"لا سبيل حالياً لحماية ووقف قتل الصحافيين في غزة"، عبارة يرددها العاملون في المنظمات المدافعة عن حقوق وحرية الصحافيين حول العالم. يدرك هؤلاء أنّ قراراً سياسياً يجب أن يُتّخذ بتحييد الصحافيين في القطاع، وهو السبيل الوحيد لوقف آلة القتل الإسرائيلية التي ارتفعت حصيلتها حتى الآن إلى 111 شهيداً من الصحافيين والعاملين في مؤسسات إعلامية، بحسب إحصاء المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، آخرهم الصحافي في قناة "الجزيرة" حمزة وائل الدحدوح، والصحافي الحر المتعاون مع وكالة فرانس برس مصطفى ثريا، والمصور الصحافي في وكالة السلطة الرابعة علي سالم أبو عجوة، الذين استشهدوا الأحد الماضي. كما قتل الاحتلال، أمس الاثنين، الصحافي عبد الله إياد بريص مع أفراد من عائلته بعد قصف منزلهم في خانيونس.
بعد قتل الدحدوح وثريا، الأحد (أول من أمس)، بقصف من طائرة مسيّرة استهدفت سيارتهما بشكل مباشر، أصدرت كل المنظمات الدولية بيانات أدانت فيها هذه الجريمة. وتناوب المسؤولون عن هذه المنظمات في الظهور على شاشات التلفزيون لاتهام الاحتلال الإسرائيلي بشكل واضح بقتل الصحافيين عن قصد، مذكّرين العالم بأن استهداف الصحافيين مخالف للقوانين الدولية. لكن كل هذه التصريحات بقيت معلّقة في الهواء، إذ بعدها بقليل قتل الاحتلال المصور الصحافي في وكالة السلطة الرابعة علي سالم أبو عجوة، ثم قتل أمس عبد الله إياد بريص.
سبيل وحيد لوقف قتل الصحافيين
في حديث له يقول رئيس مكتب الشرق الأوسط في منظمة "مراسلون بلا حدود" (مقرها باريس)، جوناثان داغر: "السبيل الوحيد في الوقت الحالي لحماية الصحافيين في غزة هو قرار سياسي لحمايتهم وتحييدهم عن القصف. هذا القرار لم يؤخذ بعد، ولا يوجد ضغط كافٍ لصدور مثل هذا القرار". وينتقل للحديث عن العدوان الإسرائيلي في شهره الرابع واستكمال استهداف الصحافيين بالوتيرة نفسها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قائلاً: "لا نزال نشهد الاعتداءات الإسرائيلية على الصحافيين الفلسطينيين، ومحاولات إسرائيل العنيفة لفرض تعتيم إعلامي على غزة، والقضاء على الصحافة في القطاع... هناك استهداف أوسع أيضاً للصحافيين الفلسطينيين بشكل عام، وللصحافيين في المنطقة".
تختلف أرقام "مراسلون بلا حدود" حول الصحافيين الشهداء في غزة عن أرقام نقابة الصحافيين الفلسطينيين أو المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، لأسباب مرتبطة بأساليب التوثيق. وبينما توثق الجهات الفلسطينية استشهاد 111 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام حتى يوم أمس (الاثنين)، يقول داغر "نتكلم عن قتل أكثر من 79 صحافياً في غزة، قتل هؤلاء برصاص قناصة أو بقصف إسرائيلي، من بينهم 18 صحافياً تمكنّا من التحقيق في قتلهم لأسباب تتعلق بعملهم بشكل مباشر، بينما قُتل الآخرون وهم مع عائلاتهم وفي بيوتهم في القطاع لأنهم لم يتمكنوا من الانتقال إلى أي مكان آمن، فلا مكان آمنا في غزة. ببساطة لا شيء يحمي الصحافيين في غزة الآن". يوضح داغر أنّ المعلومات المتوافرة للمنظمة حول قتل الدحدوح وثريا، يوم الأحد الماضي، تشير إلى أن الهجوم "كان استهدافاً مباشراً لسيارة تقل صحافيين بعد انتهائهم من ممارسة عملهم، وكان واضحاً أن الركّاب على متنها من الصحافيين، لذا من المهم التذكير بأن استهداف الصحافيين هو جريمة حرب".
سياق واسع من الترهيب
قتل الصحافيين يأتي كترجمة فعلية لسياق أوسع من ترهيب وإسكات كل الأصوات في غزة. إذ حاولت إسرائيل طمس الحقيقة والتعتيم على حرب الإبادة، من خلال خطوات مختلفة، تتمحور في أغلبها حول منع الصحافيين من العمل. وقد رصدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين في تقريرها السنوي لعام 2023، هذه الجرائم الإسرائيلية التي تراوحت بين القتل والاعتقال وتدمير المقرات، ومصادرة المعدات، في غزة بشكل خاص، لكن أيضاً في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948.
في هذا السياق، يقول داغر "يتلقى الصحافيون الفلسطينيون تهديدات إسرائيلية، سواء على نطاق رسمي أو على مواقع التواصل الاجتماعي، وكلها تهديدات تتمحور حول معاقبتهم"، ثمّ يعدّد أساليب القمع التي يفرضها الاحتلال على الصحافيين في غزة، إلى جانب استهدافهم وقتلهم بشكل مباشر: "هناك أكثر من 50 مقرا صحافيا دمّرت منذ بداية الحرب، هناك توقيف تعسفي للصحافيين واحتجازهم في ظروف صعبة من دون الكشف عن مكانهم، في ما يسمى بالتوقيف الإداري... حتى الآن هناك ما لا يقل عن 32 صحافيا فلسطينيا موقوفا أغلبهم من الضفة الغربية، لكن هناك صحافيين غزيين، أحدهما مدير مكتب "العربي الجديد" في غزة ضياء الكحلوت... لا تعرف عائلات هؤلاء الصحافيين أو زملاؤهمم أي معلومة عنهم، عن مكان احتجازهم أو حالتهم الصحية، أو سبب توقيفهم، وتمتنع إسرائيل عن عرضهم على قضاة".
ما يقوله داغر تكرره كل المنظمات الحقوقية منذ بداية حرب الإبادة على القطاع خصوصاً في ما يتعلق بجرائم قتل الصحافيين واعتقالهم، فما هو دور هذه المنظمات، تحديداً في العمل على تأمين حماية للصحافيين أو محاسبة القَتَلة، أي الاحتلال الإسرائيلي في هذه الحالة؟ يشرح داغر أن "مراسلون بلا حدود" توثق الجرائم الإسرائيلية لثلاثة أهداف: للحاضر، أي لإخبار الرأي العام بما يحصل، ولتشكيل رأي عام عالمي قادر على الضغط على إسرائيل لوقف قتل الصحافيين، أما الهدف الثاني فهو تأمين المعلومات والأرقام اللازمة لكتابة تاريخ هذه الحرب، وتوثيق تفاصيلها. بينما يبقى الهدف الثالث هو الأهم: "استخدام هذا التوثيق وهذه المعلومات لتحقيق العدالة بأسرع وقت ممكن من خلال تقديم شكاوى للجهات الدولية والمحاكم الدولية". ويضيف أن المنظمة تقدّمت بشكويين أمام المحاكم الدولية للتحقيق بجرائم حرب ارتكبتها إسرائيل ضد الصحافيين الفلسطينيين "ونعمل على شكاوى جديدة".
الإفلات من العقاب
تكرر مختلف المنظمات أن على المجتمع الدولي وقف الإفلات من العقاب، وهي الحصانة التي يتمتّع بها الاحتلال، منذ عقود، في مختلف جرائمه. ففي مايو/ أيار 2023 نشرت لجنة حماية الصحافيين تقريراً عنوانه "نمط فتاك: 20 صحافياً قتلوا بنيران القوات الإسرائيلية خلال 22 سنة من دون أن يُحاسب أحد"، انطلقت فيه من جريمة قتل مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، لتوثّق مسؤولية جيش الاحتلال عن مقتل 20 صحافياً على الأقل منذ عام 2001، ووجدت "نمطاً في الاستجابة الإسرائيلية يبدو مصمماً للتملص من المسؤولية".
كما يرى داغر، متحدثاً باسم "مراسلون لا حدود"، أن الخطوة الرادعة الأساسية لوقف جرائم قتل الصحافيين هي "محاربة نهج الإفلات من العقاب الذي تتمتع به الأنظمة وتحديداً إسرائيل التي تقتل الصحافيين بلا محاسبة". من جهتها، عبّرت لجنة حماية الصحافيين، مساء الأحد، بعد استشهاد الدحدوح وثريا، عن قلقها "إزاء الاستهداف الواضح للصحافيين الذين يغطون أحداث الحرب"، مذكّرة في بيان صحافي بأن التحقيقات التي أجرتها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ورويترز ووكالة فرانس برس أكدت أن الغارة التي وقعت في 13 أكتوبر/ تشرين الأول في جنوب لبنان وأسفرت عن مقتل مصور فيديو وكالة رويترز الشهيد عصام عبد الله وإصابة ستة صحافيين لبنانيين وأجانب آخرين، "كان على الأرجح هجوماً متعمداً من قبل إسرائيل... وهو ما يشكل جريمة حرب".
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك