ربما يتساءل البعض: ما هي الفوائد التي تجنيها روسيا من الدفاع المستميت عن بشار الأسد ونظامه، وهو رئيس منبوذ حطم بلاده وقتل شعبه؟
يضاف إلى التساؤل أن سورية ليست دولة غنية بالثروات الطبيعية، حتى يمكن القول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينظر إلى المستقبل ويأمل يوماً ما باستغلال هذه الثروات حينما تستقر البلاد.
في الواقع، هذا صحيح، فإن سورية ليست دولة غنية بالثروات الطبيعية، حيث لا توجد بها كميات كبيرة من النفط والغاز مثلما هو الحال في العراق أو إيران أو دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن السر وراء هذا الدعم الامحدود يكمن في موقع سورية الجغرافي واستراتيجية الطاقة الروسية.
ويحلم الرئيس بوتين منذ وقت طويل بقدم نفوذ في المنطقة العربية الغنية بالنفط والغاز وتهدد مركزها في أسواق الطاقة العالمية.
وحانت الفرصة لبوتين، حينما بدأ أوباما تنفيذ سياسة الانسحاب من المنطقة وفتح المجال أمام روسيا للتدخل عسكرياً وإنشاء قاعدة والتنسيق مع إيران في ضرب المعارضة ودعم بشار الأسد، الذي بات لا يملك شيئاً يؤهله للحكم.
من منطلق الموقع الاستراتيجي والحفاظ برئيس لا حول ولا قوة له مثل الأسد، صالح للاستخدام، يجد بوتين ضالته في تحقيق استراتيجية الطاقة التي يعمل على تنفيذها منذ سنوات، والمتمثلة في السيطرة على الطاقة وأسواقها وربما أسعارها.
وتعد مداخيل الطاقة، بمثابة العصب الحي لبقاء الدولة الروسية التي تتشكل من قوميات عرقية وتتنازعها القلاقل الداخلية، وبالتالي فإن روسيا، على الرغم من أنها قوة عسكرية ضاربة وصاحبة ترسانة ذرية ضخمة، لكنها من الناحية الاقتصادية دولة ضعيفة تقنياً وتملك اقتصاداً ناشئاً يعتمد بنسبة كبيرة على مبيعات الطاقة وصادرات الأسلحة.
وتشكل صادرات النفط والغاز الطبيعي حوالى 40% من الدخل الروسي، وذلك حسب تقرير نشرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ويأمل بوتين من خلال تحكمه بسورية، السيطرة على صناعة الطاقة العالمية وأسواقها وتحديد أسعارها في المستقبل، أو على الأقل التأثير على منافسيه في المنطقة، عبر النفوذ السياسي والعسكري المباشر وغير المباشر.
من منطلق هذه الاستراتيجية واستخدامها في النفوذ والتأثير يمكن فهم استماتة الرئيس بوتين في بقاء الأسد عبر التنسيق مع إيران.
ويمكن النظر إلى الاستراتيجية الروسية بناء على النقاط التالية:
أولاً: التأكيد على عدم وصول الغاز الطبيعي من المنطقة الغنية بالهيدروكربونات إلى الأسواق الأوروبية، وبالتالي الحفاظ على حصص مبيعات شركات الطاقة الروسية في كل من أوروبا والصين.
في هذا الصدد يلاحظ أن بوتين يتخوف من تزايد حصص نفط المنطقة العربية في كل من أوروبا والصين على حساب الشركات الروسية. وقد وجدت الشركات الروسية خلال الثلاثة أعوام الماضية منافسة شرسة من شركات: أرامكو السعودية وشركة النفط العراقية وحتى من حليفتها إيران حينما وُقّع الاتفاق النووي.
وهذه المنافسة تزعج موسكو كثيراً، خاصة في أسواق أوروبا الشرقية التي كانت حكراً على النفط الروسي، وكذا في الصين التي ترغب روسيا في تقوية علاقاتها السياسية والعسكرية معها عبر اتفاقات الطاقة الضخمة التي وقعتها قبل عامين، وكذلك دول الاتحاد الأوروبي التي تستخدم موسكو معها "دبلوماسية الغاز" في التأثير على قراراتها السياسية.
وحسب موقع قناة روسيا اليوم، فإن استراتيجية بوتين للطاقة حتى عام 2030، تعتمد على زيادة كميات إنتاج النفط والغاز الطبيعي إلى حوالى 535 مليون طن من النفط و940 مليار متر مكعب من الغاز.
ويتطلب تمويل هذه الاستراتيجية 2.8 ترليون دولار، منها 590 مليار دولار لتطوير قطاع الغاز، كما تتطلب الاستراتيجية زيادة الاستثمارات الأجنبية بنسبة 12% سنوياً، بالتالي فإن هذا الحجم من الأموال لا يمكن لروسيا توفيره ما لم يفك عنها الحظر الاقتصادي والمالي الخارجي وتحافظ على أسواقها في الصين وأوروبا.
وبالتالي فإن الحفاظ على حصة الطاقة الروسية في أوروبا والبالغة حوالى 30%، تعد أهم أدوات الضغط على أوروبا في التخلي عن الحظر المالي والاقتصادي على روسيا.
ثانياً : التأثير على منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" من خلال النفوذ السياسي والعسكري في كل من إيران والعراق وبناء علاقات تعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يجعل التواجد الروسي في سورية أمراً واقعياً لابد من التعامل معه بالمنطق" البراغماتي" في المستقبل، أو ربما يستخدم بوتين سورية لابتزاز دول المنطقة.
ثالثاً : تمكين الشركات الروسية من أخذ حصص رئيسية في التطوير والتنقيب في كل من العراق وإيران وليبيا وشرق البحر المتوسط، وربما في بعض الدول النفطية الأخرى بالمنطقة. ومن خلال هذه الحصص سيتمكن بوتين من السيطرة على حصة أكبر من النفط الذي يتم تسويقه عالمياً.
في هذا الصدد، يلاحظ أن الشركات الروسية أصبحت تتملك حقوق امتياز في حقول رئيسية في العراق وإيران، وقد تملكت أخيراً حقولاً في كل من مصر وليبيا.
ويمكن ملاحظة ذلك، أيضاً من خلال اتفاقية التعاون النفطي التي وقعتها أخيراً روسيا وإيران والتي كشفت عن تفاصيلها نشرة "ناتشرال غاز يوروب". هذا الاتفاق الذي أقره الرئيسان الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديمير بوتين في زيارته الأخيرة لموسكو يمثل تحولاً جوهرياً في دبلوماسية الطاقة الإيرانية واستراتيجيتها الاقتصادية، حيث يرهن الاتفاق بشكل مباشر الطاقة الإيرانية للشركات الروسية.
وحسب التصريحات التي أدلى بها مصدر مطلع لنشرة الغاز، التي تراقب أسواق الغاز لصالح المفوضية الأوروبية، فإن إيران وافقت على أن تصبح شركات الطاقة الروسية الكبرى مثل "روسنفت" و"غازبروم" و"لوك أويل"، هي الشركات التي تشرف في المستقبل على تطوير صناعة النفط والغاز في إيران.
وحسب النشرة أيضاً يتضمن الاتفاق أن تعطى شركات الطاقة الروسية الأولوية في الاستثمار والتمويل وتقديم التقنية في قطاعات الطاقة الإيرانية. لكن الاتفاق لم يقف عند هذا الحد، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث منح الشركات الروسية الحق في اختيار الشركات الغربية المسموح لها بالمشاركة في عمليات التنقيب وتطوير حقول النفط والغاز في إيران.
وهذه النقاط تضاف إلى مخاوف روسيا من تكرار مشهد الثمانينات من القرن الماضي حينما أدى انهيار أسعار النفط إلى تفكك وسقوط الإمبراطورية السوفيتية،التي اصبحت مفلسة بسبب تدني مداخيل الخزينة في موسكومن مبيعات النفط.
وبوتين يرتعب من احتمالية تكرار السيناريو وسط القلاقل والنزاع العرقي في روسيا. وبالتالي يرغب في السيطرة بشكل مباشر وغير مباشر على أسواق النفط وأسعاره، عبر وجوده العسكري في سورية واستخدام الرئيس الأسد وإيران والعراق في زيادة نفوذ شركات الطاقة الروسية من النفط والغاز.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك