ودّعت الأوساط الفنية والشعبية في اليمن عصر الاثنين 8 سبتمبر 2025 الفنان الكبير محمد مشعجل، الذي رحل عن عمر ناهز 49 عاماً بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة نُقل على إثرها إلى مستشفى الغيضة المركزي في محافظة المهرة. وقد شكّل خبر وفاته صدمة عميقة لدى محبيه داخل اليمن وخارجه، لما يمثله من قيمة فنية وإنسانية عالية، جعلته رمزاً فنياً يتجاوز حدود منطقته ليصبح صوتاً لكل اليمنيين.
محمد مشعجل، أو كما عُرف بـ”سفير الأغنية المهرية”، لم يكن مجرد مطرب محلي يردد أهازيج تراثية، بل كان مشروعاً فنياً متكاملاً حمل على عاتقه رسالة ثقافية، فحافظ على التراث الغنائي للمهرة وأعطاه بعداً وطنياً جامعاً. كان صوته جسراً بين الأجيال، ينقل عبر نبراته الحنين والهوية والذاكرة، ويؤكد أن الفن قادر على أن يوحّد الشعوب حتى في أحلك الظروف.
محطات من حياته ومسيرته الفنية
• 1976: وُلد محمد بن مشعجل بن عويضان بن رعفيت، المعروف بـ”أبو أشجان”، في مدينة الغيضة بمحافظة المهرة، ونشأ في بيئة ثقافية غنية بالتراث البحري والبدوي.
• التسعينيات: بدأ يظهر شغفه بالغناء الشعبي في المناسبات المحلية، متأثراً بالأهازيج والأنماط الغنائية المهرية التي شكّلت هويته الفنية.
• 1998: انطلقت مسيرته الفنية بشكل احترافي بإطلاق أغنيته الشهيرة “الا يا طير يا طاير”، من كلمات الشاعر المهري محمد سالم عكوش، والتي حققت انتشاراً واسعاً وعرّفته بالجمهور اليمني والخليجي.
• 2000 – 2010: أصدر عدة ألبومات غنائية تعاون فيها مع أبرز شعراء وموسيقيي المهرة، وبدأت شهرته تتوسع في مختلف المحافظات اليمنية.
• 2011 – 2015: رسّخ مكانته كأحد أبرز رموز الأغنية الشعبية اليمنية، حيث كانت أعماله تُعرض في الإذاعات المحلية والقنوات الفضائية، وشارك في مهرجانات فنية داخل اليمن وخارجه.
• أبرز أغانيه: دمع العين، طال السفر، يا نور عيني، ياليل فيك أسرار، شاشة خيالي، يا مهاجر، العمر يمضي، ريم البوادي، وهي أعمال حملت رسائل عاطفية واجتماعية وثقافية جسدت روح المهرة واليمن.
• 2016 – 2020: لُقّب بـ”سفير الأغنية المهرية” بعد أن أصبح رمزاً للهوية الثقافية لمحافظة المهرة، حيث مزج بين الأصالة والتجديد ونجح في الوصول إلى جمهور واسع في الخليج.
• 2021 – 2024: استمر في تقديم أعمال جديدة رغم الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، مؤكداً أن الفن يمكن أن يكون نافذة أمل في وجه الحرب والمعاناة.
• 8 سبتمبر 2025: رحل عن الحياة بعد أزمة صحية مفاجئة، تاركاً إرثاً فنياً وإنسانياً سيظل باقياً في وجدان اليمنيين.
في بلدٍ أنهكته الحرب والانقسامات، جاء صوت محمد مشعجل ليذكّر اليمنيين بأن ثمة ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم. أغانيه كانت تبث الحنين إلى الوطن الكبير، تروي حكاية الناس البسطاء، وتعكس وجدانهم المشترك. حين كان يغني عن الشوق والاغتراب والحب، كان كل يمني يجد نفسه في كلماته ولحنه، من المهرة شرقاً إلى صعدة شمالاً، ومن تعز إلى عدن والحديدة.
لم يكن الفن بالنسبة له ترفاً، بل وسيلة للمصالحة مع الحياة، ونافذة يطل منها الناس على الجمال وسط ركام الحرب. ولذلك، لم يتردد محبوه في القول إن مشعجل لم يكن سفيراً للأغنية المهرية وحسب، بل سفيراً لليمن كله، بصوته العذب ورسائله الإنسانية. واليوم، برحيله، يخسر اليمن أحد أبرز وجوهه الثقافية التي أثبتت أن الفن يمكن أن يكون بديلاً عن خطاب الكراهية، وجسراً للتواصل بين القلوب.
رحل محمد مشعجل، لكن إرثه باقٍ، يذكّر اليمنيين بأن أوطانهم يمكن أن تتسع لكل ألوان الفن والثقافة، وأن الصوت الصادق لا يموت. سيظل صوته يردد في الأجيال القادمة: أن اليمن، رغم كل شيء، يملك من الجمال ما يكفي لأن ينهض من جديد.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك