5 سنوات بين طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب ما عُرف إعلامياً بـ«صفقة القرن» في أواخر ولايته الأولى (2016: 2020) لتطبيع سياسي واقتصادي إسرائيلي عربي مقابل دولة فلسطينية رمزية منزوعة السلاح لا علاقة لها بالقدس وخطة جديدة بأول فترته الثانية، تتوسع إلى السيطرة على قطاع غزة وتهجير سكانه وإعماره مقابل التطبيع وتوسيع احتلال الضفة الغربية.
الأولى لم يُكتب لها النجاح مع بداية السباق الرئاسي الأميركي آنذاك، ومجيء جو بايدن رئيساً جديداً (2020: 2024)، والثانية تجددت مع فوزه. وطُرحت الخطتان أثناء حضور رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وسط رفض عربي دولي.
وبحسب مصادر عربية تحدثت معها «الشرق الأوسط»، فإنه «لا فرق كبيراً بين الخطتين، إذ تتفقان على دعم إسرائيل بشكل مطلق دون القبول بحلول عادلة»، وتختلفان في أن الخطة الجديدة تعد «تطهيراً عرقياً واحتلالاً أميركياً للقطاع».
وتوقعت المصادر تحركاً عربياً واسعاً ومؤثراً وقمة عربية وحراكاً دولياً لإحباط الخطة، كما حدث للصفقة الأولى التي تعثرت.
المحاولة الأولى
وبعد نحو 3 سنوات من تسريبات إعلامية عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح وليست لها ولاية على القدس، خرج ترمب، في 28 يناير (كانون الثاني) 2020، في مؤتمر صحافي مع نتنياهو بواشنطن لإطلاق خطته للسلام دون حضور فلسطيني، قائلاً إنها ستتضمن دولة فلسطينية لكن ستبقى القدس عاصمة موحدة لـ«إسرائيل»، لافتاً إلى أن دولاً عديدة ستشارك في توفير 50 مليار دولار لمشاريع جديدة بتلك الدولة.
وكشف نتنياهو وقتها، في المؤتمر، عن أن خطة ترمب تتضمن نزع سلاح المقاومة، وتطبيق «إسرائيل» قوانينها على غور الأردن ومستوطنات الضفة الغربية ومناطق أخرى.
ولاقت خطة ترمب الأولى رفضاً فلسطينياً فورياً، وقال الرئيس محمود عبّاس آنذاك إن «القدس ليست للبيع، وصفقة المؤامرة لن تمر»، في حين أعلن أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، في مؤتمر صحافي في 1 فبراير (شباط) 2020، «رفض الخطة الأميركية بالإجماع».
المحاولة الثانية
بعد 5 سنوات، كشف الرئيس الأميركي، في مؤتمر صحافي مع نتنياهو، عن أن بلاده ستتولى السيطرة على قطاع غزة، مع إشراف الإدارة الأميركية على عملية إعادة الإعمار مع النظر في سيادة إسرائيل على الضفة الغربية، «خلال الأسابيع الأربعة المقبلة».
وتوقع ترمب أن يتحول القطاع، الذي يضم أكثر من مليوني فلسطيني، إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، معرباً عن أمله في إمكانية نقل الفلسطينيين من غزة، وذلك بعد أيام من اقتراحه في 25 يناير أن تستقبل مصر والأردن الغزيين.
ورفض ترمب، الاثنين، الإجابة عن سؤال لأحد الصحافيين عما إذا كان يؤيد ضم إسرائيل المحتمل لأجزاء من الضفة الغربية، لكنه قال إن إسرائيل «قطعة أرض صغيرة للغاية»، في حين قدّم مشرعون جمهوريون في مجلس النواب مشاريع قوانين لحظر استخدام مصطلح الضفة الغربية في الوثائق الحكومية الأميركية.
فوارق رئيسية
ولا يرى عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» رئيس الوزراء السابق محمد اشتية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، وجود اختلافات جذرية بين الصفقتين، مؤكداً أن «الشعب الفلسطيني ليس مستأجراً لدى ترمب ليُطالب بإجلائه، وأرض فلسطين ليست مجرد عقار يُباع أو يُشترى، بل هي هوية، ومسقط رأس، وانتماء، ووطن».
ووفق الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الاستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، فإن «صفقة القرن اقترحت دولة فلسطينية مستقبلية مشروطة بقيود كبيرة على السيادة وتتطلب تنازلات كبيرة من الفلسطينيين، أمّا الخطة الجديدة فتركز فقط على قطاع غزة، وهي منطقة تواجه تحدياتها الخاصة مثل سيطرة (حماس)، والقضايا الإنسانية، والمخاوف الأمنية»، وفق قولها لـ«الشرق الأوسط».
وتعتقد تسوكرمان أن التدخل المستهدف في الخطة الجديدة يهدف إلى إعادة هيكلة الحكم أو الأمن في غزة بشكل مباشر، بدلاً من الصفقة التي كانت تشمل التفاوض على اتفاقية سلام واسعة النطاق تغطي جميع الأراضي الفلسطينية.
وعملت صفقة القرن على مزيج من الحوافز الاقتصادية، والضمانات الأمنية لإسرائيل، والمفاوضات متعددة الأطراف مع الجهات الفاعلة الدولية، بينما خطة غزة تنطوي على نهج أكثر صرامة باستخدام تكتيكات الضغط العالي، والمطالب الجريئة، بحسب تسوكرمان التي توقعت أن يركز ضغط ترمب المباشر على تغيير الوضع الراهن في غزة بسرعة، مما قد يؤدي إلى تهميش مفاوضات السلام الأوسع لصالح نتائج أمنية أو سياسية فورية.
وصُممت صفقة القرن على «سياق دبلوماسي عالمي، بينما خطة غزة تركز بشكل أقل على الإجماع العالمي والمزيد على العمل المباشر»، وفق تسوكرمان التي أكدت أن «صفقة القرن كانت تسوية تفاوضية واسعة النطاق للصراع بأكمله، في حين أن الخطة الجديدة لغزة من المرجح أن تكون تدخلاً أكثر تركيزاً يستهدف بشكل خاص التحديات في غزة».
بدوره، يرى رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن، جواد الحمد، أن «ثمة تطابقاً بالأسس بين صفقة القرن عام 2020 ودوريات ترمب الحالية بشأن تهجير سكان غزة»، موضحاً أن «الولايات المتحدة لا تعترف بحقوق الفلسطينيين وتعمل على دعم إسرائيل، والتفكير بعقلية الصفقات التجارية».
وبحسب جواد الحمد، فإن «موقف المقاومة وانتصارها على جيش إسرائيل الآن مختلف عن صفقة 2020، وكذلك الرفض العربي والإسلامي والدولي أكبر وأسرع».
من التصفية إلى الجريمة
وبرأي الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، لـ«الشرق الأوسط»، فإن «صفقة القرن كانت لتصفية القضية الفلسطينية وضم أجزاء من الضفة الغربية، بينما الخطة الجديدة تعد «جريمة حرب وتطهيراً عرقياً لغزة والضفة بعد ضمها»، وفق وصفه.
وبينما يعتبر المؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين خطة ترمب الجديدة امتداداً لصفقة القرن، يؤكد المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي أن «الخطة الجديدة كسابقتها تدعم إسرائيل».
ونقل موقع «أكسيوس» الأميركي، الأربعاء، عن مصدر مقرب من ترمب قوله إن «مبادرة غزة كانت فكرة خاصة به ودرسها منذ شهرين، بينما واجهت الخطة الجديدة رفضاً فلسطينياً ومواقف عربية سعودية مصرية أردنية عمانية وغربية تتواصل رفضاً للتهجير وتتمسك بإقامة دولة فلسطينية.
ما مصير الخطة؟
وفي ظل هذا الرفض، ترى تسوكرمان أن التنبؤ بنجاح أي خطة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشكل تحدياً كبيراً، ويعتمد على تفاصيل التنفيذ، وقبول أصحاب المصلحة، والديناميكيات الإقليمية المتغيرة.
ورأت أن صفقة القرن كانت تفتقر إلى الدعم الفلسطيني الواسع، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها فرضت تنازلات كبيرة ولم تعالج بشكل كافٍ التطلعات الوطنية الفلسطينية، وكذلك الخطة الجديدة لغزة، إذ ظل هؤلاء اللاعبون الرئيسيون متشككين، فقد تواجه الخطة عقبات كبيرة.
وتشدد على أن العديد من الدول العربية وشعوبها ملتزمون بشدة بالقضية الفلسطينية، وإذا ما اعتُبرت الخطة الجديدة أنها تقوض الحقوق الفلسطينية الأساسية أو تزيد التنازلات، فإن المعارضة العربية والفلسطينية والإقليمية القوية قد تمنع نجاحها.
وبحسب اشتية، فإنه «كما أفشل الشعب الفلسطيني مشاريع التوطين السابقة عام 1954 وما تلاها وكما أسقط صفقة القرن، سيسقط هذا المشروع»، مشيداً بالمواقف السعودية والأردنية والمصرية وكل المواقف العربية والدولية الرافضة لهذا الطرح.
ويراهن البرغوثي على مواقف مصر والسعودية والأردن وباقي الدول العربية وكذلك الشعب الفلسطيني في عدم تمرير خطة ترمب، مؤكداً أن نجاح ترمب في خطته يعني فناء الشعب الفلسطيني، وهذا مستحيل أن يحدث.
ويرى ياسين أن «ترمب يتعامل باستخفاف شديد مع قضايا حساسة بالمنطقة ولا يدرك أبعاد ما يقول»، متوقعاً أنه «سيفشل مرة أخرى وتكون خطته الجديدة حبراً على ورق في ظل رفض المقاومة الفلسطينية لتلك المشاريع».
وأشاد آل عاتي بالموقف السعودي والعربي الموحد في رفض خطط ترمب، معتقداً أن من نجح في رفض صفقة القرن في الفترة الأولى لترمب قادر على إحباطها في الفترة الثانية، خصوصاً أن السعودية تتصدى لها بما تتمتع به من ثقل سياسي واقتصادي وديني كبير بالمنطقة، متوقعاً أن يزداد الموقف العربي تنسيقاً بشكل أكبر ونرى قمة عربية في هذا الصدد ومشاورات واسعة مع المجتمع الدولي.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك