فوجئت دولة الاحتلال الإسرائيلي بما في ذلك أجهزة استخباراتها بتقدّم فصائل المعارضة في سورية سريعاً في عدة مناطق، ما دفع المستوى السياسي والمؤسسة الأمنية لعقد مشاورات طارئة ليل الخميس- الجمعة في محاولة لفهم الحاصل هناك، وسط تعزيزات عسكرية جرى إرسالها إلى الحدود في هضبة الجولان المحتل تحسباً للتطورات.
وتصف إسرائيل ووسائل إعلامها فصائل المعارضة بـ"المتمردين والإرهابيين"، فيما قام جيش الاحتلال بتحديث تقييمه للوضع، معتبراً أن الفصائل ربما باتت تشكّل فعلاً خطراً على نظام بشار الأسد. كما تتساءل دولة الاحتلال بمختلف أجهزتها عن دور روسيا وإيران وترى أنهما لا تقدمّان الدعم الكافي له على ما يبدو في هذه المرحلة. وتجد إسرائيل نفسها غير قادرة على تحديد ما الذي يخدم مصلحتها في سورية، فمن جهة تخشى الوجود الإيراني هناك، ومن ناحية أخرى تتخوف من فصائل المعارضة وتعتقد أنها قد تدخل في مواجهة معها لاحقاً.
جيش الاحتلال يعزز قواته في الجولان
وعزز جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير، قواته في هضبة الجولان المحتل. وأفادت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، اليوم الجمعة، بأنه تم خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، تحويل قوات من عدة وحدات إلى الفرقة 210 الإقليمية، التي تسيطر على الحدود مع سورية. ويخشى جيش الاحتلال، من أحداث قد تخرج عن السيطرة وتؤدي إلى عمليات تسلل.
وذكرت صحيفة هآرتس، اليوم الجمعة، أنه يجري إعادة نشر قوات الاحتلال المتواجدة في المنطقة بطريقة جديدة، كما تم نقل كتيبة تدريبية لم تكن في القطاع إلى هناك. وجاء في بيان لجيش الاحتلال اليوم الجمعة:" نظراً لتقييم الوضع الذي يجرى في هيئة الأركان العامة والقيادة الشمالية العسكرية منذ يوم أمس، وفي ضوء التطورات الحاصلة في القتال الداخلي في سورية، تقرر استدعاء قوات جوية وبرية إلى منطقة هضبة الجولان. قوات الجيش الإسرائيلي منتشرة في المنطقة الحدودية وترفع من جاهزيتها للتعامل مع سيناريوهات مختلفة". وأضاف البيان أن جيش الاحتلال "يراقب الأحداث ويستعد لجميع السيناريوهات هجومياً ودفاعياً، ولن يسمح بوجود تهديد بالقرب من الحدود الاسرائيلية وسيعمل لإحباط أي تهديد على مواطني دولة إسرائيل".
وكانت قيادة المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال، افتتحت هذا الأسبوع وحدة احتياط جديدة في الجولان، والتي من المتوقّع أن تعمل بمثابة قوة استجابة سريعة في مثل هذه الظروف، كما تم تعزيز فرق الطوارئ في المستوطنات وتعزيز السياج على طول الحدود السورية. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن جيش الاحتلال إنشاء وحدة عسكرية خاصة بهضبة الجولان السورية المحتلة تحمل اسم "فارا".
وقال، في منشور على منصة إكس: "أُنشئت وحدة فارا لتكون جزءاً من تحسين الرد العملياتي في مرتفعات الجولان مع التركيز على مضاعفة قوة الفرقة باعتبارها احتياطياً عملياتياً". وأضاف: "هي وحدة مكانية سريعة ومتاحة ومرنة وفتاكة توفر استجابة فورية لمختلف السيناريوهات مع التركيز على التعلّم من دروس 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023" في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى التي هاجمت فيها حركة حماس قواعد ومستوطنات محاذية لقطاع غزة. وقال جيش الاحتلال إنّ الوحدة الجديدة تتكون من "وحدات احتياطية خاصة من السكان المحليين (المستوطنين) الذين يعيشون ما يحدث في المنطقة، وستكون لديهم القدرة على حشد القوات داخل المنطقة".
وبات جيش الاحتلال يستعد لاحتمال انهيار سريع لجيش النظام السوري، ولتداعيات الأحداث على وضع سورية. وهاجم سلاح الجو الإسرائيلي، ما زعم أنها "طرق نقل الأسلحة" إلى لبنان على الحدود مع سورية. وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي على "إكس"، اليوم الجمعة، إنه قصف خلال الليل "محاور نقل الذخائر والبنية التحتية بالقرب من المعابر الحدودية للنظام السوري بين سورية ولبنان"، زاعماً أنها "كانت تستخدم لنقل الذخائر" إلى حزب الله، في إشارة إلى الغارات التي استهدفت الجانب السوري من الحدود من معبر العريضة في شمال لبنان ومعبر جوسية (شرق).
وذكرت القناة 13 العبرية، أمس الخميس، أنّ أحداث سورية تثير قلقاً متزايداً في إسرائيل التي "حذّرت المتمردين من الاقتراب من الحدود، وأن إسرائيل لا تستطيع تحديد مصلحتها، فمن جهة هي لا تريد جيراناً مثل المتمردين، ومن جهة أخرى لا تستطيع في الوقت الراهن مساعدة الأسد". ولفتت القناة إلى أنّ الأحداث في سورية "هي بخلاف جميع التقديرات الإسرائيلية"، وعليه عُقدت مناقشات في الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية استمرت طوال الليلة الماضية بشأن "سقوط مدينة حماة بيد المتمردين، وما يترتب على ذلك من تطورات في البلاد".
"لغز" إيران في سورية
وأمس الخميس، عقد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اجتماعاً خاصاً لتقييم الوضع في سورية، حيث وصف مسؤولون أمنيون إسرائيليون تصرفات إيران هناك بأنها "لغز". وتأتي هذه التقييمات الإسرائيلية بعد إعلان المعارضة السورية أن "جيش الأسد بدأ يتفكك"، وأنهم واثقون من قدرتهم على إلحاق خسائر فادحة به.
من جهته، ذكر محلل الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس العبرية، عاموس هارئيل، اليوم الجمعة، أنه "في ظل مواجهة نظام الأسد خطراً حقيقياً، تستعد إسرائيل لاحتمال تعرّضها لهجوم مفاجئ من جهة الحدود السورية". واعتبر أنّ "عنصر المفاجأة، وطبيعة الهجوم، والقسوة التي يظهرها المتمردون، وكثير منهم متطرفون مرتبطون بالقاعدة (حسب مزاعمه)، تذكّر جميعها بهجوم حماس المفاجئ على غلاف غزة" في إشارة إلى هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتابع أنه "في الوقت الحالي، لا ترى إسرائيل تهديداً مباشراً وفورياً بسبب الوضع في سورية، وهي راضية إلى حدّ ما عن الإحراج الذي تواجهه إيران. ومع ذلك، على المدى الطويل، هناك دليل على خطر متزايد في هضبة الجولان وفي المستقبل أيضاً على الحدود الأردنية"، بحسب هارئيل.
وتراقب دولة الاحتلال الحاصل في سورية عن كثب وتعقد سلسلة جلسات لمناقشة التطورات وتقييمها. ومن المتوقع أن يجتمع المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) مساء السبت ويوم الأحد. ونقلت وسائل إعلام عبرية، منها صحيفة يديعوت أحرونوت، أن الوزراء سيناقشون بالأساس التطورات في سورية، في أعقاب الخطر المحدق بنظام بشار الأسد وتقدّم "المتمرّدين" (فصائل المعارضة) نحو حمص.
وتنضم هذه الجلسات إلى مناقشات عقدها جيش الاحتلال الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية استمرت طوال الليلة الماضية على خلفية سيطرة فصائل المعارضة على حماة. كما عقد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو اجتماعاً خاصاً لتقييم الوضع في سورية. وتخشى دولة الاحتلال عواقب سقوط النظام في سورية وتأثيره عليها، واحتمال دخول فصائل المعارضة في مواجهة معها لاحقاً، كما تخشى أجندة المعارضة، التي تضم فصائل تصفها إسرائيل بأنها "إرهابية" و"متشددة".
"تهديدات" تراها إسرائيل في سورية
من جانبه، ذكر محلل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية رون بن يشاي، أن "التقدّم السريع للمتمردين الجهاديين السنة (على حد وصفه) جنوباً والسيطرة على مدينة حماة هو على الأرجح السبب وراء اجتماع المشاورات الطارئ الذي عقده نتنياهو مع كبار مسؤولي الأمن مساء أمس الخميس. الهجوم المفاجئ للمتمردين، الذي بدأ تقريباً فور دخول وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ، يخلق سلسلة من التهديدات المحتملة ولكنه يوفر أيضاً فرصاً لإسرائيل، ويتطلب مراقبة دقيقة في كل الأحوال".
وعدد بن يشاي التهديدات المحتملة للحاصل في سورية على دولة الاحتلال: "أولاً، أن تقع منظومة الأسلحة، وخاصة الصواريخ وربما الأسلحة الكيميائية الموجودة في شمال ووسط سورية، في أيدي المتمردين الجهاديين في غضون أيام وربما ساعات، إذا لم تكن قد وقعت بالفعل في أيديهم. حلب والقواعد العسكرية المحيطة بها، وخاصة المجمّع الصناعي العسكري السوري في منطقة بلدة السفيرة جنوب شرق حلب، قد يتم توجيهها ضدنا عاجلاً أم آجلاً".
وأضاف أن "هذا المجمّع الصناعي ينتج صواريخ وقذائف بناءً على معرفة إيرانية، بما في ذلك الصواريخ الدقيقة، وهناك أيضاً قدرة على إنتاج أسلحة كيميائية، وربما توجد هناك كميات صغيرة من الأسلحة الكيميائية التي احتفظ بها نظام بشار الأسد ليوم الحاجة. هذه هي على الأرجح السبب وراء التقارير الأجنبية التي تشير إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي هاجم في الأيام الأخيرة، بما في ذلك ليلة الثلاثاء- الأربعاء، هذا المجمّع، وكذلك مستودعات الأسلحة التابعة للجيش السوري شمال دمشق والتي يقترب منها المتمرّدون بسرعة". وتابع: "يمكن الافتراض أن إسرائيل تفضل تدمير هذا التهديد حتى لا تقع الأسلحة هذه، التقليدية وغير التقليدية، في أيدي الجماعات الجهادية، حتى لو كانوا سنة وأعداء لدودين لحزب الله وإيران".
وأشار إلى أن "التهديد الثاني ينشأ مباشرة من ضعف جيش النظام السوري وحقيقة أن روسيا غير قادرة على حماية نظام الأسد كما فعلت في عام 2015". لكنه لفت في المقابل إلى خشية إسرائيل من الجهات التي ترسلها إيران للقتال في سورية، معتبراً أن ذلك قد يمنح إيران تواجداً أكبر فيها، وهو ما تحاول إسرائيل منعه.
وقال: "لدينا مشكلة مع هذه المليشيات ومع عناصر حزب الله الذين دخلوا سورية، لأنهم يمكن أن يشكلوا بداية لوجود عسكري إيراني من خلال وكلائها في البلاد. هذه المليشيات قد تبقى في سورية، وقد يضعها الإيرانيون على الحدود مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهم العمل من الأراضي السورية من خلال إطلاق الصواريخ والقذائف وعمليات التسلل البري إلى بلدات (مستوطنات) هضبة الجولان. الاحتمال بأن ضعف النظام السوري سيمكن المليشيات الموالية لإيران من الوجود عسكرياً في سورية على الحدود مع إسرائيل، وتهريب الأسلحة إلى لبنان لإعادة تسليح حزب الله، هو الذي يقلق إسرائيل أكثر من أي شيء آخر في الوضع الحالي".
أما التهديد الثالث، برأيه، "فهو انهيار نظام الأسد، مما سيحوّل سورية إلى دولة فاشلة أخرى مثل اليمن، لبنان، أو غزة. في هذا السيناريو، يمكن للإيرانيين بناء وتمويل جيش يهدف إلى العمل ضد إسرائيل. هذا الاحتمال يقلق إسرائيل بشكل كبير، حيث يمكن أن يؤدي إلى زيادة التوترات والتهديدات على الحدود".
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك