هل يخطط ترامب لتدخل بري في اليمن؟

 
تتسارع الأحداث في ‏اليمن بعد الضربات الجوية الأميركية الأخيرة في صنعاء وصعدة والبيضاء وغيرها من المناطق اليمنية الأخرى- مستهدفةً أهدافًا عسكرية وأماكن قيادات حوثية- تسارعًا ‏يثير مخاوف اليمنيين من عودة الحرب مجدّدًا إلى بلادهم بعد التهديدات الحوثية والأميركية المتبادلة بمواصلة الهجمات ضد بعضهما البعض.
‏لقد أدّت الضربات الجوية الأميركية الأخيرة إلى مقتل العشرات من المدنيين اليمنيين من النساء والأطفال حسب المصادر الحوثية. لقد كان الحوثيون أكثر وضوحًا في موقفهم نحو الحرب الدائرة في غزة منذ بدايتها حينما بدؤُوا استهداف الملاحة الدولية التابعة لإسرائيل في منطقة البحر الأحمر، مؤكدين دومًا استمرار هذه الهجمات ما استمرّ نزيف الدم في غزة.
الآن يطالب الحوثيون-‏ بعد تعثّر عمليات وقف إطلاق النار في غزة ‏وتجويع إسرائيل أهالي غزة- المجتمع الدولي بالسرعة في إدخال المواد الغذائية والعلاجية إلى غزة مقابل وقف هجماتهم ‏في منطقة البحر الأحمر. ‏
‏لقد أمهلت القيادة الحوثية العالم- ‏قبل بدء هجماتها الأخيرة- أربعة أيام لإدخال المواد الغذائية إلى غزة وإلا استأنفت هجماتها في البحر الأحمر مستهدفةً الملاحة الإسرائيلية.
وبينما أكسب هذا الموقف الجريء تعاطفًا شعبيًا عربيًا وإسلاميًا حيال الحوثيين، يخشى الكثير من اليمنيين الخاضعين لسيطرة الحوثيين من مغبة هذا التصعيد ‏الأخير على وضعهم الإنساني المتأزّم أصلًا.
تداول اليمنيون مباشرة- بُعيد الهجمات الأميركية ‏الأخيرة ضد الحوثيين في صنعاء- فيديوهات لمواطنين يمنيين، ‏تعكس حجم الدمار والهلع الذي أصاب المدنيين في اليمن.
وعلى الرغم من التعاطف الشعبي اليمني العريض مع القضية الفلسطينية، فإنهم يرون أنفسهم أيضًا ضحايا ‏معاناة ومأساة إنسانية متفاقمة طالت لأكثر من عقد من الزمان، آملين في يوم ينعمون فيه بالأمن والأمان حتى يسير الراكب منهم من حضرموت إلى صنعاء لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه.
‏الأهداف الأميركية من هذه الضربات الجوية
‏تبدو الأهداف الأميركية واضحة المعالم من خلال هذه الضربات الجوية، إذ تريد من خلالها إيقاف الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وإظهار رسالة قوية، مفادها أن إدارة الرئيس الأميركي ترامب جادةٌ في بسط سيطرتها على هذه الرقعة المهمة في العالم، وكذلك إرسال رسالة قوية إلى إيران تحمّلها مغبة دعم الحوثيين في صنعاء.
وعلى الرغم من قوّة هذه الضربات الجوية الأميركية فإنه من غير المرجح أن تؤدي إلى انهيار النظام الحوثي في صنعاء الذي ظل متماسكًا لأكثر من 10 سنوات، قاوم خلالها الآلاف من الضربات الجوية المميتة دون أن تفلح في الإطاحة به.
مازال نظام جماعة الحوثي السياسي أكثر شبابًا وأقلّ اعتمادًا على أي قوة إقليمية أو دولية للحفاظ عليه، رغم التسليح والدعم العسكري الذي حصل عليه من دولة إيران.
كان الحوثيون يديرون طوال فترة الحرب اليمنية معاركهم بأنفسهم، رغم وجود عدد لا بأس به من الخبراء العسكريين الإيرانيين، ومن جماعة حزب الله.
وكذلك يعتمد الحوثيون اعتمادًا كبيرًا على أنصارهم وحاضنتهم الاجتماعية اليمنية في بسط الأمن وإدارة الدولة إدارةً صارمةً في مناطق سيطرتهم دون أدنى نفوذ يذكر من جهة خارجية.
لذا ستكون تكلفة الحسم العسكري ضد الحوثيين عالية جدًا، مقارنة مع ما حدث مع النظام السوري السابق لبشار الأسد. وعلى عكس بشار الأسد – الذي افتقد القدرة على امتلاك المبادرة السياسية والتعاطي تعاطيًا حقيقيًا مع المستجدات الإقليمية – فإن الحوثيين أثبتوا براعة في المناورات السياسية عندما استجابوا لمبادرات حسن النيات من قبل المملكة العربية السعودية، تعزّزت في استقبال سفير المملكة العربية السعودية في صنعاء، وكذلك في إرسال العديد من الوفود الحوثية للسعودية ‏للتفاوض في قضايا عديدة.
ولكن على الحوثيين ‏أيضًا إدراك خطورة مجابهة ‏إدارة حكم الرئيس الأميركي ترامب وما يترتب عليها من ‏أخطار جسيمة، كما فعلوا مع الرئيس بايدن في منطقة البحر الأحمر. ستكون ردة فعل ترامب أكثر عنفًا حيال الحوثيين-‏ حال استمرار هجماتهم في البحر الأحمر- مستهدفًا ‏المزيد من قدراتهم العسكرية وقياداتهم السياسية، وربما ضيّق الخناق الاقتصادي عليهم ‏كثيرًا، مما سيزيد المعاناة الإنسانية اليمنية لدرجة الانفجار.
كما لن تكون الحرب اليمنية – حال حدوثها – خاطفة أيضًا كما هو في الحالة السورية، ولربما فتحت الباب لبلقنة الصراع اليمني بلقنةً تهدد الأمن والاستقرار الإقليميين.

‏وستظل أيضًا رغبة إدارة الرئيس الأميركي ترامب ‏قائمةً في تقليص النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد خسارة ‏النظام الإيراني حلفاءَه في سوريا، وحزب الله في لبنان.
ويتساءل الكثيرون في الشارع اليمني حول مدى عودة الحرب لبلادهم مجدّدًا لإكمال حلقة استهداف حلفاء إيران في المنطقة، وذلك بإسقاط جماعة الحوثي.
لقد عاش اليمنيون‏ ‏كارثةً هي من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم جراء حرب طاحنةٍ دامت أكثر من سبع سنوات، وحصار اقتصادي خانق تجرع فيه اليمنيون ويلات الفقر والجوع والمرض وانقطاع مرتبات معظم موظفي القطاع الحكومي، بمن فيهم المدرسون والعاملون في قطاعات خدمية مهمة طيلة فترة الحرب تلك وحتى الآن.
ولكن ‏لا يبدو الرئيس الأميركي راغبًا في الوقت الراهن في إرسال قوات برية إلى اليمن للقضاء على جماعة الحوثي نسبة للكلفة العالية المادية والبشرية لذلك، وغياب مصالح إستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية في اليمن.
ربما لن يكون قرار عودة الحرب اليمنية مرة أخرى قرارًا يمنيًا خالصًا. ستعود الحرب متى ما قرّرت إدارة ترامب ضرورة ذهاب الحوثيين من حكم شمال اليمن؛ نتيجة لتماديهم في استهداف الملاحة الدولية أو استمرار هجماتهم ضد إسرائيل – في حال فشل جهود وقف الحرب الشاملة ‏في غزة.
وحينها ربما تتصاعد الضربات الجوية الأميركية والبريطانية ضد أهداف عسكرية إستراتيجية تحت سيطرة الحوثيين، بالإضافة إلى أهداف اقتصادية حيوية تستهدف تقويض ما تبقى من القوة الاقتصادية في مناطق سيطرة الحوثيين لتشجيع المزيد من السخط الشعبي ضد حكمهم.
وربما ‏تحاول ‏إدارة الرئيس الأميركي ترامب التنسيق بين القوى العسكرية اليمنية المناهضة للحوثيين في توجيه زحف بري متناسق من محاور شتى لإسقاط المحافظات اليمنية الواحدة تلو الأخرى حتى الوصول لمدينة صنعاء.
‏هل تقود الحكومة الشرعية اليمنية الحرب البرية ضد الحوثيين؟
سيحتاج اليمنيون لقيادة صلبة لها خبرة قتالية عميقة وسيطرة كاملة على قواتها القتاليّة، وذلك من أجل قيادة حرب خاطفة في اليمن تنهي السيطرة الحوثية في صنعاء.
تفتقد الحكومة الشرعية السيطرة الكاملة على قوات قتالية تحارب وتتحرك كسرعة الضوء لإحداث انهيارات مفاجئة ومتتالية في صفوف الحوثيين كما حدث في سوريا.
وكما تعلم حكومة العليمي ضعفها السياسي علمًا يقينيًا وتشتّت القوى العسكرية المنضوية تحت لواء المعارضة للحوثيين إلى شبه ثلاث قوى عسكرية متفرقة، لا يتمتع العليمي بأي صلاحيات مطلقة في أي منها.
فهنالك الجيش اليمني المرابط في مأرب والذي تميل قيادته العسكرية للتوافق مع التجمع اليمني للإصلاح- أكبر التيارات السياسية الإسلامية في البلاد- الذي قاد لواء المعارضة ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح في فترة الربيع العربي قبل تنازل الأخير عن الحكم وتحالفه الغريب مع الحوثي؛ انتقامًا من قوى الربيع اليمني بما فيها حزب الإصلاح.
وهنالك ‏أيضًا قوة عسكرية أخرى في منطقة البحر الأحمر تحت قيادة القائد العسكري طارق محمد صالح- ابن أخي الرئيس الراحل علي عبدالله صالح- الذي كان حليفًا قويًّا للحوثيين قبيل مقتل الرئيس صالح في نهاية العام 2017.
أما الطرف العسكري الثالث المناوئ للحوثيين، فيتمثل في القوة العسكرية المنضوية تحت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي، حيث تعمل هذه القوة العسكرية على تحقيق فعلي لانفصال الجنوب اليمني، واستعادة دولته قبيل الوحدة ‏اليمنية، الأمر الذي يثير قلقًا حقيقيًا في أوساط القوى السياسية الأخرى مثل التجمع اليمني للإصلاح.
وعلى الرغم من اشتراك هذه القوى الثلاثة في عدائها للحوثي، فإن التناقضات السياسية التي تجمعها حاليًا أكبر من عدوها الحوثي المشترك. وللأسف الكبير تفتقر الساحة اليمنية حاليًا لداهيةٍ سياسي محنك تجتمع عليه كل القوى العسكرية والسياسية المناوئة للحوثيين.
سيظل خيار أمر عودة الحرب خيارًا محتملًا إذا أساء الحوثيون استقراء واقعهم السياسي والتغيرات الإقليمية والدولية ‏في ظل إدارة الرئيس الأميركي ترامب، وعليهم أن يدركوا أن إيران لن ترسل أساطيلها البحرية أو جيوشها لحماية نظامهم، وهم الأبعد مسافةً من سوريا والأعلى تكلفة.
يأمل اليمنيون أن يستمع الحوثيون لصوت العقل والجلوس مع إخوانهم في الحكومة الشرعية اليمنية لتغليب الحكمة اليمنية من أجل سلام دائم وشامل وعادل في اليمن بدلًا من تصعيد الهجمات الحالية ودقّ طبول الحرب وسفك الدماء اليمنية.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط https://telegram.me/alyompress


كلمات مفتاحية:


اقرأ ايضا :
< السعودية : الهيئة العامة للنقل تكشف قيمة الغرامة على الشاحنات الأجنبية عند تكرار المخالفة
< العميد طارق صالح يعلق على الغارات الأمريكية على صنعاء وعدداً من المحافظات
< رسمياً .. البنك المركزي يعلن أسماء البنوك التي طلبت نقل مقراتها من صنعاء إلى عدن
< رئيس الوزراء "بن مبارك ": سنتخذ إجراءات لعدم الاضرار بالواردات الغذائية بعد العقوبات الامريكية
< سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار والريال السعودي في صنعاء وعدن لليوم الإثنين
< الحوثيون يتهمون أميركا بقصف السفينة المحتجزة "غالاكسي ليدر"
< الدفاع السورية تتهم حزب الله باختطاف وقتل 3 جنود

اضف تعليقك على الفيس بوك
تعليقك على الخبر

ننبه الى ان التعليقات هنا تعبر عن كاتبها فقط ولا يتبناها الموقع، كما ننبه الى ان التعليقات الجارحة او المسيئة سيتم حذفها من الموقع
اسمك :
ايميلك :
الحد المسموح به للتعليق من الحروف هو 500 حرف    حرف متبقى
التعليق :
كود التحقق ادخل الحروف التي في الصورة ما تراها في الصورة: