أكدت عديد دراسات وبحوث طبية أن “الشمة” بأنواعها المختلفة “بيضاء وسوداء” تحتوي على مود سامة مسرطنة, كما تشير ذات الإحصاءات أن اليمن تحتل المرتبة الأولى عربياً في عدد مرضى السرطان؛ واللافت في الأمر أن مرض سرطان الفم والوجه ينتشر بكثرة في أوساط سكان الساحل الغربي لليمن, نظرا لتعاطي معظم سكان تلك المناطق لـ “الشمة”, والأسوأ من ذلك أن 90 ـ 95 % من مرضي السرطان في اليمن مصابون بسرطان الفم..!!.
جهل مُدقع
أحد متعاطي الشمة ويدعى سعيد محمد معاذ يقول إن له أكثر من عشر سنوات وهو يتعاطى الشمة ولم يصب بأي مرض، وإن هناك الكثير من أبناء قريته يتعاطون مسحوق الشمة ولم يصب أحد منهم بشيء. ويضيف إن الشمة أصبحت لديه أفضل بكثير من السيجارة لأنه يعتقد ان التدخين وحده يسبب السرطان, وفي نفس الوقت يجهل أن استخدام الشمة يؤدي إلى مرض السرطان وهذا يعود إلى قلة التوعية في ذلك.
ويعلق ساخراً ان مضغ الشمة بعد ان يتم وضعها في الفم تصبح وكأنها على حد تعبيره “منظراً مقززاً” لكنه لم يتعظ لذلك، ويؤكد أنها عادة قبيحة لا تليق بأي إنسان، ومنظر مقرف وغير حضاري.
ويعدد سعيد أنواع الشمة حسب ما قد استخدمه ومنها ما هو بمواصفات ممتازة وجيدة، ونوع مغشوش، ومنها ما يسمى بالخصوصي والحرضي نسبة إلى مدينة حرض, والشبح كاسم من أسماء الطائرات الأمريكية, ونوع آخر يسمى الباجلي نسبة لمدينة باجل بمدينة الحديدة.
رائق ومخبول
وعن الحالة التي يشعر بها إزاء الاستخدام يشير سعيد ان لها طعماً مغايراً ونشوة كبيرة في تعديل المزاج ليكون مزاجه رائقاً جدا, وفي حالة عدم تناولها يشعر بنفسه وكأنه مخبول ويشعر بقلق شديد وأنه قد فقد شيئاً ما؛ وقال بأنه لا ينفق كثيرا على شرائها ليكون كافياً بمبلغ 100 ريال ان تدوم معه لأيام لا تتجاوز الثلاثة أيام، بينما هناك أشخاص ينفقون باليوم أكثر من مائة ريال في شراء الشمة وهي كمية كبيرة من الاستخدام, حيث وان هناك أشخاصاً يتعاطونها بين الحين والآخر لم تمض على تعاطيهم سوى دقائق يتم استخدامها بشكل متكرر, بل يصل حال الكثير من متعاطي الشمة إلى أن يستخدمها أثناء تناول القات ليتم خلط الحابل بالنابل.
وعن وصول الشمة إلى المعدة يؤكد أنه في أحيان كثيرة يتفادى وصولها أو بلعها، وان ذلك يحدث نادرا، وفي حالة الكلام مع شخص؛ أو ازدادت الكمية التي يختلف استخدامها من شخص لآخر.
ويتمنى سعيد أن يستطيع أن يترك الشمة، إلا أنه وعلى حد قوله لا يستطيع أن يتركها, لكنه في نفس الوقت ينصح ويدعو كل من يتناولها أن يقلع عن تعاطيها لأنها خبيثة؛ وعدم الانجرار وراءها لأنها وكما يصف “ولعة خبيثة”.
تراب العاشقين
هناك الكثير ممن يتناولون الشمة يرفضون الإفصاح والحديث عن أهمية الشمة بالنسبة لهم وسلبياتها وما الذي يشعرون به إزاء ذلك, رغم التزامنا الأخلاقي والمهني بعدم ذكر أسمائهم, شخص يدعى صادق أصر على عدم ذكر اسمه يتناول الشمة بين الحين والآخر وليس كما يفعل البعض بشكل مقرف رغم أنها مقرفة بكل الأحوال, نورد الأهم في مجمل حديثه وقد أفصح أنه لا يدخل الحمام لقضاء حاجته إلا بعد إن يتم تناول “الشمة” وكأنها تساعده على ذلك!!.
وشخص آخر يدعى عبدالله الأحمدي لم يتحدث كثيرا عنها إلا ان ما يؤكده أنه يحب تناول “الشمة” رغم قرافتها، والأغرب في الأمر ذاته ان للشمة تسمية خاصة اطلق عليها “ تراب العاشقين” وهي تسمية غريبة تعبر عن عشقه لهذا المسحوق المقرف، والذي يتضح من التسمية تلك مدى حبه لها والذي لا أستبعد ان تصل لدرجة الجنون.
بسطاء و مهمشون
وتنتشر الشمة في كثير من المحلات التجارية وفي الأسواق، ولها بسطات خاصة على قارعة الطريق, وتحمل أختاما خاصة بكل منتج ومدى جودته, بل وأصبح لها وكلاء في كثير من المحافظات والمديريات والتنافس كبير جداً عليها، وفي كل الأحوال يؤكد بعض مدمن الشمة ان من يتعاطون الشمة لأول مرة يصابون بالغثيان في بعض الأحيان.
- أثناء تجوالنا في أحد الأماكن الشعبية اقتربنا من بائع الشمة في محلة الخاص بباب السباح، والازدحام الشديد حوله، ويتفاوت الشراء ما بين مائة ريال وأقل وصولا إلى العشرة ريالات، والبعض يأخذ جرعة ويذهب، وهكذا لأكثر من 15 دقيقة رأيت من خلالها العجب العجاب.
الشاب الذي يقف خلف الأكياس المليئة بالشمة وبأنواعها أكد أن والده ومن بعده إخوانه يمارسون المهنة منذ أكثر من عشرين عاما، وعند بوابة المحل يوجد الكثير من مدمني هذا المسحوق السحري العجيب، استفسرنا عن مدى إقبال الناس في شرائها، وبحديثه العفوي معنا أوضح انه يبيع يوميا 4كيلو وأكثر.
الأمر الأكثر غرابة انه لا يتناول الشمة، إلا ان إخوانه الأكبر منه مدمنون عليها, مفصحاً أن الإقبال عليها من البسطاء وأكثرهم من فئة المهمشين. كما عدد أنواع الشمة وقال ان النوع الخصوصي يعد الأغلى من بين أنواع الشمة الحرضي والباجلي والشرسي والشبح, أما الشمة السوداء فهي حار وبارد.
هروب من السيجارة
والأكثر غرابة أنه وأثناء حديثي مع تاجر الشمة “البائع” وعند باب متجره أقبل احد متناولي الشمة وطلب منه أن يخلط له الشمة البيضاء بالسوداء وهذا الأمر ليس معهوداً، لأن ما تعارف عليه أن يستخدم الشخص نوعا معيناً من الشمة لا أكثر من نوع.
- شخص آخر جاء بغرض الشراء وحين سألته عن سبب إقباله على الشمة؟ كان رده سريعا: هروبا من السيجارة, ورغم تأكيدي ان كليهما غير نافع ويؤدي إلى السرطان, إلا انه اعتبر ان الشمة سعرها اقل كلفة بكثير من السيجارة حيث تكفيه بعشرين ريال طوال اليوم.
- طفل صغير السن اقبل مسرعا للشراء؛ واستغربت ان يكون ممن يستخدمونها؛ وقد قال إنه يشتريها لجدته.
أكثر من سرطان
يوضح الدكتور محمد درهم القدسي رئيس المجلس العلمي بالمركز الوطني لعلاج الأورام ورئيس الجمعية اليمنية للأورام أن الشمة تحتوي على أكثر من 4ألفاً عنصر كيماوي ويوجد فيها أكثر من 66 عنصر مسبب للسرطان، وأن التبغ مسئول عن حالة 30 % من حالة السرطان في العالم, والتي تعتبر بلادنا والى جانب الهند وباكستان وبنجلادش من أكثر البلدان في مضغ التبغ عبر التأثير الموضعي, والذي يؤدي إلى حدوث سرطان تجويف الفــم بنسبة 3 % من السرطانات في العالم.
- وتشير الإحصائيات أن اليمن تحتل المرتبة الأولى عربياً في عدد مرضى السرطان, ويعد انتشار مرض سرطان الفم والوجه في أوساط سكان الساحل الغربي لليمن على نطاق كبير خلال الأعوام السابقة, نظرا لتعاطي معظم سكان تلك المناطق لـ “الشمة”, حيث وان نسبة 90 ـ 95 % من مرضي السرطان مصابون بسرطان الفم هم ممن يتعاطون الشمة، منهم أكــثر من 50 % مصابون بسرطان اللثة.
أضرار صحية
الدكتور عبده أحمد قاسم “مساعد طبيب وصيدلاني” يؤكد ان الجهل وراء انقياد الكثير لها وتوسع مستخدمي هذه المادة التي لا يدرك خطورتها سوى الأطباء, وإن الكثير لا يدركون ما تحويه الشمة من أضرار, وأن الأخطر وعلى ما يذكره البعض ان الشمة تحتوي على مواد ضارة وخصوصا ما يتداول حاليا في الأسواق من أنواع للشمة ومنها المغشوش التي تحتوي فقط قليل من البسباس ومواد أخرى مخلوطة بمواد ضارة قد يكون فيها زجاج مطحون او تراب، ويذهب البعض ليقول ان هناك فضلات حيوانية والله أعلم بذلك.
أحد باعة الشمة نفى ذلك وأكد ان المواد التي تدخل في صناعة الشمة هي مادة التمباك الهندي الذي يتم طحنه بالملح, وان جميع مبيعات الشمة ذات جودة عالية وبمواصفات جيدة , وأنها تصدر للسعودية والى بلدان القرن الأفريقي كما يقول لكن “تهريب”.
تخلف كبير
- بائع الشمة بباب السباح له وجه نظر بأن الشمة تقضي على التسوس ويجزم ان ذلك حقيقة؛ ومستعد ان يثبت ذلك بشهادات العديد من مخضرمي مستخدمي الشمة من الرعيل الأول “الشيوخ”.
إلا أن الدكتور عبده قاسم أوضح انه كثيرا ما يأتي إليه الكثير من مستخدمي الشمة يطلبون أدوية للفم, ومنها حالات يرثى لها وكأنها بداية لسرطان، وقد يظهر على اللثة واللسان تقيحات وجراح, وأن ما قاله بائع الشمة مغلوط ومردود عليه.
ومن منطلق هذا المفهوم الخاطئ الذي يعتقده مدمنو الشمة تم طرح ذلك على طبيب الأسنان الدكتور محمد النجحي ـ رئيس نقابة أطباء الأسنان بمحافظة ذمار الذي سخر من ذلك ضاحكا، موضحا ان الشمة تتكون من التبغ والرماد والتراب والجير وبيكربونات الصوديوم والملح, ومنها ما يتم أخذه عن طريق الفم بوضعها أما تحت الشفة السفلية أو تحت اللسان حيث يتم امتصاصها بشكل سريع، وعليه فان النيكوتين يمتص بشكل كامل وهذا يجعلها اخطر من التدخين.
- وأضاف: ما نلاحظه على المرضى سريريا ان الشمة تترك طبقة مصفرة تغطي الأسنان وهذا مايجعل سطح الأسنان أكثر خشونة مما يساعد في التصاق اللويحات الجرثومية بشكل كبير، مؤديا إلى ارتفاع الوسط الحامضي الذي يؤدي إلى التسوس، ومعدل حدوثه اقل بكثير مما تحدثه اللويحات الجرثومية من التهابات حادة في اللثة ينتج عنها تهتك سريع في النسج المحيطة بالأسنان، ليحدث انحسار لثوي وامتصاص عظمي ينتهي باهتزاز الأسنان وسقوطها تلقائيا وهذا ما يتعرض له حوالي %90 من متعاطي الشمة.
- ويعتبر رئيس المجلس العلمي بالمركز الوطني لعلاج الأورام ورئيس الجمعية اليمنية للأورام ذلك مجرد وهم وشائعة قبيحة من قبل مستخدمي الشمة بأنها تعالج تسوس الأسنان, ويؤكد ان ذلك المفهوم خاطئ وان الشمة عامل من العوامل المسببة للسرطان, وان كل من يستخدم الشمة تجد فيهم سوء تغذية وسوء نظافة في الفم, وعندهم جراحات في تجويف الفم تسبب في إيجاد سرطان الفم.
حملات توعوية
واعتبر الدكتور القدسي ان منطقة الحديدة وغيرها من المناطق الساحلية الأكثر شيوعا في استخدام الشمة حتى من قبل الصغار, وأن هناك استعدادات مكثفة لإعداد حملات توعية في ذلك، وأن هناك وفداً من الكويت وبالتنسيق بين المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان وبين المركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية والجمعية اليمنية للأورام واختار هذا الوفد أن تكون محافظة الحديدة المستهدفة في ذلك, من أجل رفع نسبة الوقاية والكشف المبكر للسرطان، والحد من الأسباب التي تؤدي لانتشار هذا المرض الخبيث. مشيرا ان هناك حملة ستدشن في مدارس أمانة العاصمة قريبا، وهي مهمة جدا للشباب, وهي مسؤولية وطنية وإنسانية ودينية لابد ان يشارك الجميع فيها.. ودعا رئيس المجلس العلمي بالمركز الوطني لعلاج الأورام ورئيس الجمعية اليمنية للأورام كل من يتناول الشمة والتدخين العودة إلى الحالة الطبيعة, باعتبار ان السعادة وراحة البال لا تأتي من خلال تناول الشمة وغيرها، وإنما من خلال الحفاظ على الصحة العامة لأنفسهم والتي تبدأ من الفم, وعلى كل مواطن مبتل بتلك الآفة عليه ان يتخذ القرار الصائب قبل الندم.
*نقلاً عن صحيفة الجمهورية
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك