قد لا يختلف اثنان على أن كرة القدم هي اللعبة الأولى في العالم، ويتابعها أكثر من نصف سكان هذا الكوكب، ويمارسها الملايين في أصقاع الأرض، إلا أنها لم تعد لعبة الجميع.
أصبح المال هو عصب الساحرة المستديرة، بعد أن كان محركها الرئيسي هو عشق الجماهير وشغب اللاعبين، ففي تسعينيات القرن الماضي بدأت تتشكل ملامح رأسمالية كرة القدم، وبعد أن كنا نشاهد الكثير من الأندية تنافس على الألقاب، وتقاتل على جميع الجبهات في مختلف الدول، أصبحت الألقاب محصورة بعدد محدود من الأندية الغنية، إلا من بعض الاستثناءات القليلة، والقليلة جدا.
كما كانت المنتخبات تعج بالنجوم من مختلف الأندية، بينما ينحصر تمثيل المنتخب بعدد محدود من الأندية، تصبح خالية من اللاعبين عند أي مباراة على مستوى المنتخبات، بينما لا تشعر فرق الصف الثاني بأي فرق.
لا بد أن شعبية كرة القدم قد فتحت عيون الاقتصاديين على هذه السوق الجديدة، إلا أن المشكلة الأكبر كانت هي أن السلطة العليا في هذه اللعبة "الفيفا"، أدارت اللعبة كشركة وليس كمنظمة، ووضعت ضوابط لتنظيم العمليات المالية، بغض النظر عن القيم الأخلاقية أو الجمالية للعبة.
مؤخرا اشتعلت أسواق شرق آسيا وتجرت الأجور قبل ذلك بزمن، ونسي الجميع أن لعبة كرة القدم كانت بعيدة عن عالم المال، ولنعد بالتاريخ إلى عام 1957 عندما كان لاعبو الصف الأول يحصلون على متوسط دخل سنوي 1600 جنيه استرليني، ما يعادل اليوم 75000 جنيه، وهو أقل بكثير مما يجينيه اللاعبون هذه الأيام في أسبوع واحد.
وكان عصر الاحتراف قد بدأ رسميا عام 1885، عندما سمح للاعبين بتلقي أجور نظير ممارستهم لكرة القدم، وفي عام 1938 حدث جدل سياسي كبير في البرلمان البريطاني نتيجة الصفقة التي وصفت بالكبيرة، عند انتقال براين جونز من ولفرهامبتون إلى أرسنال مقابل 14 ألف جنيه.
ويعد 20 فبراير/شباط 1992 هو المفترق التاريخي الأكبر لكرة القدم نحو عالم المال، عندما أعلن عن تأسيس الدوري الإنجليزي الممتاز "البريميرليغ"، كشركة تعمل بالتعاون مع الاتحاد الإنجليزي، بعد معاناة الأندية الإنجليزية من ضعف الإمكانات المادية، ليبدأ البحث عن رعاة للبطولة واستحداث ترخيص خاص لحقوق البث التلفزيوني.
وعرضت عندها شبكة سكاي الإنجليزية مبلغ 191 مليون جنيه، مقابل 5 سنوات من حقوق البث الحصري للدوري الممتاز، ليكون التدخل المجنون الأول من قبل وسائل الإعلام في عالم كرة القدم، لتبدأ الشركات - ليس فقط على الصعيد الوطني وإنما على الصعيد العالمي- تسعى للحصول على صفقات وعقود احتكارية لتكون وقودا يشغل هذه اللعبة.
وكمثال على تلك الصفقات الخيالية:
دفعت شبكة سكاي عام 2007 مبلغ قياسيا 1.7 مليار جنيه للحصول على حقوق بث الدوري لخمس سنوات.
دفعت شركة طيران الإمارات 100 مليون جنيه لمدة 15 عاما، مقابل تسمية ملعب أرسنال الجديد باسم ملعب الإمارات.
والعديد من الصفقات الكبيرة مع الشركات كسامسونغ وAIG وكارلسبرغ، التي دفعت مبالغ خيالية من أجل أن يرى المشاهد أسماء شركاتهم على القمصان.
وبسبب هذه الصفقات الخيالية بدأت الأندية الكبيرة تحصل على الأموال وبمبالغ مرعبة، وأصبحت ميزانية بعض الفرق أكبر من ميزانيات العديد من الدول، ولما وجدت هذه الأندية أنها تستطيع شراء من تريد من اللاعبين عند توفر هذه السيولة، بدأت بإغراء اللاعبين ودفع المبالغ التي يسيل لها اللعاب، من أجل ضمان ارتدائهم لقميص النادي.
وقد تكون صفقة دينلسون بقيمة 21.5 مليون يورو عند انتقاله من ساوباولو البرازيلي إلى ريال بيتيس عام 1998، هي أولى الصفقات الكبرى التي ابتدأها العهد الجديد لكرة القدم، لتشتعل بعدها الأسواق، وتزداد السيولة لدى العديد من الأندية نتيجة بيع لاعبيها، لتعود وتصرف هذه المبالغ في شراء لاعبين جدد، لتزداد الكتلة النقدية في السوق، وتتزايد الأسعار بشكل جنوني عاما بعد عام.
هذه السيولة وهذه الأرقام الفلكية دفعت اللاعبين لطلب أجور أكبر، فأصبحت رواتب اللاعبين بالإضافة إلى عوائد الإعلانات، خلال أسبوع واحد أكبر من راتب موظف في شركة عادية لعشر سنين، فالويلزي غاريث بيل على سبيل المثال يتقاضى 470 ألف دولار أسبوعيا، وهو ما يبلغ ضعف راتب رئيس الوزراء البريطاني السنوي.
والمؤسف في كل ما سبق، أن هذه الأجور والصفقات الكبيرة تعود سلبا على المشجع العادي الذي يعشق كرة القدم، فارتفعت أسعار تذاكر المباريات أضعافا خلال العقدين الأخيرين، واحتكرت القنوات التلفزيونية البث عبر شبكاتها المشفرة، لتصبح مشاهدة البطولات الكروية حكرا على الأغنياء، بعد أن كانت كرة القدم لعبة الفقراء الأولى في العالم، لعقود طويلة.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك