تستضيف جامعة كامبريدج البريطانية معرضا جديدا يسلط الضوء على مجموعة صور لم ينشر معظمها للمصور هاري بورتون الذي انفرد بتصوير أعمال الحفائر الطويلة لاكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، أحد أبرز الاكتشافات الأثرية التي شهدها القرن العشرين.
وإن كانت مجموعة الصور تعد سجلا رائعا لتوثيق لحظة فارقة في دراستنا للتاريخ، فكيف بدا الأمر أمام عدسة كاميرا بورتون وهي تلتقط لأول مرة صورا لمحتويات مقبرة توت عنخ آمون التي يعود عمرها إلى ثلاثة آلاف عام؟
استطاع بورتون التقاط ما يزيد على 3400 صورة لكنوز اكتشفها عالم الآثار البريطاني هاوارد كارتر بعد بحوث أثرية امتدت عشر سنوات في موقع مقابر وادي الملوك الشهير في الأقصر.
وكانت كرستينا ريغز، بجامعة إيست أنجيليا، أول من أقدم على دراسة مجموعة الصور بالكامل.
وقالت بعد دراسة الصور المطبوعة وأصل الصور إنها توحي برؤى جديدة في ما يتعلق بالاكتشاف المدهش الذي حدث في عام 1922.
السحر والواقع
برزت معلومات جديدة من خلال دراسة الصور التي لم تنشر من قبل، وكذلك المجموعة التي أعيد طبعها وجرى تداولها على نطاق واسع خلال عشرينيات القرن الماضي.
وقالت ريغز، أمينة معرض صور توت عنخ آمون لدى متحف الآثار وعلم الإنسان التابع للجامعة، إن الصور "ستغير منظورنا بالكامل لتاريخ مصر القديم والحديث وعلم الآثار".
وأضافت "بمجرد التفكير في طبيعة العلاقة المعقدة وغير المتكافئة أساسا التي تجرى فيها أعمال الآثار، يصعب رؤية صورة بطريقة محايدة من أي نوع".
لصوص الفراعنة الذين خربوا مقابر الملوك
وعلى الرغم من أن الصور تصف لحظة اكتشاف كارتر للمقبرة الأسطورية، إلا أن الصورة أعلاه التُقطت بالفعل بعد عام في يناير/كانون الثاني 1924. وبحلول ذلك الوقت كان عمال الحفائر قد هدموا الجدار الفاصل بين أول غرفة في المقبرة وغرفة الدفن. وقد التقطت صورة لكارتر وهو ينظر إليها.
وقالت ريغز إن هذه الصورة "تجعلنا نتصور مباشرة أن كارتر ينظر إلى شيء أكثر من رائع، شيء مبهر في الداخل".
والذي لا يبدو للمشاهد العارض للصورة أن كارتر ينظر إلى مجموعتين من ممرات الأبواب التي تؤدي إلى التوابيت الملكية.
وأضافت ريغز أن الصورة "نُظمت بعناية"، واستطاع مساعدو بورتون المصريون حمل عاكسات ارتداد الإضاءة لتهيئة تأثير يجعل كارتر نفسه يبدو محاطا بهالة من الغموض.
شارك أكثر من مئة رجل وصبي وفتاة في أعمال الحفر ورفع الأنقاض من موقع الاكتشاف.
وتظهر هذه الصورة التي التقطت في مايو/ أيار عام 1923 العمل الشاق لنقل صناديق تحتوي على القطع الفنية من المقبرة في وادي الملوك في الأقصر لمسافة ستة أميال.
ونقلت سفينة تابعة للحكومة المصرية الصناديق الثمينة تحت حراسة عبر مجرى الملاحة النهري إلى متحف الآثار في القاهرة. واستغرقت هذه الرحلة يومين في درجة حرارة 38 درجة مئوية.
الحب والعشق في زمن الفراعنة
واستخدم في عملية النقل خط سكة حديد للنقل الخفيف. وقال كارتر إن قضبان السكة الحديد كانت ساخنة جدا لدرجة لا يمكن لمسها.
أشهر قطع فنية قديمة في مصر
التقط بورتون في ديسمبر/كانون الأول عام 1925 صورة للقناع الذهبي لمومياء توت عنخ آمون المرصع بالأحجار شبه الكريمة والمطعم بزجاج منحوت بطريقة معقدة.
والتقط أكثر من عشرين صورة للقناع في مسعى لتوثيقه من كل زاوية بعد أن قضى أسابيع ينزع عنه مادة الراتينج الصلبة التي كانت تُصب على المومياء كجزء من الطقوس الدينية في مصر القديمة.
ولم تُنشر بعض الصور للتداول العام نظرا لاستخدامها العلمي لأغراض علماء الآثار. وتظهر الصورة بأعلى رأس توت عنخ آمون المحنطة على لوح خشبي قديم.
ونُشرت صور رأس "الملك الشاب" لأول مرة في ستينيات القرن الماضي، عندما أقيم أول معرض كبير لكنوز توت عنخ آمون في العاصمة الفرنسية باريس.
طريقة عمل بورتون
تظهر هذه الصورة غير المنشورة من قبل بعض أساليب العمل التي اتبعها بورتون. وقد وضع المصور سريرا من الخشب اكتشف ضمن محتويات المقبرة أمام خلفية بيضاء يحملها صبيان مصريان. ويظهر أحد الصبيين في يسار الصورة.
وقالت ريغز إن الصبيين كانا يحركان الخلفية أثناء التقاط الصورة، وهو ما أدى إلى حدوث حالة من الضبابية البيضاء في الخلفية مع الاحتفاظ بتركيز الصورة على السرير أمام الكاميرا الموضوعة على حامل تثبيت.
درس هاري بورتون، وهو ابن نجار أثاث، التصوير في فلورنسا. والتقى هناك بثري أمريكي يدعى تيودور ديفيز، والذي كان مولعا على نحو خاص بتمويل أعمال الحفائر الأثرية في مصر.
وعندما بدأت الحرب العالمية الأولى، أوصى ديفيز، الذي كان قد أشرف على الموت، بعمل بورتون في متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، والذي عين الأخير في مصر.
وقالت ريغز "يمكنك رؤية التوتر العصبي على ملامح وجه الطفل المصري الذي يرتدي واحدة من القلادات الذهبية الثقيلة من المقبرة".
ثورة العمال وحقوقهم في مصر القديمة
وبعد سنوات لاحقة، قدم رجل ينتمي لأسرة محلية رائدة، وهو الشيخ حسين عبد الرسول، نفسه بوصفه الصبي الظاهر في الصورة. واليوم يمكن رؤية صور معلقة في منزل الضيافة الذي يمتلكه الشيخ حسين بالقرب من معبد الرامسيوم الأثري المكرس للملك رعمسيس الثاني.
وقالت ريغز "بعض الصور مثيرة الدهشة تظهر أطفالا، تتراوح أعمارهم بين السادسة والسابعة، يؤدون أعمالا شاقة في ذلك الوقت".
وضع الأمور في نصابها
وقالت ريغز "اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون كان رمزا قويا للكثير من المصريين، لإيقاظ بلادهم، كما أصرت هيئة الآثار المصرية على حقها في الاحتفاظ بمحتويات المقبرة في مصر".
لكن في عام 1929 عندما اتضح أن المتحف لن يشارك بشيء، كان يعني ذلك أن كل جهود بورتون في الأساس بالمجان، وأعطى كارتر لمتحف نيويورك بعض الصور بدلا من بعض القطع.
الزواج وحقوق المرأة في مصر القديمة
وأضافت ريغز "يعرف البعض أن اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون كان نقطة خلاف سياسي بين بريطانيا والحكومة المصرية التي كانت حصلت على استقلالها مؤخرا (في ذلك الوقت)".
وقالت "أصبح التصوير طريقة مثلى لتسجيل الجهود المبذولة في علم الآثار".
وأضافت "أتمنى أن تساعدنا في التعرف على المساهمة المصرية التي لم تذكر على نحو كاف، ولم يُعترف بها".
ويستمر المعرض برعاية متحف الآثار وعلم الإنسان لجامعة كامبريدج حتى 23 سبتمبر/ أيلول المقبل، بدعم من الأكاديمية البريطانية وجامعة إيست أنجيليا ومعهد غريفث بجامعة أوكسفورد. والمعرض يستقبل جمهوره بالمجان.
بيث تيمينس
بي بي سي
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك