شكل الاتفاقات الجديدة الموقعة بين قطر وتركيا في أنقرة اليوم ، نقلة نوعية على مستوى الارتقاء بتعاون الجانبين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية.
في هذا السياق أتت الاتفاقات الموقعة عقب الاجتماع السادس للجنة الاستراتيجية العليا التركية القطرية، بما يطور العلاقات المتنامية منذ توقيع الجانبين اتفاقية اللجنة الاستراتيجية العليا عام 2014، لتكون نموذجاً بالعلاقات الإقليمية، بعد 28 قمة بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد.
وجاءت الاتفاقات حول نقل الأسهم وشراء لإدارة ميناء "الشرق الأوسط" في أنطاليا جنوبيّ تركيا، نقل أسهم مول استينيا بارك التجاري في إسطنبول، مذكرة تفاهم حول الاستثمار المشترك في مشروع القرن الذهبي في خليج إسطنبول، مذكرة تفاهم حول شراء أسهم من بورصة إسطنبول، مذكرة تفاهم حول الفعاليات المشتركة في مجال المناطق الحرة بين إدارة المناطق الحرة في البلدين.
وتضمن الإعلان المشترك حول إنشاء اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة بين البلدين، مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال إدارة المياه بين البلدين، مذكرة تفاهم حول التعاون المطور في المجال الاقتصادي والمالي، إضافة إلى مذكرة تفاهم حول شؤون الأسرة والمرأة والخدمات الاجتماعية وبيان نيات حول تبادل دبلوماسيين بين الأكاديمية الدبلوماسية التابعة للخارجية التركية وبين المعهد الدبلوماسي التابع للخارجية القطرية، لتضاف إلى 52 اتفاقية ومذكرة تفاهم، آخرها العام الماضي خلال الاجتماع الخامس للجنة بالدوحة، حول "الاقتصاد، التمدن، التجارة، الصناعة، التكنولوجيا وقطاعات الصحة، فضلاً عن التخطيط الاستراتيجي والتعاون العلمي والملكية الفكرية".
ورغم التحديات، لم يوقف وباء كورونا التنسيق بين الطرفين، إذ شهد العام الجاري قمتين بارزتين، الأولى خلال زيارة الرئيس أردوغان للدوحة، في 2 يوليو/ تموز، وهي الأولى له خارجياً بعد ظهور كورونا، ووُصفت الزيارة حينها بالاستثنائية، والثانية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، خلال زيارة عمل قام بها الرئيس التركي للدوحة.
وجاءت الاتفاقات لتضاف إلى 52 اتفاقية ومذكرة تفاهم، آخرها العام الماضي خلال الاجتماع الخامس للجنة بالدوحة، حول "الاقتصاد، التمدن، التجارة، الصناعة، التكنولوجيا وقطاعات الصحة، فضلاً عن التخطيط الاستراتيجي والتعاون العلمي والملكية الفكرية".
ويقول المحلل الاقتصادي سمير سعيفان إنه "إضافة إلى العلاقات السياسية بين الدولتين، التي توطدت بقوة خلال الفترة الماضية، وإضافة إلى نمو العلاقات التجارية، خاصة بعد الحصار الخليجي على قطر، فإن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تملك آفاقاً أكبر نظراً لحالة التكامل فيما بينهما".
ويضيف سعيفان لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن الجانب الأهم هو الاستثمار، فقطر بلد مصدر للاستثمارات، بينما تركيا بلد مستقبل للاستثمارات بقدرة استيعابية كبيرة، فتركيا بلد كبير بأكثر من 80 مليون نسمة وتحتل المركز الـ17 صناعياً بالعالم، وهي تملك قدرة علمية وتكنولوجية متقدمة نسبياً وقابلة للتطوير، ولديها قطاع سياحي هام ويمكن توسيع الاستثمارات القطرية في تركيا في الصناعة والسياحة والعقارات والخدمات".
وتابع قائلاً إن "هذا التدفق للاستثمارات يعزز سعر صرف الليرة التركية التي باتت تواجه ضغوطاً في الفترة الأخيرة تؤدي إلى تراجع سعر صرفها مقابل العملات الصعبة. كذلك إن من مزايا قطر بتكامل العلاقات بحسب سعيفان، أنها دولة مستقبلة للعمالة، بينما تركيا بلد مصدر للعمالة".
كذلك، فإن "تركيا تملك قطاع مقاولات متقدماً على مستوى العالم، وهو نشط في قطر أيضاً، ويمكن هنا إقامة شراكات بين القطاعين وبين الرأسمال القطري وقطاع المقاولات التركي لينشط عبر العالم".
ويشير المحلل الاقتصادي إلى أن الجانب الآخر المهم في علاقات البلدين الاقتصادية، قدرة تركيا على مساعدة قطر في تطوير بعض أنواع الصناعات المناسبة داخل قطر، وهي صناعات كثيفة رأس المال وقوة العمل عالية التأهيل، ما يسهم في التنويع الاقتصادي في قطر، وهو التحدي الأهم الذي تواجهه قطر خلال السنوات القادمة.
وتشهد العلاقات بين البلدين نمواً وتطوراً سريعاً منذ وقّعت قطر وتركيا في ديسمبر/ كانون الأول عام 2014 اتفاقية لإنشاء اللجنة الاستراتيجية العليا، ففيما لم يزد حجم التبادل التجاري بين تركيا وقطر عام 2015 على 700 مليون دولار، قفز بعد أول اجتماع للجنة الاستراتيجية إلى 908 ملايين دولار عام 2016.
واستمرت أرقام التبادل بالصعود خلال الحصار المفروض على قطر من السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ يونيو/ حزيران 2017، حتى وصلت إلى 2.2 مليار دولار العام الماضي، بزيادة بنسبة 135% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وليستمر التبادل، حتى خلال عام كورونا، بزيادة بنسبة 28.5% خلال الربع الأول من العام الجاري عن مثيله بالعام الماضي وبقيمة 744 مليون دولار. ويواصل التبادل خلال النصف الثاني من العام الجاري، النمو نحو 1.2 مليار دولار.
ويقول المحلل التركي سمير صالحة، خلال متابعة مسيرة العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إنه يمكن الاستنتاج أنها تقدم نفسها نموذجاً إقليمياً مهماً في إطار رفع مستوى التعاون والتنسيق الاقتصادي وغيره، لما فيه مصالحهما المشتركة رغم ما للملفات السياسية والأمنية من تأثير، لكنها لم تحدّ من الاستمرار جراء القناعة والتوافق على مستوى القادة باتجاه توسيع رقعة التعاون والاستفادة من الفرص السانحة.
ويشير صالحة لـ"العربي الجديد" إلى أن الانتقال بحجم التبادل من نحو 300 مليون دولار عام 2011 ثم نحو 700 مليون قبل الاتفاق على اللجنة الاستراتيجية العليا، إلى ما هو عليه اليوم، أكثر من 2.2 مليار، والمتوقع أن يصل إلى 5 مليارات، وهو مؤشر انتقال العلاقات من مستوى القادة والتنسيق السياسي والعسكري والأمني، إلى ما فيه مصالح الشعبين والمستثمرين.
ووصلت الاستثمارات القطرية في تركيا إلى نحو 22 مليار دولار، وزاد عدد الشركات التركية في قطر على 500 شركة مرشحة للزيادة قبل مونديال كأس العالم بقطر 2022، لما تتعهده الشركات القطرية بالبناء والوقوف إلى جانب قطر.
ويلفت المحلل التركي إلى أن التكامل الاقتصادي يأتي أيضاً عبر الطاقة، فقطر من أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم، وتركيا من أكبر مستورديه، وهو ما شكل فرصة للتكامل، كذلك تمتلك تركيا الخبرات والموارد البشرية وتمتلك قطر الموارد المالية، ما وضع تركيا كبيئة استثمارية جاذبة للاستثمارات القطرية، خاصة في قطاعي العقارات والمالية.
وتشير بيانات رسمية إلى أن نحو 11 ألف مواطن تركي يقيم في قطر بهدف العمل، وأن نحو 535 شركة تركية تعمل في قطاعات حيوية بقطر، منها شركات الإنشاء التركية بالمشاريع البنية التحتية في قطر، التي بلغت قيمتها منذ عام 2002 أكثر من 18 مليار دولار أميركي، منها 1.2 مليار دولار تعاقدات العام الماضي لتنفيذ مشاريع بالدوحة.
في المقابل، تعد الشركات القطرية ثالث أكبر المستثمرين في مجال المقاولات بالسوق التركي، وتعمل أكثر من 179 شركة قطرية في تركيا، حيث وصل حجم الاستثمار القطري في تركيا إلى ما يزيد على 22 مليار دولار، كذلك ارتفع عدد السياح من 30 ألف قطري عام 2016 إلى 110 آلاف العام الماضي.
ويرى المحلل التركي أوكتاي يلماظ، أن تركيا وقطر تعدّتا مرحلة التعاون والتوجهات للوصول إلى شراكة استراتيجية عميقة بكل المجالات، وخاصة الاقتصادي والعسكري والأمني، والقاعدة بحسب يلماظ، متوافرة ومشجعة والرؤية متطابقة، ليس بالاقتصاد والتحديات فقط، بل هناك تطابق بالمواقف حيال القضايا الإقليمية والدولية، والسعي لتكون تركيا وقطر نواة لتكتل اقتصادي بالمنطقة.
ويضيف المحلل التركي لـ"العربي الجديد" أن بلاده دفعت فاتورة الوقوف إلى جانب قطر، خاصة من الإمارات والسعودية، فرأينا استهدافاً للاقتصاد والعملة، ومحاولات تشويه المناخ الاستثماري وعرقلة المساعي التركي الإقليمية والدولية، سواء في شرق المتوسط أو ليبيا.
وقطر برأي يلماظ حفظت لتركيا مواقفها وبادلتها بمواقف مماثلة، سواء عبر الدعم المالي أو الاستثمارات، متوقعاً أن تساهم قطر اليوم بخطوة مالية نظراً للواقع الذي تعيشه تركيا على صعيد تراجع الاستثمارات وسعر صرف الليرة.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك