في الذكرى الثانية لعملية طوفان الأقصى، تنقسم الأوساط السياسية في إيران حول تداعيات العدوان الإسرائيلي على محور المقاومة؛ بين من يرى أن العملية كسرت "هيبة الاحتلال" وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، وآخرين يحملونها مسؤولية خسائر إستراتيجية لحقت بحركات المقاومة وجرّت الحرب إلى العمق الإيراني.
وبعد مرور عامين من العملية العسكرية التي شنتها كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فجر السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، هناك من يعول داخل إيران على النضال الفلسطيني لوضع "نهاية للاحتلال"، ويشيد "بقوة المقاومة التي أذلت إسرائيل وكشفت عن هشاشة التطبيع مع العدو المحتل".
توقيت حساس
وعما إذا كان بإمكان حلقات محور المقاومة تعويض ما حل بها جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل عليها منذ عامين، يقول الشيخ مهدي أبو طالبي، مساعد معهد "الإمام الخميني" للأبحاث ورئيس جمعية التاريخ المعاصر والثورة الإسلامية في حوزة "قم" الدينية، إنه لم يكن أمام الفلسطينيين خيار سوى عملية طوفان الأقصى التي جاءت ردا على حصار غزة والاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، وتسارع وتيرة الاستيطان وجهود التطبيع وفشل الحلول الدبلوماسية.
وفي مقابلة مع وكالة أنباء "حوزة" التابعة للمؤسسة الدينية بمدينة قم، يرى أبو طالبي أن عملية طوفان الأقصى نفذت في توقيت فائق الحساسية حيث شعر الفلسطينيون بأن الأبواب كلها أُغلقت أمامهم.
ورأى أن التطورات التي أعقبت العملية كشفت عن نقطة تحول فارقة تجلّت في إعادة تنشيط دور "محور المقاومة" من اليمن إلى لبنان، إضافة إلى تحول لافت في الرأي العام العالمي وزيادة وتيرة إدانة إسرائيل في المحافل الدولية.
وفي تحليله للأسباب الجذرية للعملية، يشير أبو طالبي إلى أن الفلسطينيين وصلوا إلى قناعة مفادها أن "الموت البطيء" كان بديلهم الوحيد في ظل استمرار الحصار والمجازر وتراجع الدعم العربي الرسمي. مضيفا أن الشعور بالإهمال والتخلي، إلى جانب مخاوف من طي القضية فلسطينيا وعالميا، دفع نحو خيار "الهزة الكبرى" التي أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة.
وفي السياق، يدافع الباحث السياسي مجيد صفا تاج، عن "صوابية القرار الفلسطيني بشن عملية طوفان الأقصى الفريدة"، موضحا في حديثه للجزيرة نت إلى أن العملية حطمت نظرية الأمن الإسرائيلية، وأظهرت هشاشة جيش الاحتلال بعد أن روجت له الأوساط الغربية على أنه لا يقهر.
ويشير صفا تاج إلى أن طوفان الأقصى أعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الدولي بعد سنوات من التهميش وكشفت زيف "التطبيع" مع إسرائيل، إلى جانب تعزيز موقع المقاومة الإسلامية كفاعل إقليمي لا يمكن تجاوزه في أي ترتيب إقليمي جديد، وذلك رغم مساعي الإدارة الأميركية الرامية إلى تهميشه وتحييده.
وبرأيه، فإن "الكيان الصهيوني بات -بعد السابع من أكتوبر- على طريق الانهيار، إذ يواجه اليوم أسوأ أزماته وأخطر تهديد وجودي منذ تأسيسه"، معتبرا أن عملية طوفان الأقصى "شكلت ضربة إستراتيجية قاسية للمشروعين الصهيوني والأميركي في الشرق الأوسط".
وتابع المتحدث نفسه، أن تطورات العامين الماضيين نقلت الصراع إلى العمق الإسرائيلي للمرة الأولى منذ عقود، إلى جانب تسببها بانهيار شبه كامل للاقتصاد الإسرائيلي.
رياح معاكسة
في المقابل، بدأت تبرز أصوات في إيران تنتقد العملية التي جاءت دون تنسيق مع طهران كونها حلقة الوصل في حركات المقاومة الإسلامية التي منيت بخسائر كبيرة جراء العدوان الإسرائيلي، إذ رأت بعض الصحف الفارسية في الذكرى الثانية لعملية طوفان الأقصى أن رياح انعكاساتها جاءت بما لا تشتهي السفينة الإيرانية.
وتحت عنوان "اتفاق على أنقاض غزة" تساءلت صحيفة "ستاره صبح" في نسختها الصادرة صباح اليوم الثلاثاء، عما حققته عملية طوفان الأقصى وتداعياتها على محور المقاومة، وكتبت "لا بد أن يجيب عن هذا السؤال المؤيدون الذين ابتهجوا ووزعوا الحلويات بطهران في اليوم التالي من العملية".
وكتبت مصطفى فروغي في افتتاحية الصحيفة، أن إسرائيل دمرت -بعد السابع من أكتوبر- المراكز الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية والبنية التحتية لحركتي حماس وحزب الله، واغتالت العديد من قياداتهما السياسية والعسكرية بما فيها حسن نصر الله الأمين العام للحزب، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس حتى لم تعد الحركتان قادرتين على لعب دور ردعي للجمهورية الإسلامية.
ووفق الصحيفة، رغم أن الحوثيين في اليمن تمكنوا من تسديد ضربات قوية لإسرائيل بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة نحو الأراضي المحتلة والسفن الغربية في البحر الأحمر، فإن بلادهم تعرضت لهجمات مدمرة على مراكزها العسكرية والاقتصادية والإدارية والسكنية أودت بحياة رئيس الوزراء بحكومة صنعاء، و8 من المجلس الوزاري وتقويض القدرات العسكرية للحوثيين.
وبحسب الكاتب، لم تنجُ إيران من تبعات عملية طوفان الأقصى، حيث أجهضت مفاوضات سرية كانت مقررة في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بين طهران وواشنطن حول إطلاق أموال إيرانية مجمّدة بلغت 6 مليارات دولار لشراء الأدوية، قبل أن تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل التي اغتالت عددا من كبار القيادات العسكرية الإيرانية والعلماء النوويين وهاجمت بعض المراكز العسكرية والأمنية وغيرها.
ويشير فروغي إلى أن الحرب الإسرائيلية التي استمرت 12 يوما على إيران أودت بحياة أكثر من ألف مواطن إيراني بينهم نساء وأطفال، مستدركا أن تبعات الصراع بين حركات المقاومة وإسرائيل لم تنتهِ بعد ولا تزال هناك إمكانية للاشتباك بين إسرائيل وإيران في أي وقت.
خطط مبيتة
وفي غضون ذلك، يرد الدبلوماسي الإيراني السابق أبو القاسم دلفي على التقديرات التي تعتقد بأن طهران خسرت جراء عملية طوفان الأقصى حزب الله كجبهة أمامية إثر اغتيال أمينه العام ونخبة من قياداته العسكرية، بالقول إن الولايات المتحدة وأطراف أوروبية أخرى كانت تتحين الفرصة للانقضاض على جميع الحركات التي تعارض توجهاتها في الشرق الأوسط، بما فيها حزب الله اللبناني.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول الدبلوماسي الإيراني السابق إن عملية طوفان الأقصى قد وفّرت الذريعة للخطط الغربية المبيتة منذ عقود تجاه إيران وحلفائها في محور المقاومة، موضحا أن "سقوط نظام الأسد كان أمنية غربية منذ زمن طويل، لا سيما بعد وقوفه إلى جانب طهران إبان الحرب العراقية الإيرانية، لكن تطورات ما بعد السابع من أكتوبر عام 2023 سرعت وتيرة الاستهدافات الإسرائيلية على العمق السوري حتى أدت إلى انهيار النظام السابق هناك".
وعن وصول لهب الحرب إلى داخل الأراضي الإيرانية، يوضح دلفي أنه بحسب التصريحات الرسمية للرئيس الأميركي دونالد ترامب فإن واشنطن كانت تخطط وتتمرن على مهاجمة إيران منذ نحو 22 عاما.
وأضاف أن المشاركة الأميركية في العدوان على إيران لم تكن نتيجة مباشرة لعملية طوفان الأقصى، بل إن التطورات الإقليمية خلال العامين الماضيين "ليست سوى ذريعة لتنفيذ ما كان ينبغي تنفيذه -حسب الوصف الأميركي- بحق الجمهورية الإسلامية".
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك