يأتي انضمام سلطنة عُمان المتأخر إلى التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، يوم أمس، والذي أعلنت السعودية عن تأسيسه ديسمبر/كانون الأول الماضي، ليكمل سلسلة التعاون العسكري والأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي، والذي يندر أن تشذ عنه السلطنة، وإن لم تكن دائما على وفاق سياسي مع دول المجلس.
فالسياسة الخارجية العُمانية خطت لنفسها نهجا خاصا منذ عقود، مغايرا للسياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، والتي تقودها المملكة العربية السعودية عادة. ويظهر هذا التمايز خصوصاً في مقاربة العلاقة مع إيران منذ سبعينيات القرن الماضي.
ففي الوقت الذي كانت دول مجلس التعاون تتعامل بارتياب مع سياسات شاه إيران محمد رضا بهلوي، خصوصاً طموحاته التوسعية والتي شملت احتلال جزر إماراتية، والتلويح باحتلال البحرين، لم تعتبر سلطنة عُمان إيران عدوا. بل على العكس، استعانت السلطنة بشاه إيران الذي قدم دعما عسكريا لها لإخماد ثورة ظفار التي قامت بها مجموعات اشتراكية ويسارية منذ منتصف 1965.
بعد ثورة روح الله الخميني عام 1979، لم تتغير كثيرا السياسة العُمانية تجاه إيران، والتي كانت تقوم على أساس اتخاذ موقف "محايد" إلى أقصى درجة ممكنة، لا يقصي عُمان عن جيرانها، ولا يدخلها في مواجهة مع طهران.
وعلى هذا الأساس، وعندما رغبت السعودية والبحرين والكويت وقطر والإمارات سنة 1981 في تأسيس مجلس للتعاون فيما بينهم، والذي اعتبر آنذاك بمثابة تكتل لمواجهة مخاطر الثورة الإيرانية، انضمت عُمان إلى المجلس، رغم أنها اتخذت موقفا مختلفا عن مواقف باقي دول الخليج حيال الحرب العراقية – الإيرانية، والثورة الإيرانية ككل.
ففي الوقت الذي دعمت فيه دول مجلس التعاون الخليجي العراق في مواجهة إيران، ولا سيما السعودية والكويت، سياسيا وماليا معلناً، وقفت سلطنة عُمان على الحياد، بل احتضنت منتصف الثمانينيات محادثات سرية، عراقية – إيرانية، لوقف إطلاق النار، المحاولة التي باءت بالفشل كما هو معروف.
هذا الموقف السياسي المختلف ما زال يحكم علاقة عُمان مع جيرانها من جهة، ومع إيران من جهة أخرى. فالسلطنة احتضنت المحادثات السرية بين إيران ودول 5+1 قبل اتفاق جنيف بمدة طويلة. كما أنها لم تقطع علاقتها الدبوماسية أو تخفض من تمثيلها في طهران، توازيا مع خطوة سعودية في يناير/كانون الثاني الماضي، إثر اقتحام إيرانيين لمقار دبلوماسية سعودية في طهران ومشهد، احتجاجا على إعدام الرياض رجل الدين السعودي نمر النمر. واستمرت هذه التباينات في التأثير بعلاقات عُمان مع دول الخليج، فهي جزء من المجلس، لكنها مختلفة عنه.
ففي الوقت الذي شاركت فيه دول المجلس في عمليات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن (عاصفة الحزم) مارس/آذار 2015، لم تكن عُمان جزءا من التحالف، واحتفظت بعلاقات جيدة مع مليشيات الحوثي، ما جعل مسقط ساحة أخرى للتفاوض بين أطراف النزاع في اليمن، قبل أن تحتضن الكويت العام الجاري جولات مفاوضات مطولة لم تفض إلى شيء.
بل تم اتهام عُمان بدعم الحوثيين بشكل أو بآخر، ونُشرت تقارير إعلامية عن تهريب أسلحة إلى الحوثيين عبر الأراضي العُمانية، الاتهام الذي لم يصدر عن مسؤول خليجي رسمي قط، ونفت عُمان هذا الأمر نفيا قطعيا. ولا تبدو هذه الخطوة (دعم الحوثيين) متسقة مع السياسة الخارجية العُمانية، فمسقط التي لا تريد مواجهة إيران وإغضابها، لا تريد أيضا أن تسيء إلى العلاقات مع جيرانها في دول مجلس التعاون.
هذا الموقف السياسي العُماني المختلف، انعكس على مسألة أساسية تتعلق في تطوير مجلس التعاون، وتحويله إلى "اتحاد" خليجي، الخطوة التي طرحها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز في ديسمبر/كانون الأول 2011، واعترضت عليها السلطنة، وما زالت مثار جدل في أروقة المجلس بين وقت وآخر.
إضافة إلى موقف عُمان من الاتحاد الخليجي، وإيران، والحرب في اليمن، اتخذت مسقط مواقف اعتبرت خارجة عن السياق الخليجي تماما، بزيارة المسؤول عن الشؤون الخارجية في السلطنة، يوسف بن علوي، إلى دمشق، ولقائه برئيس النظام السوري بشار الأسد أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، ما اعتبر آنذاك خروجا قاسيا على الإجماع الخليجي الرافض للأسد ونظامه.
لكن كل هذه المواقف السياسية المختلفة لسلطنة عُمان، خصوصاً تجاه إيران، لم تعرقل التعاون العسكري والأمني بين السلطنة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، والذي يأتي إعلان مسقط الانضمام إلى التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب جزءا منه، باعتبار السعودية هي صاحبة فكرة قيام التحالف، والتي تقوده، وإن كان نطاقه أوسع من دول مجلس التعاون باعتباره تحالفا إسلاميا.
عُمان جزء من قوات "درع الجزيرة" وإن لم تشارك بعملياته في مملكة البحرين في 2011. كما أن السلطنة شاركت باستمرار في المناورات العسكرية والأمنية التي تجريها دول مجلس التعاون الخليجي، وكان آخرها مناورات "أمن الخليج العربي 1" والتي احتضنتها مملكة البحرين نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وشاركت عُمان أيضا في مناورات "رعد الشمال" والتي نظمتها السعودية فبراير/شباط – مارس/آذار الماضي، والتي اعتبرت أضخم مناورات عسكرية في المنطقة بمشاركة عشرين دولة عربية وإسلامية، واعتبرت حينها رسالة سياسية إلى إيران. كما اعتبرت تلك المناورات بمثابة إبراز للتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، باعتبار أن أغلب الدول المشاركة في المناورات أعلنت انضواءها تحت لوائه.
وتمت قراءة غياب عُمان عن التحالف الإسلامي باعتباره امتدادا لغياب إيران والعراق عنه. إضافة إلى غياب الجزائر ذات العلاقات الوثيقة بطهران. لكن لا يبدو أن تلك القراءة كانت دقيقة، أي اعتبار "إيران" سببا لغياب عُمان.
فالتحالف لم يعلن أنه في صدد مواجهة إيران، بل تحدث عن "منظمات إرهابية" وأكد المستشار في وزارة الدفاع السعودية اللواء أحمد عسيري أن التحالف "لن يقتصر على مواجهة داعش" في إشارة إلى مليشيات مدعومة من إيران في العراق وسورية. الرسالة التي التقطها قادة مليشيات الحشد الشعبي مبكرا في العراق، فاعتبر أبو مهدي المهندس التحالف خطرا على الحشد. وهنا يغيب الحديث عن مواجهة مباشرة مع طهران.
كما أن التحالف أكد "احترامه لسيادة الدول" وأنه "لن يشكل قوات مشتركة" كما في تصريحات عسيري، ما يستبعد قيامه بمواجهة عسكرية مباشرة مع أحد بصورة مباشرة، وخارج مظلة القانون الدولي. ما ينفي أنه موجه ضد إيران.
ووضع التحالف لاحقا أربعة محاور للعمل، تشمل الإعلام والفكر والتمويل المالي والعمل العسكري. وتحديد هذه المحاور يؤكد فعلا أن هدف التحالف المعلن، وهو مواجهة المنظمات الإرهابية، حقيقي، وليس غطاءً لهدف آخر.
في هذا السياق، وبالنظر إلى مشاركة عُمان في مناورات "رعد الشمال" بعد شهرين من إعلان قيام التحالف الإسلامي، والتي اعتبرت رسالة إلى طهران أيضا، فإن هذه المشاركة تنفي أن عدم انضمام عُمان إلى التحالف آنذاك كان بسبب الموقف من إيران. ويرجح أن السبب هو محاولة السلطنة فهم الحلف وأهدافه بصورة أكبر، ويبدو أن مرور عام على إعلان قيام التحالف وقت كاف للحكم عليه، وهناك جاء على الأرجح إعلان عُمان انضمامها إلى التحالف.
ونقلت رويترز عن مصدر سعودي قوله إن هذا الإعلان يأتي أيضا تمهيدا لزيارة ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان، إلى السلطنة خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك تمهيدا لزيارة أخرى سيقوم بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز مستقبلا. وكان العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز قد أجرى جولة خليجية الشهر الجاري، شملت كل العواصم الخليجية باستثناء مسقط.
ويأتي إعلان مسقط الانضمام إلى التحالف، بعد استثنائها من جولة العاهل السعودي الخليجية، ليضع الخطوة أكثر في إطار محاولة عُمان استرضاء الجانب السعودي، ولا سيما مع استمرار علاقة السلطنة الوطيدة بطهران رغم الموقف الخليجي المتضامن مع السعودية مطلع العام الجاري، وغياب عُمان عن "عاصفة الحزم" وعلاقاتهم الجيدة بمليشيات الحوثي.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك