نهاية "كبش الفداء": استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي " هليفي " تنقذ المستوى السياسي

 
في الوقت الذي تعيش فيه هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال أقسى خضّاتها، باستقالات متتالية لثلاثة قادة في مقدّمتهم، هرتسي هليفي، ارتأى وزير الأمن، يسرائيل كاتس، الرقص في عُرسين لنُشطاء "الليكود"، الأول نُظّم أول أمس، والثاني بالأمس فقط. 
"لكاتس أسبابه للاحتفال"، كما قالت صحيفة "هآرتس" اليوم الأربعاء، مرجعة ذلك إلى استقالة هليفي تحديداً. فحكومة بنيامين نتنياهو بحسبها لم تنج من الفشل فحسب، وإنما "نجحت في دفع أهدافها قدماً"، وأوّلها "تطهير سدّة القيادة في الجيش"، وثانيها "عرقلة إقامة لجنة تحقيق رسمية"؛ إذ وفقاً لخلاصتها فإن "الاستقالات في المنظومة العسكرية تسهم في تعاظم الخطاب العام الذي يحمّل الجيش المسؤولية"، في حين أن القيادة السياسية "لن يُبدّلها الشعب".
ولادة هليفي المتعسّرة
هليفي رئيس الأركان الـ23 لجيش الاحتلال. تسلّم منصبه في فترة عاصفة؛ حيث عيّنته حكومة يئير لبيد، في الفترة الانتقالية التي شهدت مشادّات بين رئيس الأركان السابق، أفيف كوخافي، والمستوى السياسي.
 انطلقت ولايته من إحدى أشد الصدمات التي مرّت على المجتمع الإسرائيلي، مُحدثة انقساماً عمودياً في صفوفه، على أثر دفع حكومة "معكسر المؤمنين"، بقيادة نتنياهو، مخططها لتقويض السلطة القضائية؛ حيث شهدت إسرائيل على مدى شهور أكبر احتجاجات في تاريخها، ما انعكس بدوره على الجيش تحت قيادة هليفي، وخصوصاً مع تفشي موجة رفض الامتثال للخدمة العسكرية في صفوف الجنود والضباط والطيارين الاحتياطيين.
عامٌ وثلاثة أشهر على اندلاع حرب الإبادة، قرر هليفي أخيراً تقديم استقالته التي كانت متوقعة. أحد مقربيه عدّ خطوته في مقابلة مع موقع "واينت" بمثابة "تحصيل حاصل"؛ إذ سبق وأن أعلن تحمّله المسؤولية عن الفشل، ونيّته الاستقالة. أمّا الجنرال في الاحتياط، نيتسان ألون، وهو مُقرب من هليفي أيضاً، فعبّر في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي عن "تقديره الشديد" لصديقه الذي "تحمّل بأعلى الصوت مسؤوليته عن الفشل بصفته قائد الجيش".
عَيّنَ هليفي، خلال فترة انتخابات الكنيست الـ25، وزير الأمن آنذاك، بني غانتس. المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف – ميارا، أتاحت التعيين خلافاً لما هو متبع في الفترات الحكوميّة الانتقاليّة، التي شهدت مخاضاً موازياً لتعيين القاضي المتقاعد من المحكمة العليا آنذاك، ميني مزوز، رئيساً للجنة التعيينات الحكومية، حيث رفضت المحكمة هذا التعيين، الذي حُل بتعيين القاضي المتقاعد إلياكيم روبنشطاين في المنصب في نهاية المطاف. وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2022 أُعلن رسمياً عن تعيين هليفي رئيساً للأركان. 
 
عقب التعيين وجّه يئير لبيد الذي كان رئيساً للحكومة آنذاك، في جلسة للأخيرة انتقاد صريح للجناح الصهيوني المسياني الذي كان في أوج معركته لبلوغ السلطة؛ إذ قال إنه "لزاماً علينا أن نضمن محاسبة شديدة لكل من يرفع يده على جندي أو مسؤول في الجيش. فهذا مس بمبادئنا الأساسية وبالقدرة على حماية الدولة.. لدينا جيش واحد، وهو جيش الشعب"، مشدداً على أنه "لن نسمح بإقامة مليشيات عسكرية مافياوية في إسرائيل"، مطمئناً في الوقت ذاته إلى أن هيلفي الذي وصفه بأنه "ضابط ممتاز وصاحب خبرة طويلة". سيقود الجيش لتحقيق "إنجازات جديدة مهمة".
مسيرة صدمات هليفي
تسلّم هليفي منصبه فعلياً في 16 يناير/كانون الأول 2023، في ظل المواجهة التي بدأت بين سلفه كوخافي والوزيرين المتطرفين، بتسلئيل سموترتش، وإيتمار بن غفير. وتحديداً بسبب ما انضوت عليه الاتفاقيات الائتلافية للحكومة الإسرائيلية الـ37. عبر كوخافي أمام نتنياهو عن رفضه الشديد للتغيرات التي طالب فيها الوزيرين وتحديداً بالنسبة لوزارة الأمن الداخلي التي صارت الأمن القومي، والثانية بالنسبة لهيكلية الإدارة المدنية. 
في خطابه الأوّل خلال مراسيم تعينه في مكتب نتنياهو بالقدس المحتلة، بعث هليفي رسالة للوزيرين اللذان جلسا في الصف الأوّل بين الحضور قائلاً إنه "سنجهز الجيش للحرب أمام الساحات البعيدة والقريبة. سنقوّي جيش الاحتياط ونحافظ على الجيش الموحد. مبادئي ومهنيّتي مجردة من أي حسابات غير أمنية".
لم تكد محاولة "لجم" الوزيرين تبدأ، حتّى اندلعت احتجاجات غير مسبوقة في إسرائيل ضد ما اصطلح على تسميته بـ"الانقلاب القضائي" والذي بادر إليه "معسكر المؤمنين" تحت قيادة وزير القضاء، ياريف لفين. في الخطاب الذي ألقاه في 23 فبراير/شباط خلال مراسيم إنهاء دورة للضباط، تطرق هليفي لاحتجاجات الاحتياطيين في جيشه، مطالباً الأخيرين، ورفاقهم النظاميين على حدٍ سواء بـ"إبقاء الجيش بعيداً عن الانقسامات والحفاظ عليه موّحداً".

اضطر هليفي الى الانشغال في "الانقلاب القضائي" وبالهزّات الارتدادية التي أحدثها في المجتمع والجيش الإسرائيليين خصوصاً. في مارس/ آذار 2023 التقى هليفي ووزير الأمن آنذاك، يوآف غالانت، مع ضباط الاحتياط في ضوء احتجاجهم. وشددا أمام هؤلاء على معارضتهما الشديدة للموجة، باعتبارها تجاوزاً للخط الأحمر، خصوصاً وأنّ وحدات كاملة في الجيش تعتمد بشكل أساسي على الاحتياط. ولفت في حينه إلى أن ما قد يُضعف الجيش وقتئذنٍ "قد يصعب إصلاحه في لحظة الحقيقة".
لم يمضِ أسبوع على ذلك، عاد هليفي ليحذر من آثار الشرخ في المجتمع على جاهزية الجيش، وذلك في خطابٍ ألقاء بُعيد العملية التفجيرية في مفترق مجدو، والتي نفذها عنصر من حزب الله بعدما نجح في التسلسل من الحدود الشمالية. يومها قال "عيوننا تنظر تحدٍ متعدد الساحات، وهذا يعني أننا بحاجة إلى جيش نظامي واحتياطي مُجّهز جداً"، محذّراً : "أعداؤنا ينظرون إلينا ويقولون إن هذه لحظة ضعف.. الجيل الشاب عيونه نحونا أيضاً. هذا الجيل الذي سيوفر الأمن لإسرائيل في الـ40 سنة المقبلة... وحتى بعد 40 عام إن لم نكن أقوياء ورادعين- ستكون لدينا مشكلة هنا".
نهاية مارس/آذار التقى هليفي ورئيس "الشاباك"، رونين بار، مع نتنياهو، وحذروه بشأن الوضع القائم، مستعرضين أمامه صورة قاتمة. وبينما واصل هليفي دق ناقوس الخطر، تقدّمه نتنياهو بإقالة غالانت، قبل أن يتراجع عنها تحت ضغط الاحتجاجات. يومها خاطب هليفي المجندين الجدد في قاعدة "تل هشومير" العسكرية في تل أبيب بالقول: "تتجندون في فترة أمنية مليئة بالتحديات، مهمتكم مضاعفة: حماية أمن إسرائيل، والحفاظ على وحدة الجيش".
"الاستقطاب مُدمر" 
تفاقمت موجة رفض الامتثال للخدمة العسكرية في شهر يوليو/تموز 2023، إلى حدٍ اعترف الجيش لأوّل مرّة رسمياً بذلك. أتى الاعتراف مع محاولة الحكومة تمرير قانون "حجة المعقولية" وهو أحد البنود المهمة في مخطط تقويض سلطة القضاء. وقبل يومٍ واحد من الدفع بالقانون الذي أُجّل في نهاية المطاف، حاول هليفي لقاء نتنياهو، غير أن الأخير رفض، كما ذكر "واينت"، ليقر هليفي بأن محاولة دفع القانون المذكور أرّخت لوصول الانقسام لقمته.
في سبتمبر/أيلول 2023 تطرق هليفي في خطابٍ ألقاء بذكرى حرب أكتوبر 1973 إلى "حاجة الجيش أكثر من أي وقت مضى للتجهز  لحرب واسعة متعددة الجبهات، وتماساً مباشراً مع الأعداء، والذي سيكلف خسائر ومصابين، وفيه الجبهة الداخلية هي إحدى ساحات هذه الحرب". وشدد في حينه على "أهمية عدم المبالغة بتقدير الذات"؛ متوجهاً لـ"أعداء إسرائيل" بالقول إنه "من الأفضل لأعدائنا أن يعرفوا؛ عندما تكون إسرائيل مهددة فهي تعرف كيف تجند كل مواردها وتنحي كل الخلافات جانباً ومن ثم تتحد وتهاجم".
بعد أسابيع قليلة على ذلك، شنت كتائب القسام عملية "طوفان الأقصى" المباغتة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من ألف إسرائيلي، وأسر 250 آخرين واحتجازهم في قطاع غزة. لاحقت الجيش انتقادات حادة، وبعد خمسة أيام فقط من الهجوم المباغت تحمّل هليفي المسؤولية عن الفشل. وقال في حينه بخطاب ألقاه من حدود غزة "الجيش مسؤول عن أمن إسرائيل ومواطنيها، لم نتمكن من فعل ذلك في غلاف غزة".
وعلى الرغم من الانتقادات اللاذعة التي لاحقته بصفته رئيساً للأركان، نجح هليفي، بحسب "واينت" في إيقاظ الجيش من صدمته؛ ونشره سريعاً على الحدود الشماليّة في خطوة استباقية وقائية لهجوم مماثل قد يشنه حزب الله. وبعد انتهاء المعارك في النقب الغربي، انتقل للتخطيط للهجوم المضاد الذي كان هدفه القضاء على حماس، و"هو ما حوّل الانتقاد إلى ثناء"، ربما لم يمضِ وقت كثير حتّى تبدد.
ومع أن هليفي صارح الإسرائيليين مع شروع جيشه بالمناورة البرية في القطاع، بحقيقة أنه "لا يوجد إنجازات دون مخاطر، ولا نصر دون أثمان". عاد بعد بموازاة انسحاب الفرقة 98 من خانيونس، ليشير إلى أن "الحرب في غزة ستتواصل- ونحن بعيدون جداً عن النهاية". ومذّاك تحديداً اشتدت معركته مقابل المستوى السياسي لأنه بات أكثر ميلاً إلى تفضيل إطلاق سراح المحتجزين فـ"ساعة هؤلاء لا تتلاءم مع ساعة الإنجازات العسكرية"، كما قال في حينه، مستطرداً في التشكيك في مواقيت نتنياهو الذي كان في حينه "على بُعد خطوة من النصر".
استقالة تحت ضغط المستوى السياسي
بعد أقل من شهرٍ على استشهاد قائد حماس في غزة، يحيى السنوار، أقال نتنياهو للمرة الثانية غالانت من منصبه ويرا للأمن، وعيّن بدلاً منه يسرائيل كاتس. في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بدأت المواجهات الفعليّة بين هليفي ووزير الأمن الجديد، عندما رفض الأخير التوصيات بتعيينات في المنظومة العسكرية.
رداً على هذا الرفض وجه هليفي انتقادات لاذعة لكاتس، وكتب في وثيقة وُزّعت على قادة الجيش – بعدما عرف من وسائل الإعلام بالقرار- إن "تعيين ضباط في المناصب ليس منّة، وإنما هو التزام قيادي وعملياتي". وفي ظل ما لوحظ بأنه تعمد من جانب الائتلاف لإلقاء اللوم والمسؤولية عن "كارثة 7 أكتوبر" على الجيش؛ بدأ كاتس في ديسمبر/كانون الأوّل الماضي برسم مسار خروج هليفي من المؤسسة العسكرية.
انتهى مسار الخروج أمس؛ حيث تدخل استقالة هليفي حيّز التنفيذ في مارس/آذار المقبل. بعد وقتٍ قصير من إعلانه الاستقاله انضم أيضاً قائد المنطقة الجنوبية، يارون فينكلمان، معلناً هو الآخر استقالته. في ضوء ذلك لم ينفِ مقرّبٌ من رئيس الأركان أن تكون الاستقالة مدفوعة بضغط المستوى السياسي والمشاحنات معه، كما نقل "واينت".
وبينما تكر سبحة الاستقالات وتتداعى أعمدة هيئة الأركان، ينجو المستوى السياسي من "المقصلة"، ويتحضر لتشكيل وجه الجيش الجديد وقادته، عبر تعيينات، يتفق محللون كُثر في إسرائيل على أنها ستأتي على مقاس الحكومة ورغبتها.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط https://telegram.me/alyompress


كلمات مفتاحية:


اقرأ ايضا :
< طفل يمني يفوز بالمركز الأول في مسابقة القرآن الكريم بقطر
< بوساطة عمانية .. الحوثيون يفرجون عن طاقم السفينة جالاكسي
< وزير الخارجية اليمني يبحث مع نظيره العماني ووزير المكتب السلطاني مستجدات الأوضاع في اليمن
< تحذير... الإفراط في تناول اللحوم الحمراء أخطر مما تتصور
< " صرف الريال اليمني مقابل الدولار والسعودي في صنعاء وعدن لليوم الأربعاء
< بعد ساعات من التنصيب.. ترامب يجرد بولتون من الحرس الشخصي
< ترمب يطلق مشروع «ستارغيت» العملاق للذكاء الاصطناعي

اضف تعليقك على الفيس بوك
تعليقك على الخبر

ننبه الى ان التعليقات هنا تعبر عن كاتبها فقط ولا يتبناها الموقع، كما ننبه الى ان التعليقات الجارحة او المسيئة سيتم حذفها من الموقع
اسمك :
ايميلك :
الحد المسموح به للتعليق من الحروف هو 500 حرف    حرف متبقى
التعليق :
كود التحقق ادخل الحروف التي في الصورة ما تراها في الصورة: