من المحتمل أن تنتج أربع تداعيات عن تصديق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، المنتظر على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، المعروفة إعلاميا بـ"تيران وصنافير"، التي أقرها البرلمان المصري، الأربعاء الماضي.
تلك التداعيات، وفق خبراء معنيين وتصريحات رسمية، هي اكتساب النظام المصري الحاكم رسوخا خارجيا مقابل خسائر داخلية، وتحقيق منافع اقتصادية، وإمكانية تنامي دور إسرائيل في المنطقة، وفتح الباب أمام نقاشات حول نزاع حدودي مع السودان.
ووفق القانون المصري، تنتظر اتفاقية جزيرتي "تيران وصنافير" في البحر الأحمر، التي وقعتها القاهرة والرياض، في 8 أبريل/نيسان 2016، تصديق السيسي، وسط تصاعد حالة رفض من قوى سياسية وتجمعات شعبية بمصر.
ووفق المحلل المصري، مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي مقره القاهرة)، في حديث مع الأناضول، فإنه "بخلاف التصديق الرئاسي، سيتم انفاذ الاتفاقية بتبادل الوثائق المعنية الجديدة بخصوص الجزيرتين".
ولا يوجد موعد رسمي معلن لهاتين الخطوتين.
وتدافع الحكومة المصرية عن الاتفاقية، التي أقرتها أواخر ديسمبر/كانون أول الماضي، بأن الجزيرتين تتبعان السعودية، وخضعتا للإدارة المصرية عام 1950، بعد اتفاق ثنائي بين القاهرة والرياض؛ بغرض حمايتهما، لضعف القوات البحرية السعودية، وكذلك لتستخدمهما مصر في صراعها مع إسرائيل آنذاك.
ورفضت محكمتان مصريتان الاتفاقية، في يونيو/حزيران 2016، ويناير/كانون ثان الماضي، وسط حراك معارض، كان أكبره في 25 أبريل/ نيسان 2016، وتجدد يوم الجمعة الماضي، عقب إقرار البرلمان للاتفاقية، في شكل تجمعات محدودة، وسط تشديدات أمنية كبيرة ودعوات جديدة إلى التظاهر.
أولا: موقف النظام المصري
أول التداعيات المتحملة لتصديق السيسي على الاتفاقية، وفق خبيرين مصريين، هو أن يكتسب النظام المصري رسوخا خارجيا، مقابل خسارة داخلية، وصفها كاتب مصري بـ"التيه".
- رسوخ خارجي
واعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، سعيد صادق، في حديث للأناضول، أن "النظام المصري أثبت قوته للخليج والولايات المتحدة، خاصة مع عدم خروج مظاهرات ضخمة الجمعة (الماضية) ضد الاتفاقية، وهو ما رسخ موقفه أمام الخارج بأنه يزداد قوة".
وعن المكاسب المحتملة من تسليم الجزيرتين إلى المملكة، رجحت مذكرة أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء المصري، بشأن "تيران وصنافير" ونشرها في 7 يونيو/حزيران الجاري، أن "العلاقات بين مصر والسعودية ستتوطد بشكل أكبر، بما يفتح المجال أمام المزيد من التوافق حول أوضاع المنطقة".
والسعودية هي أكبر داعم اقتصادي وسياسي للسلطات المصرية منذ أن أطاح الجيش المصري، حين كان السيسي وزيرا للدفاع، في 3 يوليو/ تموز 2013، بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، والمنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، وذلك بعد مرور عام واحد من ولايته الرئاسية.
- تيه داخلي
لكن داخليا، وبحسب الخبير السياسي المصري، عاطف السعداوي، للأناضول، فإن "شعبية السيسي (الذي تولى الرئاسة في يونيو/ حزيران 2014) تأثرت، فهناك تصدعا واضحا جراء الاتفاقية وصل حد الحديث عن فقد الرئيس والبرلمان شرعيتهما".
وعن هذه النقطة، قال الكاتب المصري، عبد الله السناوي، إنه "لا يشك عاقل واحد أن الشرعية قد أصابها ضرر بالغ"، واصفا وضع مصر بأنها في حالة "تيه"، حسب مقال له نشرته صحيفة "الشروق" المصرية الخاصة، الأربعاء الماضي.
وبدورها، اعتبرت قوى سياسية وشخصيات عامة، بينهم حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق أمام السيسي عام 2014، أن الشرعية الأخلاقية والدستورية للسيسي والبرلمان "انتهت".
كما رفع المحامي اليساري، خالد على، صاحب دعوى حكم مصرية الجزيرتين، دعوى قضائية تطالب بحلّ البرلمان؛ بدعوى مخالفته أحكام القضاء المعنية بهذه الاتفاقية.
غير أن هذا التراجع في الشعبية والشرعية، وفق الخبيرين سعيد صادق، وعاطف السعداوي، لن يؤثر على بقاء النظام أو البرلمان من عدمه.
صادق أرجع ذلك إلى "عدم وجود بديل للنظام، الذي تدعمه كل المؤسسات (في الدولة)"، فيما أعاده السعداوي إلى "أسباب مرتبطة بواقع لا ينبئ بأي تغيير حاليا".
ورغم عدم التأثير المحتمل، يلوح نواب معارضون بالاستقالة من البرلمان، حال التصديق الرئاسي على الاتفاقية، وسط بيانات متواترة من قطاعات من الصحفيين والأطباء والفنانين وقوي سياسية، بينها جماعة الإخوان المسلمين، تطالب بالاستمرار في "النضال ضد الاتفاقية".
وقبل أيام، قال مصطفي حجازي، المستشار السابق للرئيس المصري المؤقت، عدلي منصور (يوليو/ تموز 2013- يونيو/ حزيران 2014)، في تدوينة على صفحته بموقع "فيسبوك": "واهمُ مَن يظن أن القضية انتهت.. القضية الآن بدأت.. تيران وصنافير مصرية".
ثانيا: منافع اقتصادية
ثاني التداعيات المحتملة، وفق تصريحات رسمية مصرية وسعودية، هو تحقيق منافع اقتصادية مرتبطة بقرار التسليم، بجانب حديث سياسي متداول عن مشروع إسرائيلي تستبعد مصر رسميا إتمامه في نطاق الجزيرتين.
1- منافع مصرية سعودية
وقال "ائتلاف دعم مصر"، صاحب الأغلبية البرلمانية (317 نائبا من أصل 596)، في بيان الجمعة الماضية، إن تنفيذ اتفاقية "تيران وصنافير" سيساعد القاهرة على أن "تقوم بحرية باستخراج ثرواتها الطبيعية من بحارها الإقليمية ومناطقها الاقتصادية"، دون تفاصيل.
وهذا الطرح يتفق مع تقرير برلماني صدر، الشهر الجاري، عن لجنتي "الدفاع والأمن القومي"، و"الشؤون الدستورية" في البرلمان المصري، والمذكرة الحكومية بشأن الجزيرتين
وفي 2 مايو/أيار الماضي، قال ولي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في حوار متلفز، إن "ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية ليس تنازلا، وإنما جاء من أجل المنافع الاقتصادية، التي يمكن أن تخلق بعد ترسيمها".
وأضاف أنه "على رأس هذه المنافع إنشاء جسر الملك سلمان بين البلدين، فوق البحر الأحمر (وفق اتفاق بين مصر والسعودية في أبريل/ نيسان 2016) أو ثبات إمدادات النفط والغاز والطاقة أو الطرق، وتعظيم صادرات دول الخليج إلى أوروبا".
بينما ذهب الخبيران سعيد صادق ومختار غباشي إلى أن الحديث عن المنافع الاقتصادية مجرد خطوة "تسويقية لتمرير الاتفاقية".
ورأى صادق أن "السعودية ستبحث عن مصالحها لا عن مصالح مصر"، فيما قال غباشي: "الحقيقة أن القضية كلها سياسية، وليست اقتصادية".
2- مشروع إسرائيلي
قال المرشح الرئاسي المصري الأسبق، أحمد شفيق، المقيم بدولة الإمارات، في تصريحات متلفزة، الثلاثاء الماضي، إن "دولة جارة" (لم يسمها) أخبرته أن الهدف من اتفاقية "تيران وصنافير" هو فتح ممر دولي ستستغله دولة أخرى (يعتقد أنها إسرائيل) في إتمام مشروع، إما للسكك الحديدية أو قناة شبيهة بقناة السويس المصرية (شمال شرق).
وأوضح أنه عندما تؤول السيادة على جزيرة تيران للسعودية سيتحول جزء من مياه مضيق تيران إلى مياه دولية لا يمكن لأحد التحكم بها، بعد أن كان المضيق في السباق مياها مصرية خالصة، وهذا الوضع الجديد سيتيح لإسرائيل المضي قدماً في مشروع لإنشاء قناة موازية لقناة السويس من ميناء إيلات إلى البحر المتوسط، أو إنشاء قطار سكة حديد سريع ينقل البضائع من إيلات إلى البحر المتوسط بعد تأمين المرور في مضيق تيران.
وأعرب عن خشيته من أنه في هذه الحالة سيتم القضاء على قناة السويس؛ أحد أهم شرايين الاقتصاد المصري.
الأمر ذاته حذر منه الكاتب المصري، عبد الله السناوي، في مقاله بـ"الشروق"، قائلا إن تسليم الجزيرتي للسعودية "يفضى إلى إفساح المجال أمام إسرائيل للإقدام على مشروعات (لم يحددها) تهمش قناة السويس".
لكن رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان المصري، اللواء كمال عامر، رأى، في مقابلة نشرتها صحيفة "الأهرام" الحكومية المصرية، اليوم الثلاثاء، أن ما يتردد عن استغلال إسرائيل زوال السيطرة المصرية على مضيق تيران لإنشاء قناة موازية لقناة السويس "كلام ساذج ونظري (..)؛ فقبل الاتفاقية كان مضيق تيران ممرًا دوليًا وبعدها يستمر كذلك، ولن يكون ذريعة لإنشاء تلك القناة الموازية، وإلا فما كان المانع لدى إسرائيل من حفر تلك القناة الموازية منذ مئات السنين".
ثالثا: تنامي دور إسرائيل
وفق الخبير المصري، عاطف السعداوي، فإن "سيادة السعودية على تيران وصنافير ستتحمل معها التزامات مصر تجاه معاهدة السلام، ضمن ترتيبات إقليمية، وبالتالي إسرائيل سيكون لها دور".
ووفق معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، تشرف قوات دولية متعددة الجنسيات على الجزيرتين، الواقعتين على مدخل خليج العقبة (الممتد من البحر الأحمر ويفصل بين دول عربية، بينها مصر والسعودية والأردن، حتى حدود إسرائيل الجنوبية الغربية.
ووضعت الجزيرتان ضمن المنطقة (ج) المدنية، التي لا يحق لمصر وجودا عسكريا فيها مطلقا، لكن ذلك لا ينفى أنها تمارس سيادتها عليهما.
ومتفقا مع السعداوي، قال الخبير مختار غباشي إن "ثمة ارتباطا إقليميا سيحدث مع تسليم الجزيرتين متصل بوضع جديد محتمل لإسرائيل في المنطقة".
واستدرك بقوله: "لكن أتصور أن السعودية بحكم وضعها الأدبي والديني صعب أن تتحرك في هذا الإطار، طالما لم تحل القضية الفلسطينية، ووارد أن تدير مصر الجزيرتين كحلّ مؤقت".
ورجح الخبير المصري، سعيد صادق، أن "يكون هناك اتفاقا مصريا إسرائيليا سعوديا ما بدراية أمريكية".
ولم يستبعد صادق أن يكون "ما يتم ضمن إجراءات صفقة القرن، التي تحدث عنها السيسي في زيارته الأخيرة لواشنطن (في أبريل/ نيسان الماضي)، والتي تعبر عن تحرك عربي تجاه إسرائيل، وحل ما للقضية الفلسطينية".
وكان المسؤول السعودي السابق، أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي)، قال في تصريحات سابقة للأناضول، إن "سياسات المملكة واضحة بأنه لا يمكن التطبيع مع إسرائيل، طالما لم تُحل القضية الفلسطينية"، مستدركا: "لكن وارد أن تكون هناك علاقة أقوى مع واشنطن (حليفة تل أبيب)".
رابعا: نزاع مع السودان
رابع التداعيات المحتملة، حسب الخبير المصري مختار غباشي، هو أن "تسليم الجزيرتين إلى السعودية سيفتح على مصر بابا جديدا لن يغلق ويطرح تساؤلات من السودان حول ما يقول إنها أحقيته في (مثلث) حلايب و(أبو رماد) وشلاتين".
وردت المذكرة الحكومية المصرية بخصوص "تيران وصنافير" على هذا الشق، قائلة إن "الجزيرتين ملكية سعودية خالصة، كانتا تخضعان لإدارة مصرية، بينما حلايب وشلاتين ملكية مصرية وخضعتا لإدارة سودانية، ومن ثم فإن عدم اعتراف مصر بحق السعودية قد يمثل ذريعة للسودان للتمسك بحلايب وشلاتين".
وعقب توقيع اتفاقية "تيران وصنافير"، في أبريل/ نيسان 2016، طالب السودان بأحقيته في مثلث حلايب وأبو رماد وشلاتين الحدودي، غير أن القاهرة رفضت بشدة، مشددة على مصرية المثلث الحدودي.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك