تشهد منطقتا البحر الأحمر وخليج عدن، فصلًا جديدًا من التنافس العسكري والأمني بين مجموعة من القوى الدولية الكبرى، والقوى الإقليمية الصاعدة، في إطار تحولات دولية وإقليمية من شأنها الإخلال بمعادلات القوة العسكرية والأمنية، واستقرار الأنظمة السياسية.
ووفقًا لذلك، تسلِّط هذه الورقة الضوءَ على السياقات الجديدة للتنافس العسكري والأمني، في البحر الأحمر وخليج عدن، لإبراز المعالم الجديدة لهذا التنافس، ومناطق تمركزه، ودوافعه، وتحديد التداعيات الناشئة عنه؛ بحيث تشرع الدراسة بعرضٍ إيضاحي للخصائص الجغرافية والديمغرافية وأهميتها وتطبيقاتها العسكرية والأمنية، لاستيعاب اتجاهات وأبعاد التفاعلات التنافسية موضوع الدراسة.
أولًا: الخصائص الجغرافية لمنطقتي البحر الأحمر وخليج عدن وأهميتهما العسكرية والأمنية
يستعرض هذا المحور أبرز معالم الخصائص الجغرافية والديمغرافية لمنطقتي البحر الأحمر وخليج عدن، وأهميتهما العسكرية والأمنية، وبالنسبة إلى المصالح الدولية والإقليمية ذات الصلة.
1. الخصائص الجغرافية والديمغرافية لمنطقتي البحر الأحمر وخليج عدن
يقع البحر الأحمر، فلكيًّا، بين خطي الطول (°32-°44) شرقي خط غرينتش، وبين دائرتي العرض (°12-°30) شمالي دائرة الاستواء، فيما يُعدُّ، جغرافيًّا، امتدادًا مائيًّا للمحيط الهندي، وينتهي طرفه الشمالي الشرقي، عند رأس خليج العقبة، ويواصل طرفه الشمالي الغربي، متجاوزًا قناة السُّوَيس، حتى البحر الأبيض المتوسط، أما طرفُه الجنوبي فيلتقي بخليج عدن، عبر مضيق باب المندب.
أما خليج عدن، فيقع، فلكيًّا، بين خطي الطول (°44-°58) شرقي خط غرينتش، وبين دائرتي العرض (°47-°12) شمالي دائرة الاستواء.
ويمثِّل الخليج امتدادًا للبحر الأحمر، على النطاق المائي الممتد من باب المندب حتى الخط المرسوم، مجازًا، بين رأس عسير في الجزء الساحلي الشمالي من الصومال، وبين رأس باغَشْوة، بمديرية الدِّيس، محافظة حضرموت اليمنية(1). وهناك من يوسع مجاله لتصبح حدوده الشرقية عند رأس فرتك، بمحافظة المهرة اليمنية(2).
على ضفتي البحر الأحمر وخليج عدن، تلتقي قارتا إفريقيا وآسيا، عبر تسع دول، خمسٌ منها على الضفة الإفريقية، هي: مصر، والسودان (شمالًا)، وإريتريا، وجيبوتي، والصومال، وتقع على الضفة الآسيوية أربع دول، هي: اليمن، والسعودية، والأردن، وإسرائيل (فلسطين المحتلة)، ويبلغ إجمالي سكان هذه الدول نحو 232 مليون نسمة.
ويمتد البحر الأحمر على طول نحو (1200 ميل) أي نحو (1900كلم)، فيما عرضه الأقصى نحو (190ميلًا)، بين ساحل مصوَّع في إريتريا، وساحل جيزان في السعودية، وأقل عرض نحو (40 ميلًا)، بين عصب في إريتريا، والمخاء في اليمن(3). وأكبر عمقٍ فيه نحو (2200م)، عند دائرة العَرض (22°) شمالًا(4)، ويقل ذلك جنوبًا، إلى نحو (140م)، بالقرب من باب المندب(5).
وتستأثر الدول العربية بمعظم سواحل البحر الأحمر؛ حيث تبلغ نحو (4938كلم)، دون احتساب سواحل إسرائيل (فلسطين المحتلة) على خليج العقبة، وسواحل إريتريا.
أما سواحل خليج عدن فتتقاسمها اليمن بنحو (1690كلم)، بما فيها سواحل أرخبيل سقطرى البالغ طولها نحو (490كلم)، وفقًا لمن يعدها ضمن خليج عدن، ويليها الصومال بنحو (1300كلم) ثم نحو 340 كلم لجيبوتي(6).
يقع في البحر الأحمر وخليج عدن، ثلاثة من الممرات المائية، هي: مضيق باب المندب، وقناة السُّوَيس، ومضيق تيران جنوبي خليج العقبة. ويوجد فيه مئات من الجزر والأرخبيلات، هي: جزيرتا تيران وصنافير، جنوبي خليج العقبة، وجزيرة ميون (بريم) في باب المندب، وأرخبيل سقطرى، جنوبي خليج عدن.
أما الموانئ فمن أبرزها ميناء جيبوتي، وميناء عدن (اليمن)، وميناء جدة الإسلامي (السعودية)، وميناء العين السُّخنة (مصر)، وميناء بورتسودان (السودان)، وميناء عَصَب (إريتريا)، وميناء العقبة (الأردن)، وميناء إيلات (إسرائيل). ويتضمن الجدول التالي عددًا من المتغيرات الديمغرافية لدول البحر الأحمر وخليج عدن، حتى نهاية عام 2022(7).
2. الأهمية العسكرية والأمنية للبحر الأحمر وخليج عدن
استنادًا لنظرية قلب الأرض، للعالم البريطاني، هالفورد ماكيندار، فإن البحر الأحمر وخليج عدن، يقعان ضمن المنطقة العربية التي تربط، برًّا، القلب الشمالي مع القلب الجنوبي، لجزيرة العالم(8).
وتتجلى أهمية الربط البحري في دور مضيق باب المندب وقناة السويس، بوصفهما بوابتي اتصال بحريتين، للانتقال السهل بين جنوب الكرة الأرضية وشمالها؛ حيث اضطلع كلٌّ منهما بأدوارٍ حاسمة، خلال توترات وحروب داخلية ودولية عديدة، سواء عبر تقييد ووقف حركة السفن الحربية والتجارية، أو تسهيل وصولها إلى مناطق هذه التوترات والحروب، وذلك ما بدا في إغلاق قناة السويس أثناء الحروب العربية-الإسرائيلية بين عامي 1967- 1973، ولم يجرِ فتحها إلا في عام 1975؛ حيث فرضت البحرية المصرية، عام 1973، السيطرة على باب المندب، بالتعاون مع القوات البحرية بشطرَيِّ اليمن، الشمالي والجنوبي، آنذاك، حارمةً السفن الإسرائيلية من العبور(9).
وعلى النقيض منه، استغلت الولايات المتحدة الأميركية، ودول أوروبية، نفوذها لتمكين أساطيلها الحربية من العبور الآمن في قناة السويس وباب المندب، إبان حربها على العراق، عام 1991، عقب غزوهِ الكويت، في 2 أغسطس/آب 1990، وفي الغزو الأميركي للصومال، عام 1993، وأفغانستان، عام 2001، ثم العراق، مرَّة أخرى، عام 2003.
كذلك، تبرُز الأهمية العسكرية والأمنية، في دور الجُزر والأرخبيلات، بوصفها إحدى الدعائم الرئيسة للأمن البحري، والسلامة البحرية، وذلك من خلال استضافة عددٍ منها الفنارات الخاصة بإرشاد السفن، كالجزر اليمنية في البحر الأحمر، ومنها: ميون (بريم)، وزُقر، وحُنيش الصغرى، وعقبان، وأبو علي، والزبير، وكمران(10).
والدور الذي تضطلع به الحاميات العسكرية في الجزر بالتصدي لمناشط جماعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية من خلال البحار، مثل: التهريب والاتجار، غير المشروعين، في الأسلحة والمخدرات، والبشر، إضافة إلى مكافحة القرصنة على السفن، والجماعات الإرهابية، وما تضطلع به الحاميات من دور أمني تقليدي.
يحقق قرب عدد من جزر وأرخبيلات البحر الأحمر، وخليج عدن، من الاختناقات البحرية، أو البر الرئيس، فرصًا عسكرية وأمنية حالية ومستقبلية، أولها التحكم في حركة الملاحة، في أيِّ ظرف، والربط الصناعي بينها، ومن خلالها، مع البر الرئيس، على الجانبين الآسيوي والإفريقي، وقد أثيرت هذه المسألة، ولكن من ناحية اقتصادية، فيما سمي مدينة النور، خلال العشرية الأولى من القرن الحالي، بشأن الربط بين جزيرة ميون (بريم)، والبر الرئيس لجيبوتي، بمسافة نحو 20 ميلًا، والربط بين جزيرتي تيران والبر الرئيس لمصر، في شرم الشيخ، بمسافة نحو 8-10 أميال، ومع البر الرئيس للسعودية في تبوك(11).
ثانيًا: التنافس العسكري والأمني في البحر الأحمر وخليج عدن
في هذا المحور، يُسلَّط الضوء على الزوايا الجديدة للتنافس العسكري والأمني، في البحر الأحمر وخليج عدن.
المظاهر المستجدة للتنافس ومناطق تمركزه
تتجلى هذه المظاهر في السياقات التالية:
التحالفات البحرية الأمنية
في سابقة عسكرية وأمنية، في البحر الأحمر وخليج عدن، كشفت الولايات المتحدة الأميركية، في أبريل/نيسان 2022، عن تشكيل قوة المهام المشتركة 153Combined Task Force153 (CTF 153) ، بوصفها رابع فرقة فيما يُعرف بالقوات البحرية المشتركة CMF)) Combined Maritime Forces، التي تضم، بجانبها، "قوة المهام المشتركة 150" 150CTF ، و"قوة المهام المشتركة 151" 151CTF ، و"قوة المهام المشتركة 152" 152CTF .
وفقًا لما أُعلن، تضطلع الفرقة بحفظ الأمن البحري، وبناء قدرات الدول، بالتعاون المباشر مع "قوة المهام المشتركة 151" CTF 151، التي تنتشر قطعاتها البحرية في خليج عدن، وقبالة سواحل الصومال، وقد تولت القيادة الدورية الأولى لهذه الفرقة سفينة القيادة البرمائية في البحرية الأميركية USS Mount Whitney (LCC 20).
ومن الدول المشاركة فيها بريطانيا، فضلًا عن مصر التي تشارك بالفرقاطة F 911 (الإسكندرية)؛ ويأتي ذلك بعد انضمامها إلى القوات البحرية المشتركة CMF، في أبريل/نيسان 2021، محتلةً، بذلك، الترتيب الرابع والثلاثين بين الدول الأعضاء(12).
جدير بالإشارة أن تحالف "القوات البحرية المشتركة "CMF، متعدد الجنسيات، ويتكون من 34 دولة، تضطلع سفنها المشاركة بتعزيز الأمن والاستقرار والازدهار في نحو 3.2 ملايين ميل مربع، من مياه أعالي البحار، بما فيها أهم ممرات الشحن، بمنطقة غربي المحيط الهندي(13). ويضم الشكل التالي أطراف هذا التحالف، ومسرح عملياته:
مما يُلحظ في هذا التحالف غياب دول عظمى، مثل: روسيا، والصين، ودول أخرى تشاطئ مسرح عملياته، مثل: الهند، وإيران، وعُمان، والصومال، وجيبوتي، وإريتريا، والسودان، ودول إفريقيا الواقعة غربي المحيط الهندي، ما يشير إلى تعارض المصالح معها، أو الشعور بالتهديد العسكري، وإن كان النشاط المعلن للتحالف مكافحة التهديدات غير التقليدية، وقد يكون وراء غياب الدول الأخرى ضَعْف قدراتها العسكرية البحرية، وما تواجهه من أزمات داخلية.
في ذات الاتجاه، يُعدُّ مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، الذي أُعلن عن إنشائه بالرياض، في يناير/كانون الثاني 2020، محاولة أمنية إقليمية جديدة، لخلق تحالف أمني، غير تقليدي، منافس، يضطلع بجانب من أمن البحر الأحمر وخليج عدن(14).
غير أنَّ هذا المجلس، بعد مرور سنتين على إنشائه، لم يتجاوز صيغته النظرية إلى الممارسة الفاعلة؛ لذلك استمرت دولٌ منه في تعزيز أُطر تعاونية، فوق أمنية، سابقة في الوجود، مثل تمرين "الموج الأحمر"، الذي نُفِّذ التمرين الخامس منه في نهاية مايو/أيار 2022، وبمشاركة ست دول، هي: الأردن، وجيبوتي، والسعودية، والسودان، ومصر، واليمن(15).
وضمن عمل عسكري وأمني مشترك، نفذت البحرية الإسرائيلية، خلال عامي 2021-2022، تمارين مشتركة مع الأسطول الخامس التابع للولايات المتحدة الأميركية، في عمق البحر الأحمر، وتوسع ذلك ليشمل الإمارات والبحرين، بوصفهما طرفين في الاتفاق الإبراهيمي الذي وقَّعتا عليه، إلى جانب إسرائيل، في سبتمبر/ أيلول 2021(16).
وفي ما يبدو أن هذه التمارين تشكِّل نشاطًا جماعيًّا يعوض إسرائيل حالة العزلة التي تواجهها في البحر الأحمر، وتقدمها ضمن تحالفات بديلة ومكافئة، من النسيج ذاته الذي يضم التحالفات البحرية في المنطقة.
الوكلاء المحليون
أفرزت الصراعات المسلحة على ضفتي البحر الأحمر وخليج عدن، جماعات عنف عديدة، تنازع الدول وظائفها على الأرض، وتحتكر القوة، وفي الوقت ذاته رهنت نفسها لدى قوى خارجية تقاسمها المصالح وعداء الخصوم، كما يمثله الوضع الراهن في الصومال واليمن، غير أنَّ وضع اليمن يبدو أكثر وضوحًا.
فالحرب التي انخرط فيها، وموَّلها، التحالف العربي، منذ مارس/آذار 2015، أنتجت معادلة ثلاثية المتغير للوكلاء المحليين الداخليين الذين يبسطون سيطرتهم على البلاد، خصوصًا المناطق الساحلية، ومن خلفهم الداعمون الخارجيون، وهم: الإمارات، والسعودية، وإيران(17).
ولقد أصبحت هذه المناطق مستقرة، نسبيًّا، لضمان مصالح الداعمين، وتوفير الأمن والسلامة للوسط البحري المقابل الذي تتدفق عبره شحنات الطاقة، وسلاسل التوريد، بين الشرق والغرب؛ حيث دُفع بالصراع نحو المناطق الداخلية منذ التوقيع على اتفاقية ستوكهولم بين الحكومة اليمنية والحوثيين، في ديسمبر/كانون الأول 2018.
يتمركز نفوذ وكلاء الإمارات في الساحل الغربي للبلاد (ساحل تِهامة)، بين مضيق باب المندب، ومدينة الخوخة، شمالي ميناء المخاء، عبر مجموعة من التشكيلات المسلحة القوية التي تضم قوات المقاومة الوطنية (حراس الجمهورية والمقاومة التهامية)، وما تبقَّى من ألوية العمالقة التي أعادت تموضعها نهاية عام 2021. وقد عُززت هذه القوات بمقومات عديدة للنهوض بأدوارها، بحرًا وبرًّا، عبر بناء قدرات خفر السواحل، وإنشاء مهبط جديد للطائرات بمدينة (ميناء) المخاء، وتطوير مينائها(18).
واتخذ عدد من الجزر القريبة من باب المندب، مراكز للدعم اللوجستي العسكري للإمارات، مثل جزيرة ميون (بريم) التي طوِّرت بنيتها التحتية لاستقبال وإيواء الطائرات والسفن الحربية(19). أما المنطقة الساحلية الممتدة بين مضيق باب المندب ومحافظة المهرة المجاورة لسلطنة عمان، شاملًا ذلك أرخبيل سقطرى، فيتقاسمها وكلاء الإمارات والسعودية، مع نفوذ محدود للحكومة، ويتصدر هؤلاء الوكلاء المجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي)، عبر تشكيلاته المسلحة.
فيما يخص إيران، فإن القطاع الساحلي الخاضع لوكلائها، وهم الحوثيون، يمتد، شمالًا، من منطقة الخوخة إلى الأطراف الجنوبية من منطقة ميدي، جنوب غربي محافظة حجة، شاملاً ثلاثة موانئ، هي: الحُديِّدة، والصَّليف، ورأس عيسى، التي كان لاتفاقية ستوكهولم، عام 2018، دور أساس في خلق هذا الوضع، ثم عزَّزت ذلك عملية إعادة التموضع التي قامت بها ألوية العمالقة، عام 2021(20).
أما المتغير الثالث في معادلة النفوذ في المنطقة الساحلية الغربية، فيمثله وكلاء السعودية الذين تتمركز قواتهم شمالي الحديدة، بين ميدي، التي تضم ميناءً صغيرًا، حتى الحدود البرية-البحرية مع السعودية نفسها، عند منطقة الموسَّم، شاملًا ذلك الجزر الواقعة قبالتها، وهي منطقة نفوذ بحرية صغيرة، قياسًا بمنطقتي نفوذ وكلاء إيران والإمارات، لكنها تمثِّل حاجزًا دفاعيًّا بريًّا، أمام تهديدات الحوثيين على الأراضي والمصالح البحرية السعودية.
تطور التنافس العسكري والأمني
تبرز جوانب هذا التطور في الأداء التدريبي المشترك، في البحر الأحمر، بين إسرائيل وثنائي عربي، هما: الإمارات، والبحرين، ولا يخلو ذلك من توجيه رسائل قوية إلى إيران التي تتوغل في المنطقة، عبر وجودها الذاتي أو عبر الحوثيين، وسعيها للاقتراب الحرج من إسرائيل والسعودية، والاحتكاك المباشر مع البحرية الأميركية. وتكشف واقعة محاولة استيلاء بحرية الحرس الثوري، في سبتمبر/أيلول 2022، على زورقين غير مأهولين، من طراز Saildrone Explorer، تابعين للأسطول الخامس الأميركي؛ أنَّ إيران باتت ندًّا قويًّا ومتمكنًّا، وأن الولايات المتحدة الأميركية، أدخلت هذه الزوارق، على نحو غير مسبوق، ضمن استراتيجية جديدة لنشر مجموعة كبيرة منها، يناط بها جمع المعلومات(21).
في السياق، كشفت إيران عن دور جديد للقوات البحرية التابعة لقواتها المسلحة، تضطلع به المجموعة البحرية 83، التي تضم عددًا من المدمرات، وأنَّ لديها توجهًا لدعمها بالطائرات غير المأهولة(22).
ووفقًا لهذا التوجه، فمن غير المستبعد أن تزوَّد بزوارق سطحية وغاطسة غير مأهولة، خصوصًا أن الحوثيين الذين تدعمهم إيران، استخدموا زوارق السطح غير المأهولة، خلال السنوات الأخيرة من الحرب، ما يدعم دور ونشاط السفينة "بشهاد" Behshad، الراسية قبالة الساحل الإريتري، خلفًا للسفينة "سافيز" Saviz، التي اضطلعت بدور استخباري خلال الفترة (2016-2021)، وغادرت موقعها عقب تعرضها لهجوم تفجيري في أبريل/ نيسان2021 (23).
الدوافع المستجدة للتنافس العسكري والأمني
تمثِّل دوافع التنافس العسكري والأمني بين القوى العظمى، امتدادًا لمسلك الدول الاستعمارية، ويعزز ذلك، حاليًّا، دوافع جديدة، تنفرد بها هذه القوى، ودوافع أخرى تتقاسمها مع قوى إقليمية صاعدة حليفة، نبرزها فيما يلي:
تصاعد الوجود العسكري المناوئ للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها
تجسِّد الاستجابات الأميركية، ومعها حلفاؤها، تجاه الوجود العسكري الإيراني فيما وراء بحر العرب، حالة القلق إزاء سلوك إيران التوسعي. وقد عبَّرت الهجمات المتبادلة على السفن، أو مضايقاتها، أو القرصنة عليها، عن اللغة المشتركة بين إيران وخصومها، إزاء هذا الوجود، بل دفعت كلًّا منهما لأن يرمي بثقله في هذه المواجهة.
وكان باعث هذا القلق تصريحات قادة عسكريين في البحرية الإيرانية، بشأن تطلع بلادهم إلى تحقيق وجود عسكري دائم، في البحر الأحمر، بإدراجه ضمن مناطق دوريات البحرية الإيرانية في أعالي البحار(24).
ومما عزز ذلك طلب إيران من المنظمة البحرية الدولية، في مارس/آذار 2021، تصنيف البحر الأحمر منطقة بحرية عالية الخطر، ليبرر لها وجودها العسكري الذي تتطلع إليه(25).
يبدو أن قيام الولايات المتحدة الأميركية بتشكيل "قوة المهام المشتركة 153" CTF 153 ، مثَّل استجابة مناوئة لهذا المسعى، ناهيك عن ارتباط إيران بالحوثيين، الذين استولوا، في يناير/كانون الثاني 2022، على السفينة الإماراتية "روابي" Rawabi، أثناء نقلها معدات طبية سعودية، من جزيرة سقطرى اليمنية إلى ميناء جيزان السعودي(26). وقد صرح مسؤولون أميركيون بأن تشكيل هذه القوة، يرمي إلى إحباط تهريب إيران أسلحتها إلى الحوثيين وفواعل العنف الإقليمية الأخرى(27).
ومن الطبيعي أن يندرج ضمن ذلك مراقبة كافة التهديدات، ومن ذلك الألغام البحرية التي يبثها الحوثيون قبالة السواحل اليمنية، مهددة الملاحة البحرية المدنية والعسكرية.
في جانب روسيا، أثار توقيعها مع السودان اتفاقية لإنشاء مركز دعم لوجستي عسكري بحري، في قاعدة فلامينغو، ببورتسودان، قلقًا كبيرًا للولايات المتحدة الأميركية، وحلفائها الغربيين، على خلفية دور الاتحاد السوفيتي قبل عام 1991، وقد نفى السودان، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، أي وجود عسكري روسي على أراضيه(28).
يمثل تنامي الوجود العسكري الصيني، بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، خطرًا مختبئًا خلف نشاط الصين الاقتصادي في المنطقة، يهدد مصالحها وتحالفاتها فيها، رغم أن الصين تبرر وجودها العسكري بأنه للحد من التهديدت غير التقليدية.
ولا جدال في أن وجود الصين العسكري مرتبط بأجندتها الاقتصادية، خصوصًا مبادرتها الموسومة بالحزام والطريق (حزام واحد-طريق واحد)، التي تُمثل موانئ المنطقة إحدى ركائزها(29).
ويبدو أن ما يعزز الاعتقاد الأميركي بالخطر العسكري الصيني، استمرار تدفق الأساطيل الحربية الصينية إلى خليج عدن، منذ عام 2008، وازديادها خلال الفترة (2020–2022)، في ظل امتلاكها قاعدة عسكرية كبيرة في جيبوتي(30).
تنامي الشواغل الأمنية والأزمات السياسية الإقليمية
بعد سنوات من تراجع نشاط القرصنة على السفن، التي كانت ذريعة لوجود الأساطيل الأجنبية في خليج عدن، تنامت الحوادث التي مثَّلت تهديدًا مباشرًا للسفن التجارية، وحركة الملاحة البحرية، بين عامي 2019-2020، ورافق ذلك عمليات تهريب والاتجار في المخدرات، والأسلحة، والبشر، والسلع التجارية، مُواكِبةً أزماتٍ وتحولات إقليمية، تصدرتها حرب اليمن التي نشبت عام 2015، ثم سقوط نظام الرئيس عمر البشير، في السودان، عام 2019، وما تلاه من اضطرابات داخلية، وتعقُّد أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، واندلاع الصراع بين الأخيرة ومتمرِّدي إقليم تيغراي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ما استدعى الحاجة إلى الأسلحة، والتقنيات العسكرية الدقيقة، والمرتزقة، والإرهابيين، والأموال، فضلًا عن المخدرات التي تمثِّل مصدر تمويل غزير، ومن شواهد ذلك الاعتراضات البحرية الكثيرة التي نفذتها القوات البحرية الدولية، على سفن التهريب، في بحر العرب وخليج عدن(31). وأقل منها في البحر الأحمر الذي أحبطت فيه القوات البحرية السودانية، قبالة سواحل البلاد، تهريب شحنة أسلحة خفيفة وذخائر متنوعة، نهاية سبتمبر/أيلول 2022(32).
في سياق بُعدَي، الأمن التقليدي وغير التقليدي، دفعت أزمة سد النهضة، كلًّا من مصر وإثيوبيا، للاقتراب من باب المندب، خصوصًا إثيوبيا التي تُعد دولة حبيسة، وتثابر لردم هذه الفجوة، عبر إقامة قاعدة عسكرية بحرية، أو مراكز دعم لوجستية في إريتريا، أو السودان، أو جيبوتي، ولم يتحقق لها إلا في الأخيرة، مع نهاية عام 2019(33) وفي المقابل، أنشأت مصر، في اتجاهها الإستراتيجي الجنوبي، قاعدة برنيس العسكرية، جنوب شرقي محافظة البحر الأحمر، وافتتحتها في يناير/كانون الثاني 2020، وفي الوقت نفسه، لا تزال مصر تبذل مساعي حثيثة لإنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي(34).
شكَّل استيلاء الحوثيين، المدعومين من إيران، على السلطة، في اليمن، عام 2014، قلقًا كبيرًا للسعودية؛ حيث أصبحت إيران على مقربة غير مباشرة منها، فهيأت السعودية لنفسها قيادة ما يسمَّى التحالف العربي لدعم الحكومة الشرعية في اليمن، وطيلة ثماني السنوات الماضية للحرب، اقتربت إيران، تدريجيًّا، من السعودية، وانكشف عمق الصراع بين البلدين.
ومن ذات المدخل، عملت الإمارات على التصدي لإيران وفقًا لحسابات تتعلق بخلافهما حول جزيرتي طنب الكبرى والصغرى، وجزيرة أبي موسى؛ وحققت لها عضويتها في هذا التحالف، موطئ قدم عسكرية في ميناء عصب الإريتري، استُغلت في دعم عمليات التحالف العربي(35).
ثم توسعت في مدينتي بوصاصو وبربرة الصوماليتين، وجزيرة ميون (بريم) اليمنية، إثر سحب أجزاء من قاعدتها العسكرية في مصوَّع، مطلع عام 2021(36).
ثالثًا: تداعيات التنافس العسكري والأمني في البحر الأحمر وخليج عدن
تتجلى أبرز هذه التداعيات فيما يلي:
التداعيات السياسية
استنادًا إلى أن التنافس في الوجود العسكري والأمني، بمختلف فاعِلِيه، جنوبي البحر الأحمر، سواءً في دولة مستقرة مثل جيبوتي، أو مضطربة مثل اليمن، فإن ذلك إنما يرتبط بأجندات هذه الفواعل التي يمكن أن تمس وحدة وسلامة هذه الدول وغيرها، بما في ذلك أنظمتها السياسية، وإحياء الهويات والنزعات العرقية والانفصالية، ودعمها، عسكريًّا وسياسيًّا، كحال اليمن الذي قد لا يعود إلى سالف عهده قبل نشوب الحرب الحالية عام 2015(37).
حيث يتهدده التقسيم، بفصل جنوبه عن شماله، وتقسيم الجنوب إلى دويلات، تفقد معها السيطرة على أهم الجزر، كجزيرتي سقطرى، وميون (بريم)، اللتين تواجهان هذا الوضع حاليًّا. وقد يكون لنجاح هذه الأجندة في اليمن، صدى لدى دعاة التقسيم في الدول العربية والإفريقية المجاورة، في ظل توافر العوامل المساعدة لها.
التداعيات العسكرية والأمنية
يمكن أن يؤدي التنامي المستمر في حجم القوات التابعة للدول المتنافسة، إلى نشوب توترات قد تتطور إلى عنف دولي وإقليمي مسلح، تنشأ عنه محاور صراع تستقطب إليها دول المنطقة، ويتنامى، خلال ذلك، عنف الحركات الوطنية الرافضة لوجود القوى الخارجية، والعنف المرتبط بالهويات والإرهاب، والجرائم البحرية، كالقرصنة والسطو المسلح على السفن، أو أنماط الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية من خلال البحار، ويزداد خطر هذا العنف بالضَّعْف المتوقع في القدرات العسكرية والأمنية لدول المنطقة، التي هي، في الأساس ضعيفة، وتعثُّر برامج التنمية الداعمة للأمن والاستقرار(38).
يعد الأمن القومي العربي، المتضرر الأول من هذا التنافس، نظرًا إلى وقوع ثلث دول الوطن العربي، على حواف البحر الأحمر وخليج عدن، وما قد يترتب على التنافس من عنف دولي واسع النطاق، تتجمَّد بفعله حركة الملاحة البحرية في باب المندب وقناة السويس، والانعكاسات الخطيرة على الأمن الاقتصادي، وأمن الطاقة، وحرية الملاحة البحرية، والقضايا الأخرى المنضوية تحت مفهوم الأمن البحري(39).
خاتمة
يُنظر إلى التنافس العسكري والأمني، للقوى العظمى، في البحر الأحمر وخليج عدن، بوصفه امتدادًا لأطماعها الاستعمارية القديمة، ولكن في قوالب جديدة هيأتها شواغل أمنية، وأزمات سياسية أثَّرت تداعياتها في مصالح هذه القوى، وقوى إقليمية صاعدة متحالفة معها، أو تجمعها أُطر من المصالح المشتركة، وقوى أخرى تتعارض معها، وتصدَّرت هذه الشواغل والأزمات، مناشط الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية من خلال البحار، والقرصنة على السفن، ومناشط الجماعات الإرهابية، وأزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا، والحرب اليمنية، التي اقتحمت غمارها فواعل دولية وإقليمية متعارضة، مثل: الولايات المتحدة الأميركية، والصين، وإسرائيل، والسعودية، والإمارات، وإيران، وبذلك أصبح البحر الأحمر وخليج عدن وسطًا للتفاعلات الناعمة والعنيفة بين هذه الأطراف، وفي مختلف المجالات والأدوات.
تجلت تداعيات هذا التنافس، في المجالات السياسية والعسكرية والأمنية، التي من شأنها تقويض الدول، وأنظمتها الحاكمة، واستقلالها السياسي، وإضعاف جيوشها، وقوى الأمن الداخلية، أمام التهديدات الناشئة عن جماعات العنف، وانعكاس ذلك على قضايا الأمن العالمي، مثل: أمن تدفق الطاقة وسلاسل الإمداد، وأمن الملاحة البحرية.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك