دفعت الخسائر الميدانية والبشرية المتلاحقة، الميليشيات الحوثية إلى محاولة تعويض تناقص أعداد مقاتليها عبر السعي لاستقطاب السكان المنتمين إلى المحافظات الجنوبية والموجودين في مناطق سيطرتها، لجهة تشكيلهم في كتائب للقتال في صفوفها، بعد ترغبيهم بالمناصب والأموال. وكشفت الجماعة الحوثية من جهة أخرى عن تشبثها ببقاء العشرات من نواب البرلمان في مناطق سيطرتها من أجل استغلالهم لتوفير غطاء سياسي وقانوني لأعمالها الانقلابية، إذ توسل رئيس مجلس حكمها مهدي المشاط هؤلاء النواب للبقاء تحت إمرة جماعته، ووعدهم بتنفيذ كل مطالبهم الشخصية على صعيد الأموال وتعزيز النفوذ.
وفي سياق متصل بانتهاكات الميليشيات الحوثية، أقدم عناصرها هذا الأسبوع على نكث العهد بالتعايش مع سلفيي محافظة ذمار، الذي كانت وقعته مع الشيخ السلفي البارز محمد الإمام الذي يدير مركز «دار الحديث» في مدينة معبر الواقعة شمالي المحافظة، في 2014. حيث اقتحم مسلحو الجماعة المركز الذي يضم 5 آلاف طالب وقتلوا طالبا على الأقل وأصابوا آخرين.
وأفاد طلاب في المركز لـ«الشرق الأوسط» بأن الميليشيات طلبت من شيخهم محمد الإمام إصدار فتوى توجب القتال في صفوفها، كما طلبت منه إرسال طلابه الذين يناهز عددهم 5 آلاف طالب، للقتال في جبهة الساحل الغربي، وهو الأمر الذي رفضه الزعيم السلفي البارز، مؤكدا للجماعة أن مطالبها تتعارض مع معتقده في عدم استباحة الدماء وعدم الانخراط في الصراع الذي تعيشه البلاد.
وذكرت المصادر أن الشيخ محمد الإمام، أخبر طلابه بأن عليهم مغادرة المركز السلفي، لجهة استشعاره بأن الميليشيات التي تحاصر المركز اتخذت قرارها بنكث العهد، وباتت تستعد للتنكيل بالطلبة، في مقابل عدم استطاعته حمايتهم من بطش الجماعة الحوثية.
وكشف طلبة المركز السلفي أن العشرات منهم بدأوا في مغادرته إلى مناطقهم، استجابة لنصيحة شيخهم الإمام، في حين توعد بعضهم بالانتقام من الميليشيات الحوثية من خلال الالتحاق بمعسكر الحكومة الشرعية، إذ بات القتال إلى جانبها، على حد قولهم، فريضة واجبة بعد أن اكتشفوا غدر الحوثيين وعدم جديتهم في التعايش مع المختلفين عنهم طائفيا ومذهبيا.
في غضون ذلك، أفادت مصادر حزبية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» بأن رئيس مجلس حكم الميليشيات مهدي المشاط، أوعز إلى الزعيم القبلي الموالي للجماعة ضيف الله رسام والمعين من قبلها عضوا في مجلس الشورى إلى جانب منصبه رئيسا لمجلس التلاحم القبلي التابع لها، للإشراف على إنشاء كتائب من المواطنين الجنوبيين للقتال في صف الميليشيات.
وذكرت المصادر أن المشاط، شدد على الإسراع بتقديم خطة تضمن إنشاء عدد من الكتائب الجنوبية، للدفع بها باتجاه جبهات لحج وأبين والضالع، لمواجهة القوات الحكومية، وإغراء أكبر قدر من الجنوبيين الخاضعين للجماعة بالموافقة على حمل السلاح، من أجل استعادة المناطق الجنوبية التي ينتمون إليها، على حد زعمه.
وبينما شرعت الجماعة في تنفيذ عملية الاستقطاب في صنعاء وتعز، اعترفت المصادر الرسمية التابعة لها بانعقاد اجتماع قبل يومين، ضم القيادي القبلي ضيف الله رسام، ومحافظها الذي عينته لعدن، طارق مصطفى سلام، وهو الاجتماع الذي أشارت إليه بأنه «لقاء تحضيري لأبناء محافظة عدن، لتأسيس كتيبة المشاة الأولى من أبناء المحافظة والمحافظات الجنوبية».
وذكرت النسخة الحوثية من وكالة «سبأ» بأن محافظ الميليشيات، سلام، أفاد خلال الاجتماع بأن هذه الخطوة لاستقطاب الجنوبيين للقتال جاءت بتوجيه مباشر من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي «من أجل تأسيس جبهة عسكرية جديدة لتحرير المحافظات الجنوبية الشرقية» على زعمه. وأشار المسؤول الحوثي إلى وجود تنسيق مع قادة الميليشيات في جبهات تعز ولحج من أجل تحشيد الراغبين في التجنيد من الجنوبيين والدفع بهم إلى معسكرات لاستقبالهم وتدريبهم، قبل الزج بهم في المعارك باتجاه جبهات لحج وأبين وشبوة. وترجح مصادر عسكرية في صنعاء، بأن هذه الخطوة الحوثية، تعبر في المقام الأول عن حجم خسائرها البشرية وعدم قدرتها على تعويض نقص مقاتليها الذين يتساقطون يوميا بالمئات بين قتيل وجريح في مختلف الجبهات، إلى جانب أنها تخطط كما يبدو للدفع بمن تستقطبهم من المجندين الجنوبيين، إلى مناطق تعز ولحج، وسحب عناصرها في المناطق للقتال في صعدة والساحل الغربي.
وكانت التحركات الميدانية المكثفة لقادة الجماعة من أجل ما تسميه بـ«التعبئة العامة» للعسكريين السابقين والتحشيد في أوساط القبائل، منيت بالفشل الكبير، على رغم حجم الإغراءات المالية التي عرضتها الجماعة من أجل استقطاب المزيد من المقاتلين إلى صفوفها بخاصة من أتباع حزب «المؤتمر الشعبي».
وفي حين تحرص الجماعة على تركيز جهود التحشيد والاستقطاب في أوساط القبائل في محافظات حجة والمحويت وذمار وعمران وإب، أفادت مصادر قبلية في محافظة حجة لـ«الشرق الأوسط» بأن محافظ الميليشيات هلال الصوفي، عقد اجتماعا بأعيان المحافظة وزعاماتها القبلية، وأخبرهم بأنه تلقى توجيهات من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي تشدد عليهم من أجل حشد 20 ألف مقاتل والتوجه بهم نحو الحديدة، إلى جانب طلبه منهم إصدار بيان للتبرؤ فيه من الشخصيات القبلية والحزبية المناهضة للانقلاب والمساندة للشرعية. وبحسب المصادر، فقد اعتذر أغلب الحاضرين إلى الاجتماع عن تلبية طلب الجماعة وزعيمها، بتوفير كل هذا العدد من المجندين الجدد، وبخاصة أنهم دفعوا إلى الجبهات في الأشهر الماضية بالمئات من أتباعهم الذين عاد أغلبهم قتلى وجرحى، غير أن المحافظ الحوثي حذرهم من التباطؤ، وهدد بالتنكيل بكل من يخالف التوجيهات.
على صعيد آخر، أمرت الميليشيات الحوثية النواب الذين ما زالوا في مناطق سيطرتها، بالانعقاد، مجددا، السبت، على رغم أنهم لا يشكلون النصاب القانوني للاجتماع وممارسة مهامهم النيابية، وذلك في سياق الحرص من الجماعة على الإبقاء على أكبر عدد من النواب خاضعين لإمرتها من أجل شرعنة أعمالها الانقلابية.
كما حرص رئيس مجلس حكم الجماعة مهدي المشاط، على الحضور، يوم الأحد، إلى مقر البرلمان، حيث ألقى خطابا بحضور نحو خمسين نائبا، يشكلون ما نسبته السدس من إجمالي أعضاء مجلس النواب، وذلك بعد أن تتابع فرار أغلبهم إلى خارج اليمن، أو نحو مناطق سيطرة الشرعية بعيدا عن قبضة الجماعة.
وبحسب نص الخطاب الذي نقلته المصادر الرسمية للجماعة، توسل المشاط النواب الحاضرين للبقاء في صنعاء، وكال لهم أنواع المديح والإطراء، ووعدهم بأنه سيكافئهم بتلبية كل مطالبهم الشخصية، سواء المالية أو المتعلقة بالإبقاء على نفوذهم ضمن سلطة الجماعة.
وكرر رئيس مجلس انقلاب الجماعة، اعتذاره من النواب في فقرات الخطاب، لجهة انشغاله عنهم غير المقصود، وعدم اهتمامه بهم من قبل بالشكل اللائق، زاعما أن استدرك تقصيره بالحضور إليهم، وأمر كل قادة الجماعة في المحافظات والمديريات بتلبية مطالبهم، في الوقت الذي شن فيه هجوما معبئا بالشتائم ضد النواب الذين أفلتوا من صنعاء. ويعكس توسل المشاط وخطابه الناعم للنواب، وهو المعروف بغطرسته وحمقه في أوساط قيادات الجماعة، مدى صعوبة الأوضاع الميدانية التي تواجهها الميليشيات، كما يعكس أنها باتت في أقصى حالات العزلة على الصعيد المحلي، على رغم مساعيها المتواصلة لاستقطاب أعيان المجتمع للمشاركة في إسناد حروبها، وللتغطية القانونية على أعمالها غير الشرعية.
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك