أعاد تسليم إسرائيل منظومة الدفاع الجوي المتطورة "باراك إم إكس" إلى قبرص، الأسبوع الماضي، إشعال نقاشات ساخنة في أنقرة حول التوازنات العسكرية في شرق المتوسط.
فبحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، وصلت الشحنة الثالثة من هذه المنظومة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى ميناء ليماسول القبرصي، حيث أظهرت مشاهد مصورة شاحنات تنقل مكوناتها.
وتمثل المنظومة قفزة نوعية في قدرات الدفاع الجوي القبرصية، إذ تستطيع اعتراض الطائرات المسيّرة والطائرات المقاتلة والصواريخ المجنحة ضمن مدى يصل إلى 150 كيلومترا، بما يكفي لتشكيل "مظلة رقمية" تمتد إلى مساحات واسعة من جنوب تركيا.
الصفقة تأتي استكمالا لتعزيز قدرات نيقوسيا الدفاعية بعد حصولها سابقا على "القبة الحديدية" الإسرائيلية، في إطار تعاون عسكري متنام بين إسرائيل واليونان وقبرص.
ما موقف أنقرة؟
أوضحت وزارة الدفاع التركية، أمس الخميس، أن أنقرة تتابع واتخذت جميع الإجراءات اللازمة لضمان أمن وسلام جمهورية شمال قبرص التركية، في ظل أنباء إعلامية تفيد "بشراء قبرص الرومية منظومات دفاعية من إسرائيل".
وجاء ذلك في بيان رسمي عقب إحاطة إعلامية قدمها المتحدث باسم الوزارة، زكي أق تورك، في العاصمة أنقرة.
وأكدت الوزارة أنها تراقب عن كثب كل ما ينشر بشأن صفقة المنظومة الدفاعية، مشيرة إلى أن التسلح المتواصل من الجانب القبرصي والأنشطة التي قد تضعف السلام والاستقرار في الجزيرة "يمكن أن تفضي إلى عواقب خطيرة".
وأضافت أن جميع الجهود الرامية إلى تغيير الموازين القائمة في قبرص تخضعها أنقرة لمراقبة دقيقة، وأنها مستعدة لاتخاذ أي إجراء ضروري في مواجهة ما تعتبره تهديدا مباشرا.
كيف تنظر تركيا إلى نشر إسرائيل منظومة "باراك إم إكس" في قبرص؟
يرى المحلل السياسي أحمد ضياء جوكلاب، أن أنقرة تنظر إلى نشر المنظومة الإسرائيلية في قبرص باعتباره تهديدا إستراتيجيا يمكن أن يقوّض التوازن القائم في الجزيرة، ويمس مباشرة بالمصالح الأمنية التركية.
وأوضح، في حديث للجزيرة نت، أن ميزات المنظومة تمنح إسرائيل عمليا قدرة على مراقبة التحركات التركية في شرق المتوسط وتقييد حرية عملياتها العسكرية.
وأضاف أن انتقال قبرص من الاعتماد على أنظمة روسية قديمة إلى التسلح بأنظمة إسرائيلية – أوروبية حديثة، يقرأ في أنقرة كخيار سياسي إستراتيجي أكثر منه مجرد تحديث عسكري.
وأشار إلى أن أزمة صواريخ "إس-300" عام 1997 كشفت مدى حساسية تركيا تجاه أي خطط لتسليح قبرص، حيث رأت أنقرة في المنظومة الروسية آنذاك تهديدا مباشرا، ما دفع قبرص في نهاية المطاف إلى نقلها لليونان.
وأكد أن هذه الخلفية تجعل تركيا تنظر بجدية بالغة إلى منظومة "باراك إم إكس"، وتدرس خيارات رد متعددة تشمل الاحتجاجات الدبلوماسية، والإجراءات العسكرية الموازنة، والضغط على الساحة الدولية لتفادي تداعيات تقوّض وجودها الردعي في المنطقة.
هل تعتبر أنقرة الخطوة الإسرائيلية بمثابة اختبار أو استفزاز لرد فعلها، وفي أي سياق إقليمي تأتي هذه الخطوة؟
يرى جوكلاب أن أنقرة تنظر إلى نشر "باراك إم إكس" في قبرص في سياق يعكس تعزيز التحالف الثلاثي بين إسرائيل واليونان وقبرص.
وأوضح أن خطورة الخطوة لا تكمن فقط في القدرات التقنية للمنظومة، بل أيضا في ما تتيحه من قنوات استخباراتية وشبكات قيادة وسيطرة مشتركة، ما يعني اقترابا أكبر بين هذه الدول في البعد الأمني والدبلوماسي، وبما يشمل علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والناتو.
وأضاف أن التطورات الجيوسياسية في المنطقة، من تنافسات الطاقة في شرق المتوسط، إلى الشراكات البحرية واللوجستية، وصولا إلى التوترات الإسرائيلية-التركية، تجعل من هذه الصفقة جزءا من اصطفاف إقليمي أوسع يستهدف تقليص هوامش الحركة التركية.
ما الخطوات التي قد تتخذها أنقرة لمواجهة ما تعتبره تهديدا مباشرا لأمنها؟
تقول الخبيرة في السياسة الخارجية زينب جيزام أوزبينار، إن أنقرة تنظر إلى تسليم إسرائيل منظومة "باراك إم إكس لقبرص الرومية" باعتباره تهديدا مباشرا لأمنها القومي ولوجودها في شمال قبرص.
وأوضحت، في حديث للجزيرة نت، أن الخيارات الدبلوماسية أمام أنقرة تشمل توجيه مذكرات احتجاج رسمية لكل من قبرص وإسرائيل، وطرح القضية على جدول أعمال الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإبراز الطابع المهدد لهذه الخطوة، فضلا عن إثارتها داخل أطر حلف الناتو والاتحاد الأوروبي لتسليط الضوء على انعكاساتها على الأمن الإقليمي.
واعتبرت أن إثارة الملف في هذه المنابر الدولية تتيح لتركيا إضفاء شرعية أكبر على اعتراضها، وتوجيه الأنظار إلى ما وصفته بـ"سباق تسلح خطير في شرق المتوسط".
وعسكريا، تشير أوزبينار إلى أن تركيا ستسعى قبل كل شيء إلى تعزيز قدراتها الردعية، عبر تقوية منظومات الرادار والاستطلاع الإلكتروني على سواحلها الجنوبية وفي شمال قبرص، وتكثيف الدوريات الجوية والبحرية لإظهار حضور رادع دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة.
كما شددت على أن أنقرة قد تلجأ إلى الحرب الإلكترونية والإجراءات المضادة لتقويض فاعلية المنظومة الإسرائيلية، معززة في الوقت ذاته جاهزية قواتها في شمال قبرص من حيث اللوجستيات وسرعة التدخل.
إلى أي مدى يعكس هذا التطور تعزيز التعاون العسكري الثلاثي بين إسرائيل واليونان وقبرص؟
ترى أوزبينار أن تسليم "باراك إم إكس" يمثل مرحلة جديدة في مسار التحالف الثلاثي الذي يجمع إسرائيل واليونان وقبرص منذ سنوات.
وأوضحت أن هذا التعاون لم يعد مقتصرا على المناورات والتنسيق السياسي، بل أصبح يمتد إلى المجالات التكنولوجية والعملياتية، حيث إن المنظومة الإسرائيلية قادرة على الاندماج مع أنظمة الرادار والقيادة والسيطرة لدى الأطراف الثلاثة، مما يمنحها شبكة مراقبة وإنذار مبكر مشتركة.
وأكدت أن هذه الخطوة لا يمكن قراءتها بمعزل عن التوتر القائم بين أنقرة وتل أبيب، وعن السياسات اليونانية "المتشددة" في بحر إيجه، وكذلك عن امتعاض "قبرص الرومية" من الوجود التركي في شمال قبرص.
وبحسب أوزبينار، فإن المنظومة الجديدة تعكس محاولة واضحة للحد من حرية الحركة التركية في شرق المتوسط، وإيجاد مظلة ردع جماعية ضد أي تحرك عسكري تركي محتمل.
واعتبرت أن هذه التطورات تشير إلى أنه رغم تباين دوافع كل من إسرائيل واليونان وقبرص، باتوا يسيرون في اتجاه بلورة نهج إستراتيجي منسق ضد تركيا، الأمر الذي يعزز التوترات الإقليمية ويدفع أنقرة لإعادة تقييم خياراتها الدفاعية والدبلوماسية في المنطقة.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك