ظلت أوروبا تصدر حروبها الايديولوجية إلى خارجها وتكتفي في جغرافيتها وداخل رقعتها بحروب باردة ، وأحياناً نادرة نارية ، من منطلقات تتحكم فيها مصالح إقتصادية وجيوسياسية وعرقية .
وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وقسم العالم بين الدول العظمى المنتصرة في الحرب على أساس أيديولوجي .. وأخذت الأيدولوجيتان الرأسمالية والاشتراكية تتصارعان إقتصاياً وسياسياً وعسكرياً.
تحكمت أوربا في عملية الصراع وقادته بحذر شديد ، حيث جنبت نفسها الصراع العسكري ، فيما عدا ما شهدته دول البلقان أثناء تقسيم إتحاد يوغسلافيا القديم .. وخاضت أوربا حروبها الايديولوجية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية . وشهدت أفغانستان المعركة الايديولوجية الحاسمة التي تناسلت منها بعد ذلك حروب لم تسلم منها أوربا وأمريكا .
اليوم ، وبعد أن بدا أن المشهد قد استقر لصالح الديمقراطية الرأسمالية بالصيغة التي كانت فيه السلاح الأمضى في مواجهة المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفييتي القديم ، يخيم على أوربا شبح الحرب الباردة بصورة تثير المخاوف العالمية من توظيف هذه الأجواء لغايات يصعب التحكم فيها خاصة وأن الأبواب مفتوحة على صراعات اقتصادية وأمنية بما فيه الهجوم الإلكتروني cyberattack لا أحد يعرف امتداداتها الجيوسياسية ، وهي على عكس الصراع الأيديولوجي القديم والذي كان كل طرف فيه يعرف حدود علاقته بالآخر وهو ما حفظ أمن أوربا على النحو الذي أبقاها قادرة على خوض حروبهاخارج حدودها بغطاء أيديولوجي.
وعلى عكس ما جرى الترويج له في زمن الحرب الباردة لم تكن الايديولوجيا هي سبب أو ميدان الصراع الرئيسي بقدر ما كانت تخفي وراءها أسباباً أكثر أهمية تتعلق بالاقتصاد والأمن وصراع المصالح والشركات العابرة للقارات ، وهذا ما تكشفه حقيقة الوضع المقلق الذي يمر به العالم اليوم .
يومذاك كان الاستقطاب السياسي والاقتصادي أغزر وأكثر سهولة بالنسبة للدول العظمى ، فالأيديولوجيا تحرك المشاعر على النحو الذي يجعل التعبئة أيسر ، أما اليوم فلا بد من عناوين بارزة ومقنعة للعالم لمواصلة الاستقطاب على هذا الصعيد ، وهو ما يجعل الأمر أكثر صعوبة ، حتى أن التلويح بالحرب وبالسلاح أصبح من الامور المألوفة على عكس ما كان عليه الحال في العهد الايديولوجي
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك