يُشيّد جيش الاحتلال الإسرائيلي هذه الأيام حاسوباً عملاقاً ذا قدرات تفكير خارقة، بإمكانه إتاحة جمع كميات هائلة من المعلومات وتحليلها، والخروج بنتاجات بواسطة الذكاء الاصطناعي. أمّا من سيبني الحاسوب الخارق الذي يُكلّف عشرات ملايين الشيكلات، ويُعد ذا أهمية قومية استراتيجية، فهو شركة التكنولوجيا العالمية "إتش بي"، التي سبق أن فازت في الماضي بعدد من المناقصات الضخمة التي طرحها جيش الاحتلال.
مع ذلك، فإن مصادر في الصناعات الأمنية الإسرائيلية أعربت عن خشيتها من أن "إتش بي" اختارت شركة خاصة مقاولةً بديلةً لبناء المنشأة التي سيوضع فيها الحاسوب، وفقاً لما أوردته صحيفة "يسرائيل هيوم" اليوم الاثنين، مشيرةً إلى أن المشروع الذي يتطلّب درجات عالية من الحماية الأمنية الخاصة، ترشّحت للفوز بمناقصته أيضاً شركة رافائيل الحكومية الإسرائيلية.
أحد المصادر في الصناعات الأمنية احتج على فوز "إتش بي"، مشيراً إلى أن "ثمة مجالات معيّنة لا يمكن منح تصنيعها لشركات خاصة، خصوصاً عندما يتوفر البديل الحكومي، وبالذّات بعد أحداث السابع من أكتوبر". وأضاف كما نقلت عنه الصحيفة أن "الشركات الخاصة لا تملك قدرات الحماية الأمنية التي تتوفر لدى رافائيل، ثم إن اختيار شركة خاصة يُفقد ميّزة حماية المعلومات التي تتوفر لدى الشركات الحكومية. والأخطر من ذلك أن الشركات الخاصة تهمّها نفسها، وفي حال فازت في المستقبل بمناقصات أخرى خارج إسرائيل، فليس ثمة ما يمنعها من كشف الأسرار الأكثر خطورة حول المشروع لجهات خارجية".
في السنوات الخمس الماضية، استثمر الاحتلال الإسرائيلي موارد وميزانيات هائلة بغية إقامة الحاسوب العملاق بصفته يمثل بنية تحتية وطنية لبحث وتطوير الذكاء الاصطناعي، وستكون خدماته متاحة لأجهزة الأمن والأكاديميا وشركات الهايتك الإسرائيلية؛ إذ يدور الحديث حول حواسيب مبنية من عشرات آلاف وحدات المعالجة المركزية التي تعمل بالتزامن، ما يوفر قدرات حاسوبية هائلة، تعد ضرورة من أجل تحليل كميات ضخمة من المعلومات وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
وكانت وزارة الأمن قد أعلنت سابقاً عن طرح مناقصة بناء الحاسوب العملاق، وبما أن المجال يحتل صدارة التكنولوجيا العالمية ويتطلب قدرة إنتاجية كبيرة، فقد تنافس عليه العديد من شركات الحوسبة العملاقة العالمية. وفي النهاية، فازت شركة "إتش بي"، الأميركية متعددة الجنسيات، بالمناقصة التي نُشرت نتائجها حتّى قبل اندلاع الحرب. وتعليقاً على ما تقدم، ذكر مصدر مطلع على تفاصيل المناقصة أن "إتش بي هي من بين الشركات القليلة في العالم التي يمكنها توفير الإمكانات اللازمة لمعالجة وتخزين المعلومات على نطاق واسع كهذا، لذا فإن اختيارها كان منطقياً".
ومن المفترض أن تُزود "إتش بي" المشروع بمعالجات الكمبيوتر وخوادم التخزين التي تصنعها. ومع ذلك، فإنه وفقاً لشروط مناقصة وزارة الأمن، البنية التحتية الماديّة للحاسوب العملاق - أي المنشأة التي ستوضع فيها عشرات الآلاف من المعالجات والخوادم - سيُنشئها مقاول بديل ستختاره شركة "إتش بي" نفسها بالتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وفي الإطار، أوضح مصدر في الصناعات الأمنية أن هذا البند كان إشكالياً منذ البداية، لأنه "سلب الدولة إمكانية السيطرة على الجهة التي ستبني منشأة استراتيجية ذات أهمية وطنية". وبعد اندلاع الحرب، تبيّن أن هذا البند أصبح أكثر إشكاليّة. فكما يفسر المصدر - وهو مسؤول كبير سابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي - الأمر، فإنه "منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول (2023)، أصبحت هذه المنشآت على وجه التحديد أهدافاً للهجمات، وخاصة من إيران. وكانت الغالبية العظمى من الصواريخ والطائرات المسيّرة التي أطلقت على إسرائيل من إيران أثناء الحرب تستهدف منشآت استراتيجية من هذا النوع على وجه التحديد".
ومع ذلك، لا يمكن تغيير شروط المناقصة؛ إذ بعد عملية بحث طويل عن مقاول، اختارت "إتش بي" هذا الأسبوع شركة إسرائيلية خاصة لبناء المنشأة التي خسرت رافائيل المنافسة عليها منذ البداية. الأخيرة، وهي المتخصصة في تطوير وإنتاج الأسلحة المتقدمة بالتعاون الوثيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، تملك أنظمة وقدرات متقدمة لتأمين المنشآت وأمن المعلومات. وفي هذا السياق، يوضح مصدر مطلع على التفاصيل أنه على الرغم من الميزات التي تملكها رافائيل في حماية أمن المعلومات، لم يختر جيش الاحتلال الإسرائيلي و"إتش بي" الشركة الحكومية لأنها تعتمد البيروقراطية، وعليه، فضّلوا اختيار شركة ثانية خاصة.
"حروب فوق العالم الحسيّ"
إلى جانب الحاسوب العملاق الذي فازت "إتش بي" بمناقصته، يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تطوير وامتلاك نوع آخر وهو الحاسوب الكَمومي، لكونه وسيلة تعتمد على مبادئ ميكانيكا الكم وظواهره كالتراكب والتشابك الكمّي للقيام بمعالجة هائلة للبيانات. ففي حين تُقاس كمية البيانات في الحواسيب التقليدية بـ"Bit"، فإنه في الحاسوب الكمّي هذا تقاس البيانات بـ"Quantum bits".
وثمة دراسة أصدرها معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، العام الماضي، بعنوان "الحوسبة الكمومية: المستقبل هنا"، سلّطت الضوء على أهمية هذا الحاسوب الكمومي الخارق؛ حيث استثمر "البرنامج الوطني للعلم والتقنية" الإسرائيلي حتى العام 2020 نحو 1.5 مليار شيكل، بتمويل من "سلطة التطوير" و"المعهد لتطوير معدّات القتال في وزارة الأمن" بالتعاون مع شركات إسرائيلية ووزارات أخرى، في الحاسوب الكمومي. وبعد ذلك، كما تذكر الدراسة، صدّقت سلطات الاحتلال على ميزانية قدرها 115 مليون شيكل بغية تطويره.
للحاسوب المذكور خصائص وميزات عديدة كما أوردت الدراسة، التي تخلص إلى أن قدراته الهائلة تتجاوز العالم الحسي والتقنيات المنجزة إلى الآن؛ حيث بإمكانه معالجة البيانات بسرعة هائلة، وبطرق مختلفة المستويات والأبعاد بالتزامن. وعلى هذا الأساس، يوفّر الحاسوب قدرات عديدة في مجالات الأمن والصناعات العسكرية.
طبقاً للدراسة، فإن للحاسوب قدرة عالية على تشفير المعلومات وتخزينها بسرية تامة، فضلاً عن قدرته على نقل هذه المعلومات بسرعة فائقة من قواعد البيانات الضخمة إلى الخوادم الحسابية. تُضاف إلى ما تقدّم قدرته على كسر آليات التشفير لدى الأعداء بثوانٍ، وهو ما يُغير البُعد الرقمي في المعارك والحرب السيبرانية على نحو حاسم من المصفوفات الرقمية إلى تقنيات كمومية. فقد أصبحت آليات الاتصال الرقمي وأنظمة القيادة والسيطرة عرضة للاختراق أساساً، وبذلك تُحيّد ميزاته قدرة العدو على التنصت في المجالين العسكري والاستخباري.
إضافة إلى ما تقدّم، للحاسوب المذكور ميزات في ميدان المعركة، حيث تتوفر للحاسوب بواسطة توجيه موجات ليزر، مثلاً، قدرة على تقدير المسالك الأكثر أمناً للقوات المتقدّمة في محاور توغّلها، وبكلمات أخرى، يوفر الحلول بحساب متزامن لجميع المسارات المتاحة والمتغيّرات الكامنة وأفضلها. كما أن لديه قدرة على إنتاج سيناريوهات ومحاكاة معقدة وحلولاً لها، ما يجعل قدرة العقل البشري قاصرة عن تخيّل شكل الحروب مستقبلاً؛ المستقبل الذي قد تصبح فيه الإبادة التي ارتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين في غزة مستخدماً فيها أدوات وبرامج الذكاء الاصطناعي مجرّد عيّنة مُصغرّة.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك