تبدو قضية تعريض الفتيات لعملية تشويه للأعضاء التناسلية (ختان الإناث) محصورة في بلدان دون أخرى، وعادة متوارثة لدى مجتمعات معينة، إلا أنها في حقيقة الأمر قضية أشمل وأكبر. إنها قضية لا تنحصر بنحو 15 مليون فتاة بين 15 و19عاماً سيتعرضن لتلك الممارسة الوحشية على أنواعها بحلول عام 2030، ولا تعني 200 مليون امرأة وفتاة سبق وتعرضن للختان في العالم، بل تعتبر قضية حقوقية تعني الإنسان عموماً، والنساء على وجه التحديد.
استمرار ممارسة ختان الفتيات حتى اليوم بتشجيع من سلطات الأمر الواقع هنا وهناك، تسلط الضوء على هشاشة الجهود والضغوط المحلية والدولية وعجزها عن وقف تلك العادة الاجتماعية. لكن ذلك لم يمنع الناشطين المحليين وحول العالم من تجييش حملات التوعية، ومحاولة التأثير على مواقع القرار في الدول المعنية أو المجتمع الدولي لوقف تلك الممارسة الوحشية التي تنتهك جسد الأنثى بغير حق، وتشوهه بحجج واهية لا تمت للعلم أو الطب أو حتى الدين بصلة.
وتجسد عادة ختان الإناث الصراع الذي لا ينتهي بين عادة متجذرة في لاوعي المجتمعات، ومحاولات منعها بقوانين جزائية لا تطبق، وحملات توعية تبقى الفتاوى والمعتقدات أقوى منها، والتوعية الصحية عن خطرها وممارسة عكسها تماماً.
تجدد منظمة الصحة العالمية تأكيدها في إطار إحيائها "اليوم العالمي لعدم التسامح مطلقاً مع تشويه الأعضاء التناسلية للإناث"، الموافق 6 فبراير/شباط من كل عام، بأن ختان الإناث عنف وانتهاك للحقوق الأساسية للنساء والفتيات، لا يجب السماح بإجرائه مطلقاً حتى من قبل العاملين في الحقل الصحي. وتؤكد أن بتر أعضاء الفتيات التناسلية ليس له أي فوائد صحية، بل على العكس يمكن أن يؤدي إلى نزيف حاد ومشاكل في التبول، وفي وقت لاحق إلى خراجات والتهابات وعقم، فضلا عن مضاعفات في الولادة وزيادة خطر وفيات المواليد.
وتحذر المنظمة من انعكاسات العملية على صحة الفتيات النفسية وإصابتهن بالصدمة، مشيرة إلى أن فتيات تتراوح أعمارهن بين سن الرضاعة و15 سنة يتعرضن لتشويه الأعضاء التناسلية في المجتمعات التي تمارس تلك العادة.
جهود للقضاء على الظاهرة
تعتبر الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن ختان الإناث يندرج اليوم في إطار المبادرة العالمية "من أجل القضاء على العنف ضد النساء والفتيات" التي تركز على القضاء على جميع أشكال ختان الإناث. وتضعها في طليعة الجهود الرامية إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة بما يتماشى مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وتعكس هذه الممارسة التباين المتجذر بين الجنسين، وتمثل أحد أشكال التمييز ضد المرأة والفتاة. فضلا عن ذلك، تنتهك هذه الممارسة حقها في الصحة والأمن والسلامة البدنية، وحقها في تجنب التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وحقها في الحياة إذا ما أدت هذه الممارسة إلى الوفاة.
ويخطئ من يظن أن تلك العادة تمارس في دول أفريقية وإسلامية فقط، أو أن الأعداد المعلنة في القوائم لا تحوي الحالات التي تجري في الخفاء. وتعزيز القضاء على ختان الإناث يتطلب جهوداً منسقة ومنظمة تشترك فيها المجتمعات بأكملها وتركز على حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين. وتمكين المجتمعات المحلية من سبل التوعية وتلبية احتياجات الصحة الجنسية والإنجابية للمرأة والفتاة ممن يتعرضن لعواقب هذه الممارسة.
نسب وأرقام... أعلاها في أفريقيا
الجديد الذي اخترق واقع ختان الإناث في أفريقيا، هو الحظر المؤقت الذي فرضته ليبيريا مدة عام واحد ضد تلك الممارسة. وقع الحظر الرئيس الليبيري السابق إيلين جونسون سيرليف، قبل أسبوع من تركه منصبه. وتضغط الحملات الحقوقية على الرئيس الجديد، جورج ويا، لجعل القرار قانوناً دائماً.
ويشار إلى أن الناشطين الحقوقيين يتعرضون في ليبيريا وغيرها للتهديد بالقتل لمجرد حديثهم عن الختان والمطالبة بوقفه. لكن التقدم البسيط والإنجازات الخجولة في هذا المجال، لا تلحظ الإحصاءات حجمه، خصوصاً أن أرقام الأمم المتحدة وبياناتها تعود إلى عام 2015 بما يخص الختان في دول أفريقيا خصوصاً، وعدد قليل من دول عربية وإسلامية.
وبيّنت إحصاءات منظمة "يونيسف" عام 2015 التي تتعلق بختان الفتيات منذ الولادة وحتى 14 عاماً، في دول أفريقيا وآسيا وشبه الجزيرة العربية، أن غامبيا تأتي في المقدمة بنسبة 56 في المائة، تليها موريتانيا بنسبة 54 في المائة، ثم إندونيسيا بنسبة 49 في المائة. أما النسبة في السودان فبلغت 32 في المائة، وفي اليمن 15 في المائة تلتها مصر بنسبة 14 في المائة.
أما الفتيات والنساء اللواتي خضعن لعملية الختان من عمر 15 عاماً وحتى 49 عاما، فبلغت النسبة الأعلى من قائمة تضمنت 29 دولة معظمها في أفريقيا، في الصومال وهي 98 في المائة، تلتها غينيا بنسبة 97 في المائة. أما مصر فحلت السادسة بنسبة 87 في المائة، تلاها السودان بنسبة 87 في المائة، وحلت موريتانيا في المرتبة 12 بنسبة 69 في المائة. وجاءت اليمن في المرتبة 21 بنسبة بلغت 19 في المائة، والعراق في المرتبة 24 بنسبة 8 في المائة.
الختان في دول غربية
تسعى دول غربية تجري فيها عمليات ختان للفتيات بالخفاء، أو بمساعدة أطباء يتحايلون على القوانين، إلى تعبئة الجهود المحلية والدولية لإنهاء عادة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وضبطها من خلال التوعية من جهة، وتغليظ العقوبات من جهة ثانية.
وأشارت تقديرات نشرت عام 2014 في المملكة المتحدة إلى أن 137000 امرأة وفتاة يقمن بصفة دائمة في إنكلترا وويلز، تعرضن في بلدانهن الأصلية لتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. ويعتبر ختان الإناث جريمة جنائية في المملكة المتحدة منذ حظره عام 1985، الذي حل محله لاحقا قانون تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى لعام 2003. وأكدت السلطات البريطانية في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أنه لا يزال هناك "ملاحقة واحدة فقط بشأن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث بموجب قانون عام 2003".
وفي ألمانيا، رجحت منظمة "أرض النساء" الحقوقية أن عدد الفتيات المهددات بالتعرض لتشويه أعضائهن التناسلية، أو ما يعرف بختان الإناث، بلغ 13 ألف فتاة في عام 2017 وحده، ما يعني أن العدد ارتفع بمقدار 4000 فتاة عن العام السابق. وأعادت المنظمة هذا الارتفاع "إلى تزايد عدد اللاجئين القادمين من إريتريا والصومال والعراق". وقدرت عدد المختونات الإجمالي في ألمانيا بنحو 58 ألفاً وفق دراسة أجرتها المنظمة.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن نحو 53 ألف امرأة وفتاة تتعرض سنوياً للختان في فرنسا. ويشار إلى أن مجلس الشيوخ الإيطالي أقرّ قانوناً يمنع ختان الفتيات عام 2005، يتضمن عقوبات بالسجن تتراوح بين 4 إلى 12 سنة، إضافة إلى حرمان الأطباء المتورطين من ممارسة مهنتهم مدة 10 سنوات.
يمكن اعتبار الدول الأوروبية المشار إليها مثالاً، وبما أن الإنسان يحمل عاداته معه عند الانتقال والإقامة في أوروبا أو غيرها، فهذا ينبئ بأن ممارسة الختان موجودة في دول لا تلحظها الإحصاءات.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك