بعد أيام على إعلان "المجلس الانتقالي الجنوبي" في اليمن، بات أمامه مهمة صعبة لعبور محافظة حضرموت شرقي البلاد، التي كانت قد حددت مصيرها في حزمة مطالب خرج بها "مؤتمر حضرموت الجامع" أواخر إبريل/ نيسان الماضي، أبرزها المطالبة بإعلان المحافظة "إقليماً مستقلاً" بعيداً عن التبعية.
وبين المصالح الداخلية، وتعقيدات الإقليم، تباينت ردود الفعل الرسمية والقبلية والمدنية تجاه "المجلس"، الذي رفضته الرئاسة واعتبرته "مساساً بالشرعية"، إلا أنه من الملاحظ أن موجة الرفض لـ"المجلس" تتسّع يوماً بعد يوم بالمحافظة. وأظهرت خارطة المواقف الصادرة من القوى القبلية والحزبية والاجتماعية في المحافظة اليمنية الأكبر، التي تحتضن الثروات الطبيعية الأهم في اليمن، أن "المجلس الانتقالي، لن يجد فرصة كبيرة للمرور في حضرموت، حتى ولو أصرّ على موقفه الانفصالي". بالتالي فإن هذه الخطوة عقبة وجودية، لأن الجنوب من دون حضرموت، يكون محروماً من شريان حياة رئيسي.
في هذا السياق، أكد حلف قبائل حضرموت فرع الهضبة والساحل، وقوفه إلى جانب أبناء حضرموت ومخرجات المؤتمر الحضرمي، التي قال إنها "جاءت ملبية لطموحات أبناء حضرموت كافة". وشدّد على أن "أي مواقف انفرادية دون ذلك، أياً كان مصدرها، لا تعنينا"، في إشارة إلى موقف المحافظ أحمد سعيد بن بريك الذي أيد إعلان "المجلس الجنوبي".
من جهتها، أعلنت مرجعية حلف قبائل وادي حضرموت، تأييدها الكامل لشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي "حتى هزيمة الانقلابيين وعودة الشرعية إلى كافة مناطق اليمن". وشدّدت على مطالبتها بإقليم حضرموت كامل الصلاحيات، ضمن اليمن الاتحادي.
بدورها، جددت لجان المهجر لمؤتمر حضرموت الجامع في السعودية وشرق آسيا وشرق أفريقيا، تمسكها الكامل بمخرجات مؤتمر حضرموت الجامع. وذكرت في بيان أن "حضرموت لا يمثلها أي مكونات أو مجالس انتقالية تتعارض مع مخرجات مؤتمر حضرموت الجامع"، معتبرة أن "من حق حضرموت أن تكون إقليما مستقلاً بذاته، ونداً في إطار اتحادي لكيان الدولة العتيدة بمعيار المساحة والسكان والثروة، في ظل أي تسوية سياسية تحترم حقوق حضرموت".
كما أعلنت "العصبة الحضرمية"، وهي حركة سياسية تدعو لتقرير مصير حضرموت، أن "ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، يعيد اليوم ما قامت به الجبهة القومية في الستينيات، عبر بعض أبناء حضرموت الذين شذّوا عن الإجماع الحضرمي ومخرجات مؤتمر حضرموت الجامع. إلا أنها محاولة فاشلة بيقظة مرجعيات حضرموت". وباركت العصبة المواقف الرافضة لإقحام حضرموت ضمن "المجلس الانتقالي".
الهيئة العليا لمؤتمر حضرموت الجامع، أكدت هي الأخرى على ضرورة الالتزام بوثائق المؤتمر ومخرجاته، بوصفها مخرجات جامعة تخدم حضرموت حاضراً ومستقبلاً، مشيرة في بيان صدر عن اجتماع استثنائي عقدته يوم السبت الماضي، إلى أن "ما حققه مؤتمر حضرموت الجامع من إجماع وتوافق مجتمعي، يعكس إرادة أبناء حضرموت جميعاً". في إشارة لرفض أي محاولة لجر حضرموت لمربع "المجلس الانتقالي".
في إطار الرفض أيضاً، قال رئيس حلف حضرموت، رئيس مؤتمر حضرموت الجامع، الشيخ عمرو علي بن حبريش، إن "حضرموت الحضارة والتاريخ، داعية سلام وتعايش واحترام للنظام والقانون. وأن التناغم والتشاور في مجتمعنا في اتخاذ القرار هو السائد والمعبر عن رأي حضرموت، وما دونه لا يعني حضرموت موقف".
وأعلن "السلطان" عبدالله بن محسن الكثيري، أحد أحفاد سلاطين الدولة الكثيرية في حضرموت قبل ستينيات القرن الماضي رفضه لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، ووصفه بـ"التمرد على الشرعية" وأنه "لا يختلف عن انقلاب الحوثي و(الرئيس المخلوع علي عبدالله) صالح".
على الجانب الآخر، وفي خانة المؤيدين، جاء موقف محافظ حضرموت بن بريك، الذي أعلن تأييده لـ"المجلس" بعد ساعات فقط من إعلانه، من العاصمة الإماراتية أبو ظبي الداعمة للحراك الانفصالي، والتي يزورها منذ أكثر من أسبوع.
وبعد ردود فعل غاضبة في مواقع التواصل الاجتماعي حاول بن بريك استدراك الموقف ببيان آخر بعد 24 ساعة، أكد خلاله أنه "لم يخرج عن الإجماع الحضرمي ومؤتمر حضرموت الجامع"، مطالباً في ذات الوقت بـ"إعلان دولة اتحادية من إقليمين شمالي وجنوبي، على أن تكون حضرموت إقليما داخل الإقليم الجنوبي"، في توجه لم يسلم من ردود فعل ساخرة.
أما الحراك الجنوبي بحضرموت، فانقسم على نفسه بشأن "المجلس الانتقالي"، فالتيار المقرّب من نائب الرئيس السابق علي سالم البيض أعلن تأييده لـ"المجلس"، وانخرط عدد من القيادات في هيئة رئاسته، في حين رفضه تيار باعوم (المنبثق من الزعيم الجنوبي حسن باعوم) لما وصفه بـ"اعتبارات الإقصاء والتهميش، واستغلال الحماس الثوري وتجييره لخدمة مصالح شخصية".
وبالنظر إلى مواقف الرفض لـ"المجلس الانتقالي"، فقد صدر معظمها عن كيانات قبلية ومدنية، تربطها علاقة جيدة مع السعودية، في ترجيح بأن "إعلان مواقف الرفض جاء بإيعاز سعودي نظراً لنفوذ المملكة الكبير في حضرموت".
مع العلم أن للرياض علاقة تاريخية وطيدة بقبائل حضرموت، فالحضارم المقيمون في المملكة، يُشكّلون النسبة الأكبر من بين مختلف المحافظات اليمنية، بل وصل بعض السعوديين من أصول حضرمية إلى مناصب رفيعة في الدولة. وسبق للسعودية أن استدعت وفودا من مشايخ القبائل منذ بدء الحرب، وآخرها دعوتها لمشايخ قبائل ومسؤولين في مارس/ آذار الماضي لمناقشة الوضع في المحافظة. كما استند كثير من الرافضين لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" في حضرموت، إلى ما وصفوه بـ"التجربة السيئة"، حين ضمت الجبهة القومية حضرموت إلى الجنوب عام 1967 بالقوة.
وشكّل الاختلاف في حضرموت بين السلطة المحلية ممثلة ببن بريك من جهة، والسلطة المحلية والقبائل بوادي حضرموت، عاملا مساعدا في تباين وجهات النظر من مختلف القضايا التي تمر بها البلاد. فالسلطة المحلية والقبائل في وادي حضرموت داعمون بقوة للشرعية، أما الأمر فمختلف إلى حد ما في ساحل حضرموت، حيث الحضور القوي للإمارات.
في هذا الإطار، قال الكاتب منصور باوادي، إن "أبناء حضرموت بدأوا يدركون جيداً قضيتهم. وعلى ضوء هذا يتم التعامل مع كل المشاريع من حولهم وكيفية التعاطي معها وأبعادها السياسية وانعكاساتها على حضرموت، بل أصبحت الجبهة الحضرمية اليوم أكثر صلابة ومناعة من ذي قبل. ومن هذا المنطلق جاءت ردات فعل كثير من المكونات الحضرمية والأصوات المستقلة تجاه المجلس الانتقالي".
وأضاف باوادي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "كثرا أدركوا أن المجلس لا يعني حضرموت بشيء، كونه جاء في إطار قضية لا تمت لحضرموت بصلة وهي الجنوب العربي، إضافة إلى أنه إلى الآن لم ير الحضارم أي مشروع جنوبي يطمئنهم ويعترف بحقهم في تقرير المصير. وعلى هذا جاء المجلس الانتقالي على غرار كل الحقبات التي توالت على حضرموت والتي اتسمت بفرض التبعية لا غير".
وتابع "حتى ونحن نتابع هيكلة المجلس وجدنا الإجحاف البيّن وعدم الاعتبار لحضرموت ومكانتها، من حيث المساحة والثروات بل حرص رعاة المجلس على أن تظهر حضرموت في صورة التابع لا الشريك القوي". ولفت إلى أن "الدوافع الحقيقية لإقامة هذا المجلس لم تأت في سياق الحرص على حقوق القضية الجنوبية، بل ظهر في صورة الفعل الابتزازي وردة الفعل لإقالة بعض أعضائه من مناصبهم. وأكثر من ذلك، إن المجلس لم يراع أي حق للأشقاء في التحالف وعلى رأسهم المملكة، لأن دول التحالف حالياً تستبعد أية مشاريع خارج نطاق الشرعية". وأوضح أن "المجلس وما شكّله من طعنة في الظهر للتحالف، وعلى رأسهم السعودية، التي تربطها بحضرموت علاقة كبيرة أكثر من أي دولة أخرى، دفع الكثير من أبناء حضرموت لرفض هذا المجلس".
على الجهة الأخرى، رأى مستشار محافظ حضرموت لشؤون التأمينات محسن نصير، أن "من حق أي مكون أن يقبل أو يرفض أي فكرة، وقد رفض البعض أيضاً مؤتمر حضرموت الجامع قبل أن يبدأ عمله ثم عادوا وأيدوا نتائجه". وأوضح نصير في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "السبب الرئيسي لاعتراض بعض المكونات على المجلس الانتقالي ومؤتمر حضرموت الجامع، هو أنهم يتحدثون عن تأييدهم لمؤتمر الحوار الذي أعلنت الحرب بسبب بعض نتائجه قبل إقرارها والاستفتاء على مشروع دستورها".
وأشار نصير إلى أن "مسألة أن يعبر المجلس الانتقالي في حضرموت أو لا يعبر، فهذا يحتاج إلى استفتاء أو استبيان شعبي، أما المكونات السياسية فلن يتفق أعضاؤها جميعهم على رأي واحد، ثم إنهم لا يشكلون أكثر من 10 في المائة من أبناء حضرموت، الذين تتجاوز نسبة المستقلين فيهم الـ 80 في المائة بما في ذلك مكونات المجتمع المدني والمكونات القبلية". وأضاف أن "القضية الجنوبية باتت أمرا واقعا ولا يستطيع أحد إنكارها، وأن تحرير المكلا تم تحت راية العلم الجنوبي السابق سواء اتفقنا مع المجلس الانتقالي أو لم نتفق".
أما في شأن موقف بن بريك، فاعتبر نصير أن "بن بريك يرى أن فرض مطالب حضرموت يأتي بالاتفاق مع محافظات الجنوب التي ظلمت بعد حرب صيف 1994 ونهبت ثرواتها، وفي النهاية حضرموت جزء لا يتجزأ من الجنوب شئنا أم أبينا". ونوّه إلى أنه "من الحكمة ألا نعادي أحداً طالما أننا نسعى لتنفيذ قرارات مؤتمرنا الحضرمي الجامع وعدم التراجع أو التنازل عنها، وفي أي وضع مقبل قد يفرض على الجميع سواء في إطار الجنوب أو الدولة اليمنية الاتحادية".
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك