مرحلة جديدة من التاريخ يدخلها اليمن سواء في الشمال، أو الجنوب الذي كان دولة إلى عام 1990، نتيجة التطورات المتسارعة، خصوصاً بعد إعلان "مجلس انتقالي جنوبي"، برئاسة محافظ عدن السابق، عيدروس الزبيدي، الذي أقُيل قبل أسبوعين وسط اعتبار البعض أن الحكومة الشرعية التي واجهت انقلاباً في صنعاء قبل ما يزيد عن عامين، تواجه اليوم أيضاً ما يمكن وصفه "انقلاباً" جديداً في عدن، "العاصمة المؤقتة"، كما وصفتها الشرعية و"العاصمة الجنوبية"، كما يصفها الانفصاليون.
ثلاثة أيام متتالية من أيام الخميس، أولها إقالة الزبيدي من منصبه كمحافظ لعدن أواخر الشهر الماضي، ثم تظاهرة جماهيرية تصدر "إعلان عدن التاريخي" الذي فوض الزبيدي بتشكيل "قيادة سياسية للجنوب"، وفي الخميس الثالث اليوم، خرج الزبيدي لقراءة القرار رقم "1"، وخلفه راية الشطر الجنوبي لليمن قبل الوحدة، ونقل التسجيل على قناة فضائية على الأقل، تدعمها الإمارات العربية المتحدة.
تضمن القرار رقم "1"، ديباجة "بعد الاطلاع على إعلان عدن التاريخي، واستناداً إلى الفقرة الثانية"، قرر (أي الزبيدي)، إعلان قيادة سياسية جنوبية عليا تسمى "هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي"، وتتألف من 26 عضواً يرأسهم الزبيدي، وينوبه الرجل الثاني الذي استهدفه قرار الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، قبل أسبوعين، بإقالته من منصبه وزيرا للدولة، وهو القيادي السلفي هاني بن بريك.
تعود أصول بن بريك الذي بات نائباً لرئيس "المجلس الانتقالي" إلى حضرموت، ثم منطقة يافع الجنوبية (بين لحج وأبين)، وبرز خلال المواجهات مع مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحلفائهم من القوات الموالية للرئيس (المخلوع )، علي عبدالله صالح في عدن عام 2015، عندما كان يقود "المقاومة" القادمة من خلفية سلفية، ثم أصبح في وقت لاحق من أبرز رجال الإمارات في عدن ومحيطها.
وفي صفحته الشخصية بموقع "تويتر"، يضع بن بريك صورة تجمعه مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد كصورة شخصية، وفي الغلاف صورة لجنود يرفعون الرايتين الإماراتية والسعودية. ويعد بن بريك كما تقول مصادر محلية ، النافذ الأول على قوات الحزام الأمني التي تأسست خلال العامين الأخيرين في عدن ومحيطها، بدعم من الإمارات.
وهو كقادم من خلفية سلفية كان قد أطلق تصريحات انفصالية العام الماضي، لكنه لا يظهر تعصبه لـ"الجنوب"، قدر تمسكه بالمقاومة والولاء للتحالف. وأحاله قرار الإقالة الذي أصدره هادي في 27 أبريل/ نيسان المنصرم، إلى التحقيق، لكنه أصبح بعد أسبوعين، نائباً لرئيس مجلس يمثل تشكيله تحولاً محورياً في المشهد اليمني برمته.
إلى ذلك، جاءت الطبقة الأولى من أسماء أعضاء المجلس، بمثابة المفاجأة غير المتوقعة والمثيرة للجدل، إذ شملت خمسة محافظين للمحافظات الجنوبية والشرقية لليمن من بين ثماني محافظات. والمحافظون هم، محافظ حضرموت أحمد سعيد بن بريك، ومحافظ شبوة أحمد حامد لملس، ومحافظ لحج ناصر الخبجي، ومحافظ سقطرى، سالم عبدالله السقطري، ومحافظ الضالع، فضل الجعدي، فيما كانت المحافظتان اللتان غابتا عن التشكيلة، محافظ المهرة الواقعة شرق البلاد ومحافظ محافظة أبين التي تعد مسقط رأس الرئيس هادي وعدد من القيادات الموالية له. وتعدى اختراق المجلس المحافظين، إلى عضوين من أعضاء الحكومة وهما ووزير النقل مراد الحالمي، ووزير الاتصالات وتقنية المعلومات، لطفي باشريف.
ويعتبر ورود أسماء خمسة محافظين (لم تذكر صفتهم الوظيفية في الإعلان)، بمثابة أبرز دلالة تمثل ضربة قاصمة للحكومة الشرعية، وتعكس بطريقة أو بأخرى، أن محافظات جنوب اليمن، التي تصل مساحتها إلى ثلثي مساحة البلاد، خرجت أو في طريقها للخروج من سلطة الشرعية، التي يقيم أبرز مسؤوليها في العاصمة السعودية الرياض.
وبدا واضحاً وجود بصمة إماراتية بإضافة أسماء المحافظين، إذ إن بعضهم لا يفترض أن تكون أسماؤهم ضمن مجلس "انقلابي جنوبي"، كمحافظي حضرموت وسقطرى وشبوة، ما لم يكن لديهم ضوء أخضر من التحالف العربي، ممثلاً بالإمارات، التي تتصدر واجهة حضور التحالف جنوبي وشرقي اليمن. وقد جاء الإعلان بعد أيام، من أنباء عن زيارة سرية قام بها محافظ حضرموت، أحمد بن بريك، إلى ابوظبي، فُسرت بأنها في إطار جهود أبوظبي لإقناعه بالانضمام للمجلس.
في الدرجة الثالثة من الأسماء، اخترق مجلس الزبيدي، حكومة أحمد عبيد بن دغر، وشملت تشكيلة المجلس، اسم وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، لطفي محمد باشعيب، وهو أحد أبناء محافظة حضرموت. أما الوزير الآخر، فقد كان وزير النقل مراد علي الحالمي، وهو من أبناء محافظة الضالع، ومواليد محافظة عدن. وسبق أن تناقلت وسائل الإعلام بياناً منسوباً إليه يؤيد "إعلان عدن التاريخي"، وضمت التشكيلة أيضاً، عدنان الكاف، وهو وكيل لمحافظة عدن.
إلى ذلك، ضم المجلس طيفاً رابعاً وهو الشخصيات الاجتماعية والقبلية ومنها البرلماني، الشيخ صالح بن فريد محسن العولقي، أحد أبرز شيوخ قبيلة العوالق، التي تعد من أبرز القبائل اليمنية، وتنتشر في محافظة شبوة، ويُوصف أيضاً بأنه قائد المقاومة في شبوة. وضم أيضا الشيخ عبدالرب النقيب، أحد أبرز شيوخ قبائل يافع التي تعد من أبرز مراكز التأثير والنفوذ في عدن ومحيطها. كما ضم المجلس اسم الشيخ عبدالهادي علي شائف، وهو أحد رجال الأعمال في المحافظات الجنوبية لليمن، بالإضافة إلى اسم الشيخ عبدالله بن عيسى آل عفرار، وهو من أسرة سلاطين، كانت تحكم سلطنة المهرة (محافظة المهرة حالياً)، قبل استقلال جنوب اليمن عام 1967.
وجاء في طيف آخر من الأسماء، قيادات بارزة في الحراك الجنوبي وما يسمى بـ"المقاومة الجنوبية"، منها قائد الحراك في حضرموت أحمد محمد بامعلم، والعميد علي الشيبة ناصر، من أبرز قيادات الحراك في محافظة أبين، والإعلامي والسياسي المعروف الناشط في الحراك الجنوبي، لطفي شطارة من ابناء مدينة عدن، وعبدالرحمن شيخ عبدالرحمن، وهو قائد ميداني في "المقاومة الجنوبية" من خلفية سلفية، بالإضافة إلى عقيل محمد العطاس، أحد الشخصيات الاجتماعية في حضرموت، وأمين صالح محمد، وهو قيادي في الحراك ووكيل أول لمحافظة الضالع.
وكذلك ضم المجلس، علي عبدالله الكثيري، وهو قيادي في الحراك الجنوبي وفي حزب رابطة أبناء الجنوب ويتحدر من محافظة حضرموت، والعميد ناصر السعدي، من قيادات الحراك، وسالم ثابت العولقي، من قيادات الحراك الجنوبي في محافظة شبوة، وشمل ثلاث نساء من ناشطات الحراك الجنوبي، وهن سهير علي أحمد، ومنى عوض باشراحيل، والمحامية نيران حسن سوقي.
الجدير بالذكر، أن التشكيلة واجهت بعض التحفظات بسبب اختلال في تمثيل المناطق، ومنها محافظة أبين التي ينتمي إليها الرئيس هادي، وغاب اسم محافظها عن التشكيلة أو الأسماء البارزة في الحراك الجنوبي، كالقيادي محمد علي أحمد، وآخرين. ومع ذلك، رأى جنوبيون أن الخطوة تحول تاريخي لا ينبغي فيه الوقوع مع الاختلالات بقدر ما يحتاج دعماً ليقف على قدميه، ويصبح الهيئة التي تتولى إدارة مناطق جنوبي اليمن.
ورأى معلقون ومحللون سياسيون الخطوة بوصفها انقلاباً على الحكومة الشرعية، يشبه الانقلاب الذي قام به الحوثيون في صنعاء عندما أصدروا ما يسمى "الإعلان الدستوري"، وسلموا السلطة لـ"اللجنة الثورية العليا" في فبراير/شباط 2015، ومن ثم جرى تشكيل "المجلس السياسي الأعلى"، بالمناصفة بين الجماعة وحزب صالح في يوليو/تموز العام الماضي.
في المقابل يقول الصحافي والناشط الجنوبي حسين حنشي لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس الانتقالي الجنوبي هو تتويج لكل نضال الجنوبيين منذ عقود من الزمان، وهو خطوة فارقة في نضالهم حيث لأول مرة يؤطر نشاطهم بهذه الصورة الجامعة وبأسماء هي فعلاً في مناصب إدارة الدولة وأخرى تدير كيانات مجتمعية وأخرى تؤيد مدنيا، كما أن هناك "كوته" للشباب والمرأة".
وأضاف حنشي أن "المجلس ستتبعه دوائر فنية وعمل في المديريات والمحافظات وسيكون بمثابة حكومة ظل للحكومة الحالية ولن يسمح بسلب الجنوب حقوقه كما سيكون ممثلا للجنوب في أي تسوية قادمة ولا تستطيع قوة تجاوزه أو تجاوز الجنوبيين بعد اليوم".
وتعد المرة الأولى التي ينتقل فيها جنوب اليمن من إطار الاحتجاجات المطالبة بالانفصال إلى مجلس وقيادة يمثلان هذه المطالب، حيث توحد اليمن عام 1990 وتعرضت الوحدة لشروخ خلال الحرب الأهلية عام 1990 والتي خرج على أثرها الشريك الجنوبي باتفاق الوحدة من السلطة، ومنذ عام 2007 تصاعدت الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية من تظاهرات ذات مطالب حقوقية إلى رفع شعارات مطالبة بإعادة دولة جنوب اليمن قبل الوحدة، وفقاً لحدود ما قبل 1990.
وفي المحصلة، تبدو عدن التي ما تزال أجزاء منها تحت سيطرة القوات الموالية للرئيس هادي، في طريقها لأن تخرج عن سيطرة الشرعية، أو يتم التوفيق بينها وبين "المجلس الانتقالي"، بحيث لا يقع صدام بينهما.
وتثور أسئلة كبيرة حول مصير اليمن بعد هذه الخطوة المثيرة، إذ أن التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات يجد نفسه أمام سلطة أمر واقع ترفع شعار الانفصال بالمناطق المفترضة لسلطة الشرعية، في حين تؤكد مصادر محلية في عدن لـ"العربي الجديد"، معززة بالكثير من المعطيات الواقعية أن الخطوات المعلنة في عدن، تأتي بتنسيق مع الإمارات ودعمٍ مباشر منها.
ويذهب سياسيون ومحللون يمنيون وخليجيون، إلى أن الانفصال ليس من السهولة بمكان إلى دولتين، لكن من الواضح أن هذه الخطوة من شأنها أن تفرض وجوداً واقعياً لكيان مؤسسي يمثل الجنوب. ولا يستبعد أن يتبع خطوة إعلان المجلس، خطوات أخرى، ما لم تتخذ الشرعية إجراءات مقابلة تمنع تحول إعلان عدن إلى التنفيذ.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك