يشهد الشرق الأوسط تصاعدًا خطيرًا في الأزمات السياسية والعسكرية، حيث تتشابك الأحداث بين عدوان الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين، ويتصاعد توتر إقليمي تتعدد أطرافه بين الحوثيين في اليمن وإسرائيل وإيران، وما زال لبنان وسوريا في مرمى النيران الإسرائيلية، المدعومة بغطاء من الولايات المتحدة.
ويعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى دائرة الضوء بمواقف مثيرة حول مفاوضات النووي الإيراني، إذ يسعى إلى إعادة صياغة العلاقات مع طهران ضمن إطار تجاري واقتصادي، وهو ما يثير تساؤلات بشأن تأثير هذه التحركات على ميزان القوى الإقليمي.
وأمام هذا التصعيد المتنامي الذي يضع المنطقة على حافة متدحرجة نحو المزيد من الصراعات، قال خبراء غربيون للجزيرة نت إن إسرائيل تظل مصدر الأزمات بالمنطقة، ومنها يتوسع التصعيد ليشمل مناطق مختلفة، وستبقى كذلك ما دام المجتمع الدولي يتخلى عن دوره الإنساني والقانوني في الحد من جرائم الاحتلال وانتهاكاته.
يتواصل التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في ظل سياسات حكومة بنيامين نتنياهو، التي كشفت مطلع الأسبوع عن تسريبات لخطط لاحتلال قطاع غزة بالكامل، بدعم من الولايات المتحدة التي توفّر غطاءً سياسيًّا للممارسات الإسرائيلية، حسب ما قاله الخبراء.
فرئيس حزب "شين فين" بأيرلندا الشمالية ديكلان كيرني وصف ما يحدث في فلسطين "بالإبادة الجماعية و"نظام الفصل العنصري"، داعيًا المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات شاملة وحظر مبيعات الأسلحة لإسرائيل.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أكد كيرني أن القوى الغربية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، تتحمل مسؤولية التخاذل عن وقف هذه الانتهاكات، التي تعدّ انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية وحقوق الإنسان.
وأمام السياسة الإسرائيلية هذه، ذهب الكاتب والمحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف إلى أن "نتنياهو يستخدم التصعيد أداة سياسية لبقاء حكومته اليمينية المتطرفة في السلطة، خاصة في ظل أزماته الداخلية".
وأشار أونتيكوف إلى أن حكومة إسرائيل تعتمد على التصعيد المستمر، وهو ما يضع المنطقة بأكملها أمام خطر انفجار الصراع بشكل شامل.
ويذهب الدبلوماسي الروسي السابق والمحلل السياسي فياتشيسلاف ماتوزوف أبعد من ذلك، فيرى أن ما تشهده المنطقة من تصعيد يعد استكمالا لما يسمى "صفقة القرن" التي تحدث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى (2017 – 2020)، بوصفها جزءا من السياسة الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
وفي تصريحات للجزيرة نت، قال ماتوزوف إن هذه الصفقة تعني هيمنة إسرائيل على كل قطاع غزة وضم الضفة الغربية، وكذلك السيطرة على مرتفعات الجولان السورية وأن تصبح القدس عاصمة إسرائيل الأبدية.
جبهات جديدة
وفي الأيام الأخيرة، وفي تطور عسكري كبير، برزت جبهة جديدة في الصراع الإقليمي متمثلة في تصعيد الحوثيين ضد إسرائيل، بما في ذلك استهدافهم مواقع حيوية كمطار بن غوريون الإسرائيلي.
وعن هذه التحركات، يقول الدبلوماسي الروسي السابق إنها تعد ردّ فعل على السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، مؤكدا أن الحوثيين ليسوا مجرد أداة إيرانية، بل يتحركون بناءً على غضب شعبي وسياسات إسرائيلية مستفزة.
ورغم أن إيران تُعد داعمًا رئيسيًّا للحوثيين، فإن ماتوزوف أوضح أن طهران لا تشجع الحوثيين على التصعيد المباشر ضد إسرائيل، مشيرًا إلى أن التصعيد الأخير يأتي ضمن ردود فعل متعددة على اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، وليس نتيجة توجيهات مباشرة من إيران.
وفي ظل التصعيد المتزايد خلال الأيام الماضية، وبعد إصابة مطار بن غوريون، هدد الحوثيون بإغلاق المجال الجوي لإسرائيل، وهو ما يعده الباحث والإعلامي الفرنسي بيير لويس "جبهة جديدة" في صراعات المنطقة.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، أوضح لويس أن هذه الجبهة يمكن تسميتها "الجبهة اليمنية"، حيث إن الحوثيين تعززت مكانتهم في اليمن، وأصبح نفوذهم متزايدا يوما بعد آخر بعد عملياتهم ضد الملاحة التجارية في البحر الأحمر، مما يؤثر على الخطط الأميركية القادمة.
النووي الإيراني
يتزايد تعقيد المشهد الإقليمي مع عودة ملف مفاوضات البرنامج النووي الإيراني إلى الواجهة؛ فترامب أعطى هذه المفاوضات نفسا جديدا وأرضية يمكن البناء عليها مرة ثانية بعد انسحابه من الاتفاق خلال فترته الرئاسية الأولى، بعدما أقرها سلفه باراك أوباما عام 2015، لكنه في الأيام الأخيرة صرح بغير ذلك وكأنه يضع المزيد من العقبات أمام هذه المفاوضات.
وحسب الباحث الفرنسي، فإن الولايات المتحدة تسعى لإيجاد صيغة لإعادة إحياء الاتفاق النووي من جديد، مع الحرص على ألا تؤثر التوترات الإقليمية -مثل التصعيد الحوثي- على هذه المفاوضات.
أما فيما يتعلق بتغير موقف ترامب من المفاوضات الإيرانية الأميركية، فإنه يريد العودة من باب العلاقات التجارية مع إيران، مع الإشارة إلى الشرخ الذي يريد أن يحدثه ترامب بين توجهاته كونه رجل صفقات والسياسة الإسرائيلية تجاه طهران، حسب لويس.
في المقابل، تستفيد إيران من موقعها كطرف إقليمي مؤثر، خاصة في ظل تزايد الضغط على إسرائيل بفعل النزاعات مع حلفاء طهران الإقليميين. ويرى البعض أن إدارة ترامب تسعى لتجنب أي صراع مباشر مع إيران، مركزةً على إيجاد حلول تضمن مصالحها السياسية والاقتصادية، حسب ما قاله ماتوزوف.
تداعيات على المنطقة
ويشير المحللون إلى أن التصعيد الإسرائيلي بات يشمل أيضًا الضربات المتكررة ضد سوريا، وتوسيع دائرة الاشتباكات العسكرية في غزة. فالكاتب الروسي أونتيكوف رأى أن تل أبيب تعمل على استغلال الضغوط الداخلية لتعزيز قبضتها داخليًا من خلال افتعال أزمات خارجية.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك