصعوبة بمكان التمركز على الطريق". ورأى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بالإمكان إنقاذ الثورة السورية، ومنع تدهور الأوضاع أكثر من ذلك"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "على قادة الصف الثاني توحيد الفصائل كلها ضمن جيش وطني واحد". وأشار إلى أنه "بات من الملح إفساح المجال للضباط المنشقين عن جيش النظام، والموجودين داخل سورية لأخذ دور قيادي في القرارات المصيرية التي تخصّ الثورة".
وأعرب بكور عن اعتقاده بأن "سيطرة النظام، والمليشيات الطائفية على مدينة حلبلم تكن لأسباب عسكرية فحسب"، مشيراً إلى "تفاهمات دولية، وإقليمية أفضت إلى هذا المصير". وأضاف "وهذه التفاهمات ربما تمنع عودة الثوار إلى حلب ثانية".
واعتبر بكور أن "حرب العصابات ضد قوات النظام، والمليشيات الطائفية مجدية في الوقت الراهن"، مضيفاً "بشرط تنظيمها، وعدم تعدد القيادات كي لا يسهل على النظام اختراق صفوف المعارضة من خلال الملثمين الذين سيعملون على استهداف المدنيين مع ما يقود ذلك إلى نتائج سلبية". ودعا إلى شنّ عمليات خاطفة ضد المصالح الروسية والإيرانية، والنظام داخل المناطق الموالية، منوّهاً إلى أن "هذا العمل أكثر جدوى في استنزاف النظام، وحلفائه". ولا يستبعد بكور أن تتقدم قوات النظام، وقوات روسية، ومليشيات إيران الطائفية للسيطرة على المناطق المحاصرة في ريف حمص الشمالي، وريف حماة الشمالي التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، ومن ثم إطباق الحصار على محافظة إدلب لتتحوّل إلى "قندهار سورية" ويتم "تدميرها نهائياً بذريعة تجمّع الإرهابيين فيها"، وفق بكور.
ومنذ التدخل الروسي المباشر في سورية في 30 سبتمبر/أيلول 2015 بدأت المعارضة التراجع، حيث أغلب مواقعها في ريف اللاذقية، كما اضطرت إلى الموافقة على "مصالحات" أفضت إلى خروجها من أهم معاقلها في ريف دمشق، خصوصاً داريا، ومعضمية الشام، والهامة وقدسيا، وتل منين، وخان الشيح. ولم يبق لها في محيط دمشق إلا حي جوبر، والغوطة الشرقية، التي تقلّصت فيها مساحة سيطرة المعارضة خلال العام الحالي. ومن المتوقع أن ينقل النظام وحلفاؤه الجهد العسكري إليها إثر السيطرة على حلب، لإجبار المعارضة على الخروج إلى محافظة إدلب. كما لا تزال المعارضة تسيطر على جزء كبير من محافظة درعا جنوب البلاد، ولكنها دخلت بهدنة "غير معلنة" مع النظام، على الرغم من فداحة ما جرى في حلب.