أفادت وكالة رويترز بأن دمشق ردت كتابياً على قائمة شروط أميركية لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلة إنها طبّقت معظمها، لكن البعض الآخر يتطلب "تفاهمات متبادلة". وكانت الولايات المتحدة قد سلّمت سورية، الشهر الماضي، قائمة بثمانية شروط تريد من دمشق الوفاء بها، منها تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم.
وسورية في أمسّ الحاجة إلى تخفيف العقوبات حتى يتعافى اقتصادها الذي انهار تحت وطأة حرب امتدت 14 عاماً، فرضت خلالها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة، في محاولة للضغط على رئيس النظام السابق بشار الأسد. وأصدرت الولايات المتحدة في يناير/ كانون الثاني إعفاءً لمدة ستة أشهر من بعض العقوبات لتشجيع المساعدات، لكن تأثير هذا الإجراء كان محدوداً.
وفي الوثيقة المكونة من أربع صفحات وغير مؤرخة، تتعهد دمشق بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية، مهمته البحث عن الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، وتورد بالتفصيل إجراءاتها للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيميائية، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وفي المقابل، لم تورد الرسالة، بحسب "رويترز"، الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسية أخرى، مثل إبعاد المقاتلين الأجانب ومنح الولايات المتحدة الإذن بشنّ ضربات لمكافحة الإرهاب.
وسعى الشيباني في أول كلمة له أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أمس الجمعة، لإظهار أن سورية تلبي بالفعل هذه المطالب، بما في ذلك ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، والبحث عن أميركيين مفقودين في سورية. وجاءت كلمته متوافقة مع محتوى رسالة سورية الخاصة إلى الولايات المتحدة، وفقاً لـ"رويترز"، التي قالت إن محتوى هذه الرسالة لم ينشر سابقاً. كذلك نقلت عن مسؤولين غربيين وآخر سوري مطلع على الرسالة، أنها تتوافق مع النسخة التي اطلعت عليها الوكالة.
من جهته، أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ"رويترز"، أن واشنطن تلقت رداً من السلطات السورية على طلب أميركي باتخاذ "تدابير محددة ومفصلة لبناء الثقة". وأضاف: "نقيّم الآن الرد، وليس لدينا ما نقوله (عن الأمر) في الوقت الحالي". وأردف قائلاً إن الولايات المتحدة "لا تعترف بأي كيان بوصفه الحكومة السورية، وإن أي تطبيع للعلاقات في المستقبل سيحدَّد بناءً على الإجراءات التي تتخذها السلطات المؤقتة".
ولم يصدر حتى الساعة تعليق رسمي من دمشق على هذه التطورات.
وكانت وكالة "رويترز" قد نقلت، في مارس/ آذار الماضي، عن مصادر أن واشنطن ستمدد هذا التعليق لمدة عامين، إذا لُبِّيَت جميع المطالب الأميركية، وقد تصدر إعفاءً آخر. وأوردت الوكالة في وقت سابق أن المسؤولة الأميركية الكبيرة ناتاشا فرانشيسكي سلّمت قائمة الشروط لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في لقاء جمعهما على هامش مؤتمر المانحين لسورية في بروكسل في 18 مارس/ آذار الماضي.
وجاء في الرسالة أن المسؤولين السوريين ناقشوا مسألة المقاتلين الأجانب مع المبعوث الأميركي السابق دانيال روبنستاين، لكن المسألة "تتطلب جلسة مشاورات أوسع". وذكرت الرسالة أن ما يمكن تأكيده في الوقت الحالي، أن إصدار الرتب العسكرية عُلِّق بعد الإعلان في وقت سابق ترقية ستة أفراد، في إشارة واضحة إلى تعيين مقاتلين أجانب في ديسمبر/ كانون الأول، من بينهم مقاتلون من الإيغور، وأردني، وتركي، في مناصب بالقوات المسلحة السورية.
ولم تذكر الرسالة ما إذا كان هؤلاء المقاتلون الأجانب قد جُرِّدوا من الرتب التي حصلوا عليها، ولم تشر أيضاً إلى الخطوات التي ستُتَّخَذ في المستقبل. وقال مصدر مطلع على نهج الحكومة السورية بهذا الشأن، إن دمشق ستؤجل التعامل مع هذه القضية قدر الإمكان، نظراً لأنها ترى أن المقاتلين الذين ساعدوا في إطاحة الأسد من غير السوريين يجب أن يعاملوا معاملة حسنة. وحول طلب الولايات المتحدة التنسيق في مسائل مكافحة الإرهاب، والقدرة على تنفيذ ضربات على أهداف إرهابية، قالت الرسالة إن "الأمر يتطلب تفاهمات متبادلة".
وشملت الرسالة تعهداً بأن الحكومة السورية الجديدة لن تتسامح مع أي تهديدات للمصالح الأميركية أو الغربية في البلاد، وتعهداً باتخاذ "الإجراءات القانونية المناسبة"، دون أن تذكر تفاصيل. وفي مقابلة في وقت سابق من هذا العام، قال الرئيس السوري أحمد الشرع، إن القوات الأميركية المنتشرة في سورية موجودة دون موافقة الحكومة، مضيفاً أن أي وجود من هذا النوع يجب الاتفاق عليه مع الدولة.
وقال مسؤول سوري مطلع على الرسالة، إن المسؤولين السوريين يفكرون في سبل أخرى لإضعاف المتطرفين، دون منح الولايات المتحدة إذناً صريحاً بتنفيذ ضربات، باعتبار ذلك خطوة مثيرة للجدل، بعد أن تعرضت سورية لسنوات للقصف من قوات جوية أجنبية خلال الحرب.
ماذا تقول رسالة دمشق لواشنطن عن إسرائيل والفصائل الفلسطينية؟
إلى ذلك، قال دبلوماسي رفيع المستوى ومصدر آخر مطلع على الرسالة لـ"رويترز"، إنهما يعتبران أن الرسالة تناولت خمسة مطالب بالكامل، لكن بقية المطالب ظلت "معلقة". وأشارا إلى أن الرسالة وُجِّهَت في 14 إبريل/ نيسان، أي قبل 10 أيام فقط من وصول الشيباني إلى نيويورك للإدلاء بكلمة أمام مجلس الأمن. ولم يتضح ما إذا كانت الولايات المتحدة قد أرسلت رداً على الرسالة السورية. وقال مسؤول سوري ومصدر أميركي مطلع على الرسالة، إن الشيباني كان من المقرر أن يناقش محتواها مع مسؤولين أميركيين خلال زيارته لنيويورك.
وذكرت دمشق في رسالتها أنها تأمل أن تؤدي الإجراءات المتخذة، التي وصفتها بأنها "ضمانات"، إلى اجتماع لمناقشة كل نقطة بالتفصيل، بما في ذلك إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات. وفي ما يتعلق بالمسلحين الفلسطينيين في سورية، قالت الرسالة إن الشرع شكل لجنة "لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية"، وإنه لن يُسمح بوجود فصائل مسلحة خارج سيطرة الدولة.
وجاء إرسال الرسالة قبل أيام فقط من اعتقال سورية لفلسطينيين اثنين من قياديي حركة الجهاد الإسلامي. وذكرت الرسالة أنه "فيما يمكن أن تستمر المناقشات حول هذه المسألة، فإن الموقف العام هو أننا لن نسمح بأن تصبح سورية مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل". وأقرت الرسالة أيضاً بوجود "تواصل مستمر" بين سلطات مكافحة الإرهاب السورية وممثلي الولايات المتحدة في العاصمة الأردنية عمّان، بشأن مكافحة تنظيم داعش، وقالت إن سورية تميل إلى توسيع هذا التعاون. ولم ترد تقارير من قبل عن محادثات مباشرة بين سورية والولايات المتحدة في عمّان.
وشهدت العاصمة السورية دمشق أخيراً، زيارة لافتة لعضوين من الكونغرس الأميركي في 18 إبريل/ نيسان الحالي، حيث التقى النائبان كوري ميلز (عن ولاية فلوريدا) ومارلين ستاتزمان (عن ولاية إنديانا) الرئيس السوري أحمد الشرع، في أول زيارة رسمية من نوعها منذ سنوات طويلة. ورافقهم عدد من أفراد الجالية السورية المقيمين في الولايات المتحدة.
وزار ميلز حي جوبر الدمشقي المتضرر جراء الحرب، حيث اطلع على آثار الدمار، مشيداً لاحقاً بلقائه مع الرئيس الشرع، ووصفه بـ"الملهم"، موضحاً أن النقاش تناول الأمن القومي، الحدود مع الدول المجاورة، قضايا التعددية والمساواة في العمل الحكومي، فضلاً عن تأثير العقوبات الاقتصادية على الشعب السوري، وسبل إعادة هيكلة الاقتصاد.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك