نجد إيران إذاً ترهن عملية السلام في اليمن لأولويات أمنها القومي . وباعتبار أن الحوثي يمثل عنصراً مهماً في منظومة أمنها القومي ، على الأقل من الناحية التي يصبح فيها صوتاً يعلن مسئوليته عن الصواريخ والمسيرات الايرانية التي تنطلق من صنعاء نحو البحر الأحمر لإغلاقه كممر ملاحي دولي هام ، أو نحو اسرائيل كما يقول الحوثي في بياناته ، في حين أن الجميع يتساءل أنه اذا كان الهدف فعلاً نصرة غزة فلماذا تطلق الصواريخ والمسيرات الايرانية من صنعاء التي تبعد عن الهدف أكثر من ٢٥٠٠ كم في حين أنها لا تبعد أكثر من ١٢٠٠ كم عن ايران وأقل من ذلك بكثير عن وكلاء آخرين . الجواب هو أن إطلاق الصواريخ من اليمن لا يعني أكثر من إعلان مشاركة فارغة المحتوى ، ولا ترتب أي مواجهات عسكرية مع العدو ، في حين أنها تحدث أثراً نفسياً عند عامة الناس يمجد الفعل بغض النظر عن تأثيره في معادلة الصراع . أما اعتراض السفن وتفجيرها في البحر الأحمر فنتائجها كارثية على السيادة البحرية للدول المطلة على البحر الأحمر ، وهذا ما كانت تخطط له ايران من زمن طويل ، وكلنا يتذكر كيف سارع الحوثيون فور استيلائهم على صنعاء الذهاب فوراً إلى الحديدة ووضع يدهم عليها ، وكيف أنهم عام ٢٠١٨ لجأوا إلى الاستغاثة والتهديد بتفجير ميناء الحديدة ، وطالبوا بوقف فوري للحرب ، والموافقة على اتفاق استوكهولم الذي يقضي بانسحابهم من الحديدة بدون شروط حينما كان الميناء على وشك السقوط بيد الحكومة الشرعية . ولنتذكر معاً في هذا السياق التحذير الذي أصدره وزير الدفاع الايراني محمد رضا اشتياني للولايات المتحدة الامريكية يوم ١٤ ديسمبر ٢٠٢٣ من أن أمريكا ستواجه مشاكل استثنائية اذا ما قامت بتشكيل قوة حماية دولية للملاحة في البحر الأحمر ، وقال " إنه لا يمكن لأحد التحرك في منطقة ، اليد العلياء فيها لإيران ".
يتضح من كل هذا أن السلام في اليمن عملية تتداخل مع ما بات يفرضه الأمن القومي الايراني من ثوابت ومتغيرات لن يسمح لها ، كما يقول وزير دافعها ، أن تغير واقع منطقة ، اليد العلياء فيها لايران ، وتغطي البحر الأحمر وخليج عدن .
وإذا كان الأمر كذلك ، فهل لنا أن نتحدث بعد اليوم عن سلام يتم فيه تجاهل هذا التشابك بينه وبين الأمن القومي الايراني والذي لم يعد في حاجة إلى مزيد من الشرح والاثبات بل إلى التفكير في كيفية مواجهته .
لقد أمضينا سنين في الشرح ، في حين تولت إيران ووكيلها الحوثي في اليمن إثبات هذه الحقيقة بصورة سريالية لم تخطر على بال ، وكأننا في مسرح للعرائس لا يلبث فيه محرك العرائس أن يظهر من خلف الستارة مستعرضاً مهاراته غير مدرك أن ظهوره لا يقدم أي دليل على أن المشاهد كان يغفل وجوده .
لكن إثبات حقيقة هذا التشابك بين السلام في اليمن ومتطلبات الأمن القومي الإيراني من قبل ايران والحوثي ، يعني فيما يعنيه أن المسألة باتت معطى يجب عدم إغفاله عند أي ترتيبات سياسية وإلا فإن الحرب التي تفرون منها لن تنتهي إلى السلام الذي تتحدثون عنه . وكأنهم يقولون إن السلام ليس من الرغائب التي تأتي حسب الطلب ، لكنه من نتائج تلك الحروب التي تجعله خياراً وحيداً للخصم .