أكد باحثون ومحللون اقتصاديون على أهمية قرار البنك المركزي اليمني، الذي دعا البنوك والمصارف إلى نقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى عدن. ورغم قول البعض بتأخره كثيرا، إلا أنه، بحسب الكثيرين، القرار الأكثر أهمية لإصلاح الاختلالات المتراكمة منذ ثمان سنوات، على رأسها استعادة فرض الرقابة الكاملة من قبل البنك المركزي الشرعي بعدن على عمليات القطاع المصرفي في البلاد، خصوصا في مناطق سيطرة الحوثيين.
وأصدر البنك المركزي الشرعي، مقره في العاصمة المؤقتة (عدن)، الثلاثاء (2 أبريل) قرارا دعا فيه البنوك التجارية والمصارف الإسلامية، المحلية منها والخارجية، إلى نقل مراكزها الرئيسية من صنعاء إلى عدن، خلال 60 يوماً.
وأتخذ البنك المركزي اليمني هذا القرار بعد أيام قليلة من إعلان الانقلابيون الحوثيون بصنعاء، السبت (30 مارس)، اصدار عملة معدنية فئة (100) ريال، بزعم مواجهة مشكلة السيولة النقدية. والذي جاء بعد أيام من تحذير البنك المركزي بعدن، من اتخاذ أي إجراءات من شأنها تعزيز الانقسام الاقتصادي في العملة المحلية.
خطوة سيادية متأخرة أم تصعيد؟
بالنسبة للمحلل الاقتصادي مصطفى نصر، وهو رئيس المركز الإعلامي والدراسات الاقتصادية، فقد أعتبر، في تصريحات أدلى بها ، قرار البنك المركزي اليمني، بعدن، بمثابة "خطوة تصعيدية جديدة، تأتي في إطار الرد على خطوة تصعيدية قام بها الحوثيون بطباعة عملة نقدية".
بينما ذهب الباحث والمحلل الاقتصادي اليمني وحيد الفودعي، إلى أن القرار تأخر كثير، إذ كان من المفترض صدوره قبل ثمان سنوات، إبان نقل البنك المركزي إلى عدن في 2016، مباشرة، للنأي بها عن سطوة ميليشيات الحوثي، وحتى يسهل مراقبتها من قبل البنك المركزي الشرعي المعترف به دوليا.
وأضاف، ": ذلك أن من أهم وظائف البنك المركزي في أي دولة، تكمن في الرقابة الدائمة على البنوك، سواء الرقابة الروتينية المتعلقة بالتأكد من سلامتها المالية وملائتها، أم من حيث الرقابة المتعلقة بتنفيذ إجراءات قانون غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وغيرها من الإجراءات المالية اللازمة..
وعزز الأكاديمي، الدكتور هشام الصرمي، المتخصص بالاقتصاد، من أهمية هذا القرار، الذي وصفه بـ "الأهم، تقريبا، منذ حدوث الإنقسام الاقتصادي، بفعل سياسات جماعة الحوثي المتراكمة في هذا الملف المهم.."
وأضاف "وبحكم أن الجانب المالي هو العمود الفقري لأي دولة، وباعتبار أي قرار في هذا الجانب يعد حقا سياديا للدولة، فمن حق بنكها المركزي استعادة زمام السيطرة على مسار الملف الاقتصادي، بما في ذلك استعادة القرار واستعادة الرقابة، وفرض سلطاتها القانونية بالطريقة التي تراها مناسبة"..
ليس ذلك فحسب؛ بل أعرب الصرمي، عن أمله بأن تواصل الحكومة مثل هذه الخطوات السيادية، مضيفا: "حيث ننتظر خطوات مماثلة في عدة جوانب متعلقة بإنقاذ الاقتصاد وسحب البساط المالي من تحت الانقلابيين الحوثيين، وعلى سبيل المثال: استعادة ملف الاتصالات، وهو جزء مهم يعزز سيطرتهم الاقتصادية، ويطيل بقائهم"
من سيفرض قراره؟
وفيما إذا كانت ميليشيات الحوثي سترضخ للقرار من عدمه، يرى نصر، أن "البنوك امام خيارات صعبة، وتواجه مأزقا حقيقيا"، مضيفا: "قد تواجه البنوك إجراءات عقابية من قبل جماعة الحوثي، حال استجابت لقرار البنك المركزي في عدن؛ لكن في نفس الوقت هي تخاطر كثيرا إذا لم تنفذ القرار فالبنك المركزي في عدن قادر على تجميد عملها وتعاملاتها مع الخارج".
أما المحلل الفودعي، فيوضح رأيه في هذا الجانب، قائلا: "صحيح أن سلطات الحوثي لا تمتلك الشرعية القانونية والدولية، إلا أنها ظلت طوال الفترة السابقة تستخدم القوة المفرطة للضغط على القطاع المصرفي، وفرض سيطرته على البنوك، في مناطق سيطرتها، بما في ذلك إخضاعها للعمل وفق رغباتها الخاصة دون أي رقابة قانونية.."
واستدرك: "لذلك؛ من المؤكد أنهم (الحوثيون) لن يدعوا البنوك تنقل مراكزها الرئيسية إلى عدن"، مشيرا في هذا الصدد إلى سابقة مشابهة حدثت مع أحد البنوك في صنعاء، كان قد عقد نيته، في وقت سابق، على نقل مقره الرئيسي إلى عدن، غير أنه تعرض لإعاقة ومطاردة ومضايقات من الحوثيين، ما جعله يحجم عن ذلك..!
وتابع: وبالتأكيد سيواصل الحوثيون ذلك، باستخدام كافة الطرق والوسائل للضغط على البنوك والمصارف، لمنعها من تنفيذ هذا القرار، وهذا أمر طبيعي، ولكن مهما يكن، سيتوجب على البنك المركزي الشرعي، في عدن، فرض سلطاته القانونية والمضي قدما في تنفيذ قراره، دون التفات إلى الضغوطات التي قد يواجهها، بما في ذلك الوساطات الإقليمية والدولية التي من المتوقع تدخلها، بحجة منع التصعيد في هذا الملف..
وأكد الفودعي على أن البنك المركزي بعدن يمتلك السلطة القانونية، والآليات اللازمة، التي تمكنه من القيام بذلك، وهو على ما يبدو قد عزم النية على إصلاح هذا الخلل القائم منذ سنوات، والذي أثر على مصالح البلاد الاقتصادية، وأنعكس تأثيره بشكل ملموس على قدرات الدولة ومواطنيها على مدى ثمان سنوات طاحنة، ظل فيها الحوثيون متحكمين بالاقتصاد دون تدخل حقيقي يذكر من قبل الحكومة الشرعية.
وهو ما يؤكده أيضا الأكاديمي الاقتصادي، هشام الصرمي، مشيرا إلى أن ذلك سيصب في مصلحة الطرفين: الدولة والبنوك، خصوصا، كما يقول: "إن هناك بنوكا يبدو أنها مفلسة إفلاسا غير معلن"، "وبالتالي، فإن نقل مراكزها الرئيسية إلى المركز الرئيسي للبنك المركزي بعدن، يعد جزءا من سياسة الإنقاذ، التي يجب أن تضطلع بها الدولة".
تأثيرات التخلف
وفي حال لم تنفذ البنوك قرار البنك المركزي الرئيسي، التابع للشرعية، فإنها ستخضع لعقوبات قانونية قاسية.. بحسب الفودعي، الذي يؤكد أن "الستين يوما، التي منحها البنك المركزي بعدن للبنوك، لنقل مراكزها الرئيسية، هي مدة كافية للقيام بذلك"..
وأكد على أنه في حال تخلف أي بنك "فسيتعرض لعقوبات قانونية، والتي أشار إليها قرار البنك المركزي بعدن، فيما يتعلق بقانون غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، خصوصا وأن جماعة الحوثي مصنفة كجماعة إرهابية، ما سيتيح للبنك المركزي اتخاذ عقوباته الصارمة في هذا الجانب ضد البنوك المتخلفة، الخاضعة لسيطرة الحوثيين..".
وبالتالي، يضيف: "فإن البنوك التي تتخذ ضدها مثل تلك العقوبات، من المؤكد أن عملياتها ستتأثر، ليس في مناطق الشرعية، حيث ستقتصر فقط على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون؛ بل ودوليا أيضا، بحكم ارتباط الإجراءات الدولية بالحكومة الشرعية.. ما سيؤثر عليها كثيرا، ويتعرضها لخسائر فادحة، وربما الإفلاس.."
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك