تُعد عملية "النداء القاتل"، المتفتقة عن العقلية الإسرائيلية الإجرامية، عملية أمنية بالغة التعقيد؛ حيث فجّر فيها الاحتلال آلاف أجهزة "البيجر"، ما سبَّب استشهاد مئات اللبنانيين من عناصر حزب الله، وإصابة الآلاف بينهم أطفال ونساء، في 17 و18 سبتمبر/أيلول من العام الماضي. ورغم ذلك، "لا تُقارن" التعقيدات التي رافقت تنفيذها بتلك التي سبقت عملية اغتيال الأمين العام للحزب الشهيد حسن نصر الله في 27 من الشهر ذاته، وفقاً لما أوردته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في تقرير مطوّل، اليوم الأحد.
التعقيدات الأساسية التي رافقت التحضير لاغتيال نصر الله كما توضح الصحيفة، تمثلت في أن عملاء جهاز "الموساد" الإسرائيلي، عملوا تحت قصف الطائرات الإسرائيلية على الضاحية، بينما كانوا مدركين أن ذلك قد يُعرض حياتهم للخطر. وطبقاً للتفاصيل التي أوردتها فإن التحضيرات للاغتيال دارت في ذروة الغارات الإسرائيلية على معاقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت؛ حيث تسلل عدد من عملاء "الموساد" إلى قلب حارة حريك حاملين رُزماً مموهة، مدركين أنه في حال أمسك بهم عناصر الحزب سيكون مصيرهم الموت، وأنه لو تكشف أمر الأجهزة التي أخفوها داخل الرزم للحق بإسرائيل ضرر أمني جسيم.
وهكذا، تسلل العملاء عبر الأزقة الضيقة في الضاحية، بعدما نسّق ضابط "الموساد"، الذي أرسلهم لتنفيذ المهمة، حركتهم مع سلاح الجو الإسرائيلي حتّى لا يقصف الأخير المسار الذي سلكوه للوصول إلى مبنى سكني شاهق، يقع أسفله مقر القيادة الرئيس والسري لحزب الله. في غضون ذلك، كانت المعلومات الاستخبارية التي وصلت إلى وحدة 8200 وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) في تلك الأيام، تشير إلى أنّ نصر الله، حدّد المقر بوصفه مكاناً لعقد اجتماع مع قائد "فيلق قدس" الإيراني في لبنان، الجنرال عباس نيلفروشان، ومع قائد الجبهة الجنوبية لحزب الله، علي كركي، الذي صُنف وريثاً محتملاً للقيادة. وكان مفترضاً بحسب الصحيفة، أن يلتقي الثلاثة في المقر الذي لا يعرف بحقيقته إلا قلّة قليلة من عناصر أمن حزب الله ودائرة مصغّرة جداً من قيادة الأخير، والأشخاص الذين كان مصرّحاً لهم الاقتراب من الموقع.
الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله
أمّا بالنسبة إلى عناصر "الموساد" فكانت مهمتهم تقتضي التسلل إلى المبنى الواقع فوق المجمع السرّي تحت الأرض، بهدف زرع الأجهزة التي حملوها معهم في مواقع معيّنة حُددت بدقة. وطبقاً للصحيفة، فإن العملاء قدّروا أن احتمال عودتهم سالمين هو 50% والسبب أنه حتّى لو لم يقبض عناصر الحزب الذين انتشروا في تلك المنطقة عليهم، فإن احتمال أن يُصابوا بشظايا القصف الجوي كان عالياً. وكما تدعي الصحيفة فإنه، قبل انطلاقهم لتنفيذ المُهمّة دار بينهم وبين المشغّل المسؤول عنهم جدل حاد؛ حيث طالبوا بوقف الغارات الكثيفة التي هزّت الضاحية خصوصاً حارة حريك، لكن مشغلهم أقنعهم بأن مصلحتهم الأمنية تقتضي العكس تماماً، باعتبار القصف سيدفع عناصر أمن حزب الله إلى الاختباء ما سيسهل عليهم الوصول إلى المكان الخاضع لحراسة مشددة. وعندئذٍ وافقوا على تنفيذ المهمة، التي تكللت بالنجاح؛ حيث زرعوا الأجهزة وخرجوا سالمين.
ما الذي زرعه العملاء في المقر السري؟
على حدِّ زعم الصحيفة، فإن المعدات التي جلبها عملاء "الموساد" معهم إلى المنطقة تُشابه "قصص الخيال العلمي"؛ وبحسبها، فإن الأجهزة طوّرت في العام 2022، حيث أدرك "الموساد" أن ثمة حاجة إلى جهاز يضمن تحقيق هدف الضربات الدقيقة في أعماق متفاوتة. والسبب لم يكن مقتصراً على العمل الأمني في لبنان، وإنما بسبب انخراط "الموساد" في جهود إحباط البرنامج النووي الإيراني وتدميره.
وفقاً للصحيفة فإن من أسهم في تطوير هذه المعدات كان قسم تطوير الوسائل القتالية في وزارة الأمن الإسرائيلية، إلى جانب عناصر من الاستخبارات وخبراء في التكنولوجيا. كما شارك معهم سلاح الجو الإسرائيلي، وشركتا الصناعات العسكرية "رفائيل" و"إلبِيت"، اللتان عملتا على تطوير قدرة خاصة على التوجيه الدقيق والاختراق العميق للذخائر التي كان مفترضاً أن يُلقيها الجيش الإسرائيلي على المواقع التي وُضعت فيها هذه الأجهزة.
وفي هذا الصدد، تشير الصحيفة إلى أن دقة إصابة الذخائر في أرض الضاحية الجنوبية لبيروت كانت مسألة محورية، والسبب أن طبيعة الأرض صخرية، ما يعني أنه حتى قنبلة تزن طناً كاملاً، إن لم تصب مسار النفق الذي ينتهي في مكان الاجتماع بدقة متناهية أو انحرفت عنه حتى بمتر واحد، فقد تفشل في تحقيق الهدف المنشود. وفي سيناريو كهذا، فإن الأشخاص المجتمعين في الداخل قد يُصابون فقط، من دون أن يُقتلوا.
زرع عملاء الموساد تلك الأجهزة مسبقاً في الضاحية، في المكان الذي حددته شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) بوصفه موقعاً للقاء نصر الله ومستشاريه، وهو ما مكّن من اغتياله في نهاية المطاف؛ إذ في الساعة 18:20 من مساء يوم 27 سبتمبر/أيلول، ألقت عشر طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي 83 قنبلة تزن كل واحدة منها طناً، على المنطقة التي كانت تضم المقر القيادي السري العميق تحت الأرض.
في عملية الاغتيال شاركت طائرات "F-15I" (المعروفة باسم البرق)، والتي تُعد جزءاً من "سرب المطارق"، إلى جانب طائرات "F-16I" (المعروفة باسم العاصفة)، حيث ألقت هذه الطائرات قنابل BLU-109 أميركية الصنع، والتي يُطلق عليها في سلاح الجو اسم "بَرَد ثقيل". وقد زُوِّدت هذه القنابل بمنظومة توجيه دقيقة نحو الهدف، بالإضافة إلى نظام التوجيه عبر GPS الذي كان جزءاً من منظومة أقلمتها (تجانسها).
وعلى الرغم من أن خطة سلاح الجو اقتضت استخدام نصف العدد من القنابل التي ألقيت في النهاية، نظراً إلى دقة منظومات التوجيه والقدرة العالية على الاختراق، أصر وزير الأمن آنذاك يوآف غالانت، على مضاعفة عدد القنابل لضمان عدم خروج نصرالله حياً، في العملية التي اغتيل فيها إلى جانب كركي ونيلفروشان، ونحو 300 آخرين، معظمهم من مقاتلي الحزب الذين كانوا في المنطقة ومحيطها، بحسب الصحيفة، التي تشير إلى أن اغتيال الأمين العام "حسم تقريباً الصراع مع الحزب".
عقب اغتيال أمينه العام، رد الحزب بعملية "خيبر" تيمناً بالمعركة التي تقول الروايات التاريخية إن المسلمين هزموا فيها القبائل اليهودية التي استوطنت شبه الجزيرة العربية في زمن النبي محمد. وأطلق الحزب صواريخ وطائرات مسيّرة انقضاضية، وصواريخ مضادّة للدروع على إسرائيل.
وبموازاة ما سبق، عيّن مجلس شورى حزب الله رئيس مجلسه التنفيذي هاشم صفي الدين، خلفاً لنصر الله. ولم يمضِ أسبوع واحد فقط، حتّى اغتالته إسرائيل بالطريقة ذاتها في 4 أكتوبر/تشرين الأوّل، ليخلفه نعيم قاسم.
اغتيال نصر الله، الذي تعتبره إسرائيل وفقاً للصحيفة "إنجازاً غيّر وجه الشرق الأوسط"، كان بحسبها نتيجة للمزج بين إدارة إسرائيلية أمنية واستراتيجية دقيقة، وبين أخطاء قاتلة ارتكبها نصرالله منذ 8 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، أي اليوم الذي تلا هجوم "طوفان الأقصى"، والذي حدده الحزب فاتحةً لما أسماه "جبهة الإسناد".
رسالة من رئيس الموساد
بحسب الصحيفة، فإن الطريقة التي عمل بها الجيش الإسرائيلي، و"الموساد"، بالاتساق مع المستوى السياسي لإزالة "التهديد الوجودي" الذي شكّله حزب الله، بما يشمل منظومة الصواريخ والطائرات المسيّرة الكبيرة التي بناها، "ستُدرّس بلا شك لسنوات طويلة في الكليات العسكرية والمعاهد الاستراتيجية". وطبقاً لما أوردته فإن القرار الأول الذي اتُّخذ في إسرائيل، تمثل في الواقع برفض اقتراح غالانت ورئيس الأركان آنذاك، هرتسي هليفي، اللذين طلبا بالفعل بعد ثلاثة أيام من "طوفان الأقصى"، شن هجوم على حزب الله، واغتيال نصر الله، وإحباط أكثر من 130 ألف صاروخ وقذيفة وطائرة مسيرة انقضاضية، شكلت "تهديداً وجودياً" للجبهة الداخلية الإسرائيلية.
في أغسطس/آب 2024، تلقى نتنياهو رسالة من رئيس "الموساد" طالب فيها الأخير بشن هجوم شامل على لبنان في موعد أقصاه أكتوبر/تشرين الأول 2024، أي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية.
قام اقتراح غالانت وهليفي على التخلّص أولاً من التهديد الأخطر المتمثل بحزب الله، ومن ثم التفرّغ لحماس، التي كانت قدرتها على إطلاق الصواريخ أقل بكثير من قدرات الأوّل. فضلاً عن ذلك، فإن هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، و"الموساد"، وسلاح الجو، كانوا قد حضّروا مسبقاً خططاً عملياتية مفصلة لضربة جوية وبرية قاسية ضد حزب الله قُدّر أن من شأنها "تحييد معظم التهديدات خلال أسبوع إلى أسبوعين". أما بالنسبة لغزة، فكانت الخطط لا تزال قيد الإعداد والتحضير، باعتبار أن الهدف المنشود هو إزالة قدرات حماس العسكرية والسلطوية.
في مواجهة هليفي وغالانت، وقف رئيس "الموساد" ديفيد برنيع، وأعضاء الكابينت الجدد، رئيسا الأركان السابقان، بيني غانتس، وغادي آيزنكوت اللذان كانا قد انضما إلى حكومة الطوارئ بقيادة، بنيامين نتنياهو؛ حيث أصر هؤلاء على أنه ينبغي أولاً مهاجمة حماس بكل قوة، لأنها كانت لا تزال تطلق صواريخ على إسرائيل، وتحتجز 251 أسيراً، وكانت مجهزة بمنظومة دفاع فوق الأرض وتحتها، بينما حزب الله لم يفتح سوى "معركة محدودة"، ولم يشن هجوماً شاملاً.
رؤساء الأركان السابقون، ووزراء آخرون في الكابنيت، رأوا في ذلك الحين أنه بعد الإخفاق الذي تعرض له الجيش الإسرائيلي، ينبغي التحرك تدريجياً؛ باعتبار أن الهجوم الكبير على حزب الله في أكتوبر/تشرين الأوّل 2023 سيفضي إلى تدخل إيران في الحرب بآلاف الصواريخ الباليستية، ومن ثم اندلاع حرب إقليمية كبيرة، من شأنها إنهاك الطبقات الدفاعية الإسرائيلية بشكل خطير. وما تقدم، اتسق مع موقف الإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس السابق جو بايدن؛ حيث طالبت أيضاً بتفادي حرب إقليمية كانت قد تضطر الجيش الأميركي إلى التدخل المباشر.
على خلفية ما سبق، اتخذ نتنياهو القرار، في اللحظة الأخيرة، بينما كانت الطائرات الحربية في الجو، بالاكتفاء بردع الجبهة اللبنانية، وتركيز الجهود العسكرية على حماس. وعليه استدعيت الطائرات الحربية، المحمّلة بجميع أنواع الذخائر، للعودة إلى قواعدها. مرت عشرة أشهر، وفي أغسطس/آب 2024، تلقى نتنياهو رسالة من رئيس "الموساد" طالب فيها الأخير بشن هجوم شامل على لبنان في موعد أقصاه أكتوبر/تشرين الأول 2024، أي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفقاً للصحيفة، رأى برنيع أن فترة الانتخابات ستشهد دعم بايدن، والرئيس الحالي دونالد ترامب، وكبار قادة حزبيهما لعملية هجومية إسرائيلية قوية على الجبهة الشمالية، بينما بعد الانتخابات، في حال فازت المرشحة الديمقراطية ونائبة بايدن في حينه، كامالا هاريس، يتوقع أن تواجه إسرائيل معارضة لذلك. ومن ثم رأى برنيع أنه من الأفضل استغلال الفرصة لتوجيه ضربة حاسمة إلى حزب الله في ظل شرعية حزبية أميركية مزدوجة.
في رسالته، أكد برنيع أن الجيش الإسرائيلي نجح في تفكيك كتائب حماس وألويتها العسكرية في قطاع غزة، حتى وإن لم يُقض عليها بالكامل، موضحاً أنه ليس بالإمكان الاستمرار في وضع إخلاء عشرات الآلاف من مستوطنات الجليل والشمال، وأن الجيش قادر على تحقيق إنجازات استراتيجية ضد حزب الله، قد تؤدي عملياً إلى تحييده، خصوصاً بعد بلوغ "أمان" و"الموساد" أقصى قدراتهما في جمع المعلومات وتنفيذ العمليات الأمنية الإجرامية. وبالفعل، بعد رسالة برنيع، قرر نتنياهو في 12 سبتمبر/أيلول 2024 تحويل القوات من غزة إلى الشمال.
وفي السياق، حددت الصحيفة حادثة سقوط صاروخ على مجدل شمس في هضبة الجولان المحتلة- والذي أودى بحياة 12 طفلاً سورياً في ملعبٍ لكرة القدم، اتهمت إسرائيل حزب الله بإطلاقه، وهو ما نفاه الأخير- بأنه اليوم الذي قرر بعده الجيش الإسرائيلي القضاء منهجياً على كل القادة الذين كان نصر الله يعتمد عليهم، وفي مقدمتهم فؤاد شُكر الذي كان "اليد اليُمنى لنصر الله". اغتيال شكر حرم الأخير، من البوصلة العملياتية، وأجبره على اتخاذ القرارات وحده، بحسب ادعاء الصحيفة.
لاحقاً، اغتال الجيش الإسرائيلي معظم قيادات الصف الأول في حزب الله، وصولاً إلى عملية "نظام / ترتيب جديد"، التي اغتيل فيها نصر الله نفسه. بالتوازي، استهدف الجيش الإسرائيلي بشكل منهجي خلايا الصواريخ المضادة للدروع التابعة لحزب الله، ومنصات إطلاق الصواريخ التي كانت مكشوفة فوق الأرض، ما أسقط عدداً كبيراً من الشهداء في صفوف الحزب، إلى جانب عملية "البيجر" التي أصابت آلاف المقاتلين.
اغتيال القادة أدى إلى إرباك كبير في قدرات القيادة والسيطرة لدى حزب الله، بحسب ما ترجح الصحيفة، والسبب كما تعزوه لأنه "كان يعاني بالفعل حالة هلع، بدءاً من صفوف المقاتلين وصولاً إلى مستويات القيادة المتوسطة"، مشددة على أن "السرعة والكثافة التي رافقت عملية تصفية القيادة كانت عنصراً أساسياً في مضاعفة تأثير حالة الهلع والإرباك"، وهو ما حال عملياً دون قدرة الحزب على استبدال سريع للقيادات.
اللحظة الأخيرة مجدداً
تزعم الصحيفة أن إسرائيل كادت أن تفوّت فرصة اغتيال قائد حزب الله، مشيرة إلى أنه عندما وصلتها "معلومة ذهبية" تفيد بأن نصر الله يعتزم الاجتماع بمستشاريه يوم الجمعة في أحد الملاجئ السرية، انقسمت آراء القيادة السياسية-الأمنية العليا في إسرائيل. وبحسبها فإن هليفي وغالانت أيّدا تصفية نصر الله، ولكنهما شددا على ضرورة تنسيق الأمر مع الولايات المتحدة، باعتبار أن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد الجبهة الشمالية بما قد يؤدي إلى انضمام سورية وإيران، واندلاع حرب إقليمية. لكن تنسيقاً كهذا كان من شأنه أن يُلغي عملياً إمكانية تنفيذ الاغتيال، لأن الرئيس الأميركي وفريقه كانوا يعارضون أي خطوة قد تؤدي إلى حرب شاملة.
على المقلب الآخر، طالب رئيس "الموساد" وآخرون في الكابينت المصغر بتنفيذ عملية الاغتيال، من دون التنسيق المسبق مع بايدن وإدارته. من جهته، "تردد نتنياهو، ولم يحسم أمره، ممتنعاً عن اتخاذ قرار واضح"، على حد زعم الصحيفة، التي أشارت إلى أن التداول في قرار الاغتيال دار في ساعات الليلة التي سافر غداتها نتنياهو إلى الولايات المتحدة للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي ساعة مبكرة من الصباح (بتوقيت القدس)، وخلال رحلته بالطائرة، اتخذ نتنياهو القرار بتصفية نصر الله، بناءً على معلومات استخبارية أشارت إلى أن هذه الفرصة قد لا تتكرر.
في البداية، اتصل نتنياهو بأحد قادة المنظومة الأمنية، الذي لم تحدد الصحيفة اسمه أو هويّته، وأمره بتنفيذ عملية الاغتيال، إلا أن هذا القائد طالب بأن يُتخذ القرار بطريقة رسمية. ولدى وصول نتنياهو إلى نيويورك، أجرى مشاورات هاتفية من فندقه مع قادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل بحضور عدد من الوزراء، وعندها اتخذ القرار النهائي بتنفيذ الهجوم.
الخدعة التي أطاحت حسنَ نصر الله
لعبت الخديعة الإسرائيلية التي خطط لها قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي، دوراً حاسماً في الخسائر الجسيمة التي تلقاها حزب الله، بحسب الصحيفة؛ إذ إنه حتى بعد عمليتي أجهزة "البيجر" وأجهزة الاتصال اللاسلكي اللتين نُفذتا في 17 و18 سبتمبر/أيلول من العام الماضي "لم يدرك نصر الله أنّ إسرائيل بدأت فعلياً هجوماً شاملاً ضد حزبه"، وهو ما أظهره في تمسكه بـ"معادلة الردع"، التي حكمت الصراع بين الحزب وإسرائيل.
أمّا سبب الالتباس الذي اختلطت فيه الأمور على الحزب وقائده فعزته الصحيفة إلى أن الجيش لم ينفذ ضربة واحدة مستمرة وشديدة، بل قسّم الهجوم على حزب الله إلى مراحل متعددة، بدءاً من اغتيال شكر في يوليو/تموز، مروراً بعمليتي "البيجير" وأجهزة الاتصال اللاسلكي، ثم اغتيال قادة "الرضوان"، وصولاً إلى شن عملية "سهام الشمال" التي استهدفت ترسانة الحزب الصاروخية، ومن ضمنها الصواريخ الدقيقة التي هددت البنية التحتية الحيوية لإسرائيل.
وعلى الرغم من اغتيال إسرائيل لقادة قوة "الرضوان"، وعلى رأسهم قائد الأخيرة، إبراهيم عقيل، ظل نصر الله متمسكاً بسقف دون الحرب الشاملة، وأمر باستهداف مستوطنات حدودية باعتبارها أهدافاً مدنية لأن اغتيال قادة "الرضوان" استهدف مبنى سكنياً في الضاحية.
استراتيجية "معادلة الردع" التي اعتمدها نصر الله كانت انعكاساً لنظرية "بيت العنكبوت" التي تقوم على الادعاء القائل إنه "رغم أن إسرائيل قوية عسكرياً، لكنها منهكة من الحروب، ومجتمعها المدني فاقد للرغبة في الصمود أو القتال". وبحسب الصحيفة فإن نصرالله لم يكن مخطئاً في ذلك، والسبب أن استراتيجية "الاحتواء" التي اتبعتها إسرائيل منذ عدوان تموز 2006، وفي غزة أيضاً "عززت لديه هذه القناعة ورسخت نظريته".
وتفترض الصحيفة أن نصر الله "اعتقد أن إسرائيل لن تجرؤ على شن حرب تدميرية شاملة ضد حزبه، وبالتأكيد لن تجرؤ على استهدافه شخصياً، خوفاً من أن يرد الحزب بوابل من عشرات الآلاف من الصواريخ والطائرات المسيّرة". ولفتت إلى أن "الثقة بالنفس لدى نصر الله تعززت لأن المحور الذي كان جزءاً منه، نظر إليه باعتباره المحرك الأساسي في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد اغتيال قائد فيلق قدس، قاسم سليماني".
وتعليقاً على ما سبق، قال مصدر رفيع في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي إنه "منذ اغتيال سليماني، بات نصر الله قائد المحور بأكمله في كل ما يتعلق بالحرب ضد إسرائيل، بما يشمل الحوثيين في اليمن، والمليشيات الشيعية في العراق، وحتى فيلق القدس في سورية ولبنان".
اغتيال نصر الله لا يُغلق الدائرة
على الرغم من أن اغتيال نصر الله شكّل بوصف الصحيفة "نقطة تحوّل مهمة في الحرب"، توصي شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) بـ"عدم الاستهانة بخليفته نعيم قاسم، القادر على قيادة الحزب ورسم السياسات"، كما يشير ضابط رفيع المستوى في الاستخبارات.
وفي السياق، تلفت الصحيفة إلى أن "حزب الله خسر حلفاءه الرئيسيين، وجزءاً من قاعدته الشعبية بسبب الحرب". بموازاة ذلك، يواجه مطالبات بنزع سلاحه، يقابلها بالرفض. ورغم أنه قد أبدى استعداده لنزع سلاحه في جنوب لبنان لكنه "في شمال نهر الليطاني، لا يزال حزب الله يحتفظ بوجوده، ولديه كمية لا بأس بها من الصواريخ والطائرات المسيرة التي يمكنه استخدامها ضد إسرائيل". ولذلك "لا يزال يُعدّ طرفاً لا يمكن تجاهله"؛ إذ تخلص الصحيفة إلى أن "قصة نصر الله انتهت، لكن قصة حزب الله لم تنته بعد".
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك