دفعني إلى ذلك ما كتبه بعض الفضلاء وطالب فيما كتب الشباب المتدين بالإنشغال بالنهضة والتقدم الحضاري والتفوق الصناعي والمادي بدل الإنشغال بحكم الدين في الموسيقى والغناء واللحية والبنطال ونحوها .
ولعله كان يريد نقد إغراق بعض المتدينين في بيان أحكام ذلك والاقتصار عليه دون بيان ما يجب على الأمة من فروض عينية وكفائية في مجال التقدم والنهضة ، فأقول :
إن التقدم المادي والنهضة الحضارية لن يتحقق في الأمة بترك بيان حكم الإسلام في هذه القضايا ونحوها والعمل بذلك العلم فها هي أمة العرب والمسلمين في جملة نخبتها وحكامها تركوا هذه المسائل وتركوا ما هو أعظم منها علما وعملا ، وتحكموا في إدارة البلدان و حكموا وتسلطوا على الشعوب فلا دينا أقاموا ولا دنيا قدموا ولا نهضة حققوا ولا تقدما أنجزوا.
تعددت مشاربهم الفكرية تقدمية ويمينية ويسارية وقومية و علمانية وإسلامية مدعاة ، وتنوعت أشكال دولهم بسيطة وفيدرالية وافترقت نظم حكمهم رئاسية وبرلمانية و ملكية فردية ودستورية .
وطال بهم الأمد في حكمهم وتمددت الشعوب أمامهم ونامت على نغمات أخبارهم وعبارات خطبهم واستحوذوا على ثروات ومقدرات الأمة ما ظهر منها وما بطن ووو ... الخ .
فما صنعوا إبرة فضلا عن علبة أما صنعاة طيارة فدونه خرق القتاد ، وإنما انحصرت نهضتهم التي تغنوا بها في كل محفل في عقود مشاريع تنفيذية لشركات أجنبية ، أو صناعات تحويلية مادتها وعلبتها وغلافها ومكينتها وخبير عملها و مستوردة على خلاف قواعد الطلب و الإستيراد والاستهلاك مما يجعلنا أن ندرك أن النهضة الحضارية والتقدم الصناعي والمادي ليس مشروطا بدين ، لا بدين الإسلام ولا بغيره من الأديان وإنما جعل الله له أسبابه وشرائطه المادية الخلقية الكونية القدرية من أخذ بها وصل ومن تركها انقطع ، فها هي دول العالم المتقدمة والناهضة لما أخذت بهذه الأسباب والشرائط حققت بغيتها من ذلك رغم تباين تلك الدول دينيا وفكريا وسياسيا وإداريا .
فنهضت الصين الشمولية الشيوعية البوذية ونهضت أمريكا الليبرالية الرأسمالية البروستنتاتية ، ونهضت الهند الديمقراطية الفيدرالية الهندوسية ونهضت روسيا الاتحادية المتحولة ديمقراطيا الأرذوذكسية ونهضت سويسرا المترسخة ديمقراطيا المتعددة إثنيا .
ونهضت بريطانيا .....الملكية وفرنسا ....الجمهورية ، و إسرائيل اليهودية ، وإيران الشيعية .....
إذن النهضة المادية الحضارية لا دين ولا نظام ولا دولة ولا فكر لها ، وإنما هي منتج لقانون وسنة الله (الأسباب والمسببات ).
إلا أن دين الإسلام تميز وتفوق لأنه دين الحق بالدعوة إلى النهضة والحضارة بخلاف الأديان الأخرى التي جعلت بينها وبين النهضة الحضارية تعارضا وتصادما لا ينفك إلا بترك أحدهما.
كما أن النهضة والحضارة المادية المنفكة عن الإسلام رغم خدمتها للبشرية في جوانب كثيرة من دنياها إلا أنها أخفقت في إسعاد البشرية بل وظفت كثير من منتجاتها في صراع و دمار و شقاء البشرية وطمس قيمها و تخبطها في تيه عبودية المادة والشرود عن الله .
بينما الإسلام مع دعوته للعلم والعمل والنهضة والحضارة جاء بشرائع وأحكام تجعل أعمال البشر ونهضتهم توظف في خير ونفع البشرية في أولاهم وأخراهم.
إلا أن جملة المسلمين نتيجة لعقود التخلف والإنحطاط والتآمر والاستعمار تخلفوا عن النهضة مخالفين في ذلك دينهم بتركهم السنن الكونية التي أمرهم بها و أخذ بها غيرهم.
فأجزم لو أنا حلقنا اللحى ولبسنا الجينز ورقصنا الديسكو وغنينا على عود الشرق أو هززنا رؤوسنا على نغمات بيانو الغرب الليل والنهار فلن نلحق بركب الحضارة.
كما أنا لو اقتصرنا على الصلاة والصيام وإطلاق اللحى وتقصير الثياب و غيرها من شعائر الإسلام التعبدية دون الأخذ بالسنن القدرية المادية للنهضة التي أمرنا بها ديننا فلن نلحق أيضا بالركب.
وما أكثر أن نرى لابسي الجينز المشدود أو الثوب القصير المتخلفين ماديا وحضاريا وصناعيا وإداريا وسياسيا ، فالعبرة باﻷخذ بالسنن والنواميس الكونية والعلمية والمادية.
وإسلامنا يأمرنا بذلك وتمسكنا به يدفعنا لذلك ويرشده ويوظفه في الخير والنافع لجميع البشرية بثوبها القصير وجينزها المخرق.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك