اختتمت، اليوم الجمعة، فصول عام وخمسة أشهر من اختطاف 19 مواطناً قطرياً و7 مواطنين آخرين، اثنان منهم سعوديان، كانوا يودون الصيد في صحراء المثنى العراقية، بإذن رسمي من سلطات بغداد، فوجدوا أنفسهم مختطفين في سبيل ابتزاز سياسي ــ مالي مارسته مليشيا عراقية مسلحة معروفة بالولاء لإيران، وسط اكتفاء دولة العراق بموقف أقرب إلى الوسيط أو "المسهّل اللوجستي" لإنجاز "الصفقة" من دون أن تتحمل مسؤوليتها كمدعٍ لحق عام، وكأن الخطف حصل خارج إطار سيادتها وحدودها.
ابتزاز دام 17 شهراً، تخللتها مفاوضات طويلة تولاها في العام الأخير وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والجهات الأمنية في هذه الدولة بتوجيه من الأمير، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي استقبل المختطفين المحررين في مطار الدوحة أمس بعد إطلاقهم. ووجد المفاوض القطري نفسه فعلياً أمام مفاوض مقابل من حزب الله اللبناني تحدث باسم المليشيا العراقية الخاطفة.
وتقصدت الدوحة إبعاد الملف عن المزايدات الإعلامية، وهو ما ترافق مع أنباء وتسريبات، لم يعرف مدى صحتها، حول فدية مالية تم دفعها، وعن ربط الملف بقضايا سياسية إنسانية إقليمية سورية تحديداً، من نوع الإفراج عن أسرى من حزب الله اللبناني.
وكانت الساعات الثماني والأربعين الماضية، قد أوحت بأن مفاوضات تسليم المواطنين القطريين (والسعوديَّين والباكستانيّين) إلى ممثل دولتهم في العراق، السفير غير المقيم، زيد الخيارين، وصلت بالفعل إلى خواتيمها. فقد شهدت الطريق الواصلة بين المثنى (حيث اختطفوا في ديسمبر/كانون الأول 2016) وبغداد إجراءات أمنية مشددة، كذلك حال مطار بغداد الدولي الذي تم نقل المختطفين منه إلى الدوحة عصر اليوم.
وكشف مسؤول في وزارة الداخلية العراقية يحمل صفة مستشار، كان ممن شاركوا في التحقيق الأول الذي أجري حول القضية في عهد الوزير السابق للداخلية، محمد ثامر الغبان، بعد عملية الخطف بأيام قليلة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ظهور رئيس الوزراء، حيدر العبادي، ووزير الداخلية، قاسم الأعرجي، كان شكلياً حيث وصل الرجلان بعد نضوج مفاوضات إطلاق السراح والاتفاق على الزمان والمكان وهو بغداد، بعدما كان الحديث على مدينة البصرة قرب الحدود مع الكويت". وأوضح المستشار أن المواطنين القطريين والسعوديين ومرافقيهم لم يخرجوا من العراق منذ اختطافهم، كما أن الحكومة لم تبذل أي جهد أمني أو استخباري لتحريرهم تجنبا لأي صدام مع الجهة الخاطفة التي تمثل بالنهاية الجانب الإيراني، وفقاً لقوله. وتابع أنه رغم تقارير سابقة عن احتمالات تواجدهم الكبيرة بين محافظتي ذي قار والمثنى، إلا أن أي تحرك لم يجر لتحريرهم طيلة تلك الفترة. ويثير الظهور الغريب والرسمي للقيادي في مليشيا العصائب والمتحدث باسمها، وهاب الطائي، في بيانات متتالية لوزارة الداخلية العراقية خلال ساعات نهار الجمعة، الكثير من علامات الاستفهام. فالطائي الذي لم يسجل له صفة رسمية في وزارة الداخلية، برز فجأة كمستشار إعلامي لوزارة الداخلية وتولى وظيفة الناطق الرسمي لها، بعد غياب عن السلك المليشياوي دام أكثر من عام. كما أن عملية تسليم المختطفين في قلب بغداد من قبل الجهة الخاطفة للحكومة رغم وجود 138 ألف جندي وعنصر أمن قادرين على اعتقال الخاطفين وفقا للقانون العراقي، أو حتى تحريرهم قبل ذلك، ربما يشكل مصدر إحراج إضافي للحكومة العراقية.
هكذا، يكون قد أقفل ملف عمره عام ونصف العام، بدأ باختطاف 26 صياداً بينهم 19 من المواطنين القطريين ومواطنان سعوديان اثنان على يد قوة مسلحة مؤلفة من نحو 100 مسلح في منطقة بصية بصحراء محافظة المثنى، كانوا قد دخلوا بشكل رسمي ضمن تأشيرات دخول صادرة من الحكومة العراقية يوم يوم 26 /12 2015.
والخطف حصل على يد مليشيا مسلحة مرتبطة بإيران هي "كتائب حزب الله العراقية" يتزعمها شخص يلقب باسم حركي، يدعى أبو مؤمّل. وقبل تسليم المختطفين إلى السفير القطري غير المقيم في العراق، زيد الخيارين، الجمعة، أبلغ مسؤول عراقي في بغداد "العربي الجديد" أن العبادي يرافقه وزير الداخلية قاسم الأعرجي عقدا اجتماعاً في حي الحسين القريب من مطار بغداد في منزل خاص، يتواجد داخله ممثلون عن الجهة الخاطفة، وهي مليشيا " كتائب حزب الله العراقية". ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن الحراك بدأ مبكراً صباح الجمعة حول الموضوع قرب مطار بغداد الدولي.
وتحدثت مصادر أخرى في وزارة الداخلية- دائرة الاستخبارات عن أن مفاوضات إطلاق سراحهم شارك فيها مسؤول أمني لبناني مقرب من حزب الله اللبناني، زار بغداد مرتين خلال هذا الشهر آخرها مساء الخميس على خلفية القضية، ولعب دوراً وسيطاً بين الجهة الخاطفة وأطراف داخل العراق وخارجه.
ومما يرجح فرضية انتقال المختطفين من محافظة بابل، هو إغلاق تام شهده طريق بابل ــ بغداد الرئيسي من قبل مليشيات مسلحة منعوا خلالها قوات الأمن من التحرك، وأقاموا حواجز تفتيش على طول الطريق استمرت لثلاثة أيام. وسبق للعبادي أن أشار إلى أن اختطافهم "إساءة للعراق وجريمة غير مبررة". وأضاف العبادي قبل يومين أن حكومته كانت قد سعت إلى التعاون والتنسيق مع عدد من الدول الصديقة والمجاورة، بما فيها دولة قطر، في سبيل تبادل المعلومات بخصوص المختطفين سعيا للإفراج عنهم.
واعتبر أن اختطاف الصيادين القطريين يعد "جريمة وإساءة لكل العراقيين لأنهم كانوا ضيوفا على العراق، ويتحركون فوق أراضيه بسمات دخول رسمية صادرة عن وزارة الداخلية العراقية". وعن تفاصيل الإفراج عن المختطفين، تفادت الدوحة تأكيد أو نفي كل الكلام الذي ربط بين رعايتها لاتفاق إخلاء المدن السورية الأربع (الزبداني ومضايا والفوعة وكفريا) بين فصائل سورية مسلحة وإيران من جهة، والإفراج عن المواطنين القطريين والسعوديين ومرافقيهم من جهة ثانية. وتعددت الروايات التي تتقاطع عند شمول "الاتفاق إطلاق سراح مقاتلين لبنانيين لدى جبهة النصرة، وخروج سكان بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين في سورية" تضمنت المرحلة الأولى منها، التي أنجزت بالفعل، إجلاء نحو 11 الف شخص على دفعتين ضمن الاتفاق الذي يُقال إنه وقع في الدوحة بين الحكومة السورية والفصائل المعارضة برعاية إيران.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك