إسرائيل تحاول نشر الفتن في سورية بعد "مفاجأة" سقوط الأسد

 
بعد عقود لم يهدد فيها نظام عائلة الأسد البائد دولة الاحتلال الإسرائيلي، وسكوته عن احتلال هضبة الجولان السوري المحتل، وحتى بعد إعلان إسرائيل ضمها قبل سنوات قليلة، فضلاً عن قصف إسرائيل المتكرر لمواقع في سورية مع احتفاظ النظام "بحق الرد"، وجدت دولة الاحتلال نفسها في مشهد لم تتوقعه، إذ أثار قلقها ومخاوفها في الأيام الأخيرة، تقدّم فصائل المعارضة سريعاً في مناطق سورية وصولاً إلى دمشق وإعلان انهيار نظام الأسد. ومع استشعارها أن ذلك قد يحدث بالفعل، رغم عدم يقينها حتى حدث فعلاً، بدأت محاولتها للعب على عدة أوتار، لتشويه الثورة والثوار، وإشاعة الفتن بين السوريين والخطاب الطائفي والفئوي، وسارعت لعقد جلسات تقييم أمني مكثفة، وأخرى للمجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابنيت) للتباحث في المشهد الجديد الذي يتشكّل، محاولة استغلال المرحلة الانتقالية الحساسة التي يحتاج السوريون إلى رص الصفوف فيها. هذا عدا عن الاستغلال السياسي والعسكري للتطورات.
تحاول دولة الاحتلال استباق استقرار الأوضاع في سورية وضعضعتها ودق الأسافين، تارة من خلال وصف فصائل المعارضة المسلحة بالجهادية والمتطرفة، وإلباسها ثوب "داعش" وجبهة النصرة، للتأثير على مكونّات المجتمع السوري، وتارة بالترويج لدعمها الأكراد، وأخرى مخاطبة دروز سورية وزعم تقارير عبرية أن منهم من طلب مساعدتها لحمايتهم، في محاولة بائسة لسلخهم عن أبناء شعبهم. كما تحاول استغلال بعض الأصوات السورية الشاذة في الخارج من أجل الترويج لفكرة التطبيع وإعادة تشكيل المنطقة.
حاول رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو نسب الفضل لنفسه بسقوط النظام السوري ومعه المحور الإيراني، كما قال، معتبراً أن سقوط نظام الأسد هو "يوم تاريخي في الشرق الأوسط"، وزاعماً أن هذا حدث "نتيجة ضرباتنا لإيران وحزب الله داعميه الأساسيين"، ليبدو وكأنه أراد فعلاً سقوط الأسد، مستغلاً الوضع لمكاسب سياسية يضيفها إلى رصيده، وربما في الوقت ذاته يحاول تشكيك شعب محب لوطنه ولفلسطين بالفصائل التي أنجحت الثورة.
بالمقابل، يتناقض هذا التفاخر مع المخاوف الإسرائيلية من فصائل المعارضة واقترابها من الحدود والتخوّف من أجندتها وتوجهاتها. كما أنها ليست المرة الأولى التي ينسب فيها نتنياهو أحداثاً لقرارته، وسبق أن حدث هذا مثلاً بقضايا تتعلق بغزة أو جبهات أخرى، محاولاً استغلال مختلف الظروف في سبيل بقائه السياسي ومحاولة تأجيل جلسات الإدلاء بشهادته بقضايا الفساد بحجة وجود جبهة جديدة مشتعلة. في الوقت ذاته، يلمح وكأن مصلحة فصائل المعارضة التي أطاحت بالأسد تلتقي مع مصالح دولة الاحتلال. وهي تناقضات تعكس حالة الإرباك.

وليس نتنياهو وحده من فعل ذلك، فقد روجت أوساط سياسية إسرائيلية أخرى، من قبيل رئيس المعارضة يائير لبيد، وكأن فصائل المعارضة السياسية والمنطقة لقمة سائغة في فم إسرائيل، بقوله "أمام الأحداث في سورية، من المهم أكثر من أي وقت مضى إنشاء تحالف إقليمي قوي مع السعودية ودول اتفاقيات أبراهام، لمواجهة عدم الاستقرار الإقليمي معًا". وأضاف: "المحور الإيراني ضعف بشكل كبير، ويجب على إسرائيل السعي لتحقيق إنجاز دبلوماسي شامل يساعدها أيضاً في غزة والضفة الغربية".
تُكذب ادعاءات نتنياهو التي تُظهر وكأن كل شيء كان مرسوماً، تلك التقارير الاستخباراتية التي أشارت إليها وسائل إعلام عبرية، منها صحيفة هآرتس وموقع واينت، وجاء فيها أن الأجهزة الاستخباراتية وخاصة شعبة الاستخبارات العسكرية، فوجئت بسرعة الأحداث، حتى أنها رجّحت فشل فصائل المعارضة بإسقاط النظام، وأكثر من هذا تحدّثت عن اتجاه لإعادة بناء القوات الداعمة لبشار الأسد. ولم تكن الاستخبارات الإسرائيلية الوحيدة التي فشلت بتقييم الأوضاع ولكن معها أجهزة استخبارات غربية وأخرى في المنطقة.
وفي إطار محاولة استغلال الظروف عسكرياً، عزز جيش الاحتلال تواجده في الجولان السوري المحتل، وأكثر من هذا تقدّم نحو المنطقة العازلة، بذريعة حماية الحدود، وصد هجمات المعارضة بحجة اقتراب "مسلحين" من الحدود،  واحتلت ما تسميه جبل الشيخ السوري (علما أن جيل الشيخ برمته سوري)، في إشارة منها إلى الجزء الذي كانت قد احتفظت فيه سورية، مستغلة فرار قوات النظام، ومعلنة عن انهيار اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 حول منطقة الجولان والاستيلاء على المنطقة العازلة، وفقاً لنتنياهو، الذي قال "لن نسمح لأي قوة معادية أن تستقر على حدودنا". كما قصف جيش الاحتلال مواقع بادعاء وجود أسلحة لا يريد أن تصل إلى الفصائل، وقصف العاصمة دمشق، لتحقيق أهداف منها إشاعة الفوضى.
وعبّر رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي عن استغلال إسرائيل ما يحصل في سورية عسكرياً، بقوله: "اعتباراً من ليلة أمس، نحن نقاتل في أربع ساحات. حيث تخوض القوات البرية القتال في أربع ساحات، ضد الإرهاب في يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة)، وفي غزة، وفي لبنان، والليلة الماضية أدخلنا القوات إلى الأراضي السورية أيضاً"، متذرعاً بالدفاع عن إسرائيل. يضاف إلى ذلك فرض جيش الاحتلال منع تجول على مناطق في الجنوب السوري، ومطالبة السكان البقاء في منازلهم من أجل "سلامتهم.
لا شك أن دولة الاحتلال ستبذل ما في استطاعتها للاستفادة من الوضع في سورية بأشكال مختلفة، منها عسكريا، ومحاولة افتعال الفتن في هذه المرحلة وبعدها، لتأجيج صراع داخلي، وهو ما تفعله في ساحات مختلفة، بانتهاجها سياسة "فرق تسد"، لكن الأمر في نهاية المطاف لا يتعلق بها وإن حاولت، وإنما بوعي السوريين، بمختلف فئاتهم، وعدم تفريطهم بتضحياتهم، بعد مخاض عسير، تجاوزوا جزءاً مؤلماً منه، نحو سورية حرة، ولا زال أمامهم الكثير من العمل.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط https://telegram.me/alyompress


كلمات مفتاحية:


اقرأ ايضا :
< الكرملين: الأسد وأفراد عائلته في موسكو بعد منحهم اللجوء
< إسرائيل تقصف مركز البحوث العلمية بدمشق
< رئيس مجلس القيادة يهنىء الشعب السوري باسقاط الوصاية
< تجارب سابقة تجنبتها المعارضة السورية في "ردع العدوان"
< صرف الريال اليمني مقابل الدولار والسعودي في صنعاء وعدن لليوم الأحد
< عاجل : قائد العمليات العسكرية في سوريا يعلن من الشخص الذي سيدير مؤسسات الدولة بعد أن سقطت دمشق
< المعارضة السورية تسارع نحو دمشق وتدخل وسط حمص والأسد يطالب بإتفاق أو خروج آمن

اضف تعليقك على الفيس بوك
تعليقك على الخبر

ننبه الى ان التعليقات هنا تعبر عن كاتبها فقط ولا يتبناها الموقع، كما ننبه الى ان التعليقات الجارحة او المسيئة سيتم حذفها من الموقع
اسمك :
ايميلك :
الحد المسموح به للتعليق من الحروف هو 500 حرف    حرف متبقى
التعليق :
كود التحقق ادخل الحروف التي في الصورة ما تراها في الصورة: