أزمة غير مسبوقة وخلاف حاد تسارع نسقه بين السعودية وكندا، أثار زوبعة من الانتقادات وتراشقا بالتصريحات بين دولة علمانية شعارها الدفاع عن الحريات ودولة محافظة تشق طريقها نحو الحداثة.
انتقاد أوتاوا لسجن نشطاء في مجال حقوق الإنسان بالمملكة السعودية، في الخامس من الشهر الجاري، بينهم الناشطة الأمريكية من أصول سعودية سمر بدوي، شقيقة المدون السعودي المعتقل في الرياض رائف بدوي، لم يمر مرور الكرام.
فالمملكة في حالة تأهب، خاصة في ظل الإصلاحات التي تقوم بها منذ تقلّد محمد بن سلمان منصب ولي العهد، وقد رأت الرياض في تغريدات وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند والسفارة الكندية في الرياض، التي طالبت فيها بالإفراج عن معتقلين في إطار ما وُصف بأنه حملة قمع للأصوات المعارضة، تدخلا في شأنها الداخلي، ما جعلها تستدعي سفيرها من كندا، وتطرد السفير الكندي لديها، إضافة إلى اتخاذها إجراءات أخرى ضد أوتاوا، في خطوة مفاجأة اعتبرها العديد صادمة!
رائف بدوي "رأس البلاء"!
إيقاف الخطوط الجوية السعودية رحلاتها المباشرة إلى تورنتو، وتجميدها التعاملات التجارية والاستثمارات الجديدة مع كندا.. لم يكسر مجادف أوتاوا، التي أكدت تأهبها الدائم لنصرة حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة وحرية التعبير في جميع أنحاء العالم.
ولمزيد من التوضيح، تواصلت RT مع الخبير في الشأن الكندي زهير طابا من مونتريال، الذي قال إن خبر طرد السفير الكندي صدم الشارع، وإن العديد من الملاحظين أشاروا إلى أن القرار السعودي كان جاهزا منذ حصول إنصاف حيدر زوجة رائد بدوي، التي لجأت صحبة أبنائها الثلاثة إلى أوتاوا، على الجنسية الكندية، لكن الرياض بقيت تقتنص الفرصة لتجاهر به.
ويؤيد موقف أصحاب هذا الرأي خروج الرياض عن العرف الديبلوماسي في مثل هكذا حالات، بحسب محدثنا، فمن المفروض أن "تواجه الرياض بيان السفارة الكندية على تويتر ببيان مضاد أو تستدعي السفير للتشاور، وفي حالة العودة والتكرار بإمكانها أن تستدعي سفيرها، ثم إذا تواصلت الأزمة تلجأ إلى طرد السفير الكندي، وهذا ما لم يحدث، وذهبت الرياض مباشرة إلى الحل الأخير، وهو ما يقيم الدليل على تعفن العلاقة بين البلدين منذ مدة".
الوعد المنكوث..
"خيبة أمل كبرى مُنيت بها السعودية بعد فقدانها حليفها الكبير رئيس الحكومة السابق ستيفن هاربر، زعيم حزب المحافظين، ووصول جاستين ترودو الليبيرالي إلى رأس السلطة"، هكذا قيم الخبير في الشأن الكندي زهير طابا الوضع.
وقال إن: "أول امتحان للوافد الجديد كان التوقيع على صفقة بيع المدرعات مع المملكة في صيف 2016، هذه الصفقة التي رُسمت كل بنودها عام 2014 مع حزب المحافظين، اشترت من خلالها الرياض صمت أوتاوا بخصوص قضية المعارضين المعتقلين".
وأوضح أن: "حكومة كندا الجديدة رسمت هدفا واضحا لقضية رائف بدوي وأعدت له العدة جيدا، وفق حل يضمن مخرجا مشرفا للمملكة من أزمة المعارضين المعتقلين".
ويقول المحلل الكندي لـ RT: "تحول عمر الغبرة في صيف 2016 إلى الرياض خلال انعقاد اللجنة الكندية الخليجية المشتركة والتقى الملك سلمان وحمل معه العرض الكندي لحل أزمة رائف بدوي، وذلك بأن يقع استبدال عقوبة الجلد بالنفي ثم يخرج رائف بدوي لأسباب صحية على أن يقع تسفيره إلى لبنان للعلاج ثم لكندا للعلاج ويطوى الملف بصفة نهائية". فوضع المخرج كل من فيليب كويار رئيس حكومة مقاطعة كيبيك الذي عمل لمدة 8 سنوات في وزارة الصحة السعودية، وعمر الغبرة النائب في البرلمان الكندي من أبوين سوريين المولود في السعودية ويشغل سكرتيرا لوزارة الخارجية الكندية ومستشارا خاصا لترودو".
وتابع: "في شهر أبريل الماضي وخلال مكالمة هاتفية بين ترودو والملك سلمان طلبت كندا من السعودية رسميا الإيفاء بتعهداتها بخصوص ملف رائف بدوي أو ستجد نفسها مضطرة لمنحه الجنسية الكندية الفخرية، فردت الرياض على التهديد بمنح صوتها في 13 يوليو الماضي لملف كندا والمكسيك والولايات المتحدة لتنظيم مونديال 2026 لامتصاص غضب أوتاوا".
ماذا عن الابتزاز؟
ومن الرياض، تحدث سالم اليامي الدبلوماسي السابق والكاتب والباحث السياسي لـ RT عن الخلاف قائلا: "إن كندا تستغل موضوع مواطن عادي للتأثير على العلاقات، فالموقف الكندي من قضية رائد ليس للدفاع عن حقوقه، بل للحصول على امتيازات اقتصادية وسط المشاكل التي تعاني منها مع أمريكا، خاصة منذ قدوم دونالد ترامب، حيث بات الجانب الكندي محل انتقاد، وبدأت أصوات السياسيين وكتل المعارضة الكندية ومن المحافظين بانتقاد الحكومة علنا، مما جعله يحاول تعزيز علاقاته مع جهات أخرى ومنها السعودية".
وأكد الخبير على أن: "رائد ليس محور الخلاف، كما أن موضوع حصول زوجته وأبنائها على الجنسية الكندية ليس أمرا خارقا، فبمجرد أن تقيم في كندا ويكون بحوزتك 300 ألف دولار يمكن أن تقدم على الجواز".
أما عن سبب سرعة رد فعل المملكة وحدة موقفها، أوضح سالم اليامي أن: "الرياض كانت تقصد هذه السرعة في اتخاذ القرار بشأن تدخل كندا في الشأن الداخلي للمملكة، لأنها تعرف أن ذلك مخالفا للأعراف الدولية، فالكنديون يعتقدون أنهم يتعاملون مع المملكة القديمة ولم يستوعبوا بعد أن هناك مملكة جديدة تسعى للتغيير".
وزيرة الخارجية الكندية كريستيا فريلاند، تعمل منذ أيام، على قدم وساق للوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين، قبل أن تبتلع زوبعة الخلاف آخر فرص حلّه، فكانت لها لقاءات مع نظيريها في ألمانيا والسويد، لمعرفة كيفية حلهما الخلاف مع المملكة في وقت سابق، عندما استهدفتهما المملكة لانتقادهما انتهاكات حقوق الإنسان في الرياض.
كما كان لها اتصال مع نظيرها السعودي عادل الجبير، لم تعلن نتائجه، لكن تصريحات الجبير الحادة بعد ذلك لم تكن علامة خير، حيث قال إن الموقف الكندي بُني على "معلومات مضللة"، مؤكدا على أن أي شخص محتجز لدى السلطات في بلاده "يخضع للقوانين السعودية التي تضمن حقوقه".
ما الذي قد تخسره كندا بسبب الخلاف؟
الإجراءات التي اتخذتها الرياض بحق أوتاوا كانت مجحفة، لكنها لم تصل لحد كسر الظهر، لكن إذا ما تطور الخلاف ستكون هناك إجراءات أشد من شأنها التلاعب باقتصاد كندا، ويقول الخبير السعودي لـ RT: "ما زالت للمملكة أشياء يمكن أن تؤثر بها على كندا، فلو ألغيت أو تأثرت مسارات صفقة الأسلحة القائمة بين البلدين منذ 2014، ستكون خسارة كندا كبيرة جدا، فالمال لا يعني شيئا للسعودية وإلغاء الصفقة لن يؤثر عليها، لكن سيكون له تأثير عميق على كندا التي تعاني من وضع اقتصادي سيء".
لكن، يبدو أن الخلاف القائم بين الرياض وأوتاوا في طريقه للانفراج، فمحدثنا يتوقع أن يلين ترودو ويعيد حساباته، خاصة في ظل الانتقادات التي تطال حكومته من الداخل الكندي، ويؤكد أن في السياسة لا يمكن التصريح بكل ما ينوي الشخص فعله، فتحت الطاولة يكون هناك مسار ودي، ورفض ترودو الاعتذار ليس إلا كلاما، على حد قوله.ويتابع: "كما أصبحت كندا على وشك خسارة أكبر شريكين لها في المنطقة، المملكة، وهي الأول في علاقاتها التجارية مع كندا، ثم دولة الإمارات، وهي الشريك الثاني. ويعرف الكنديون مدى قوة العلاقة بين الجانبين، علاوة على أن الإمارات أعلنت مساندتها للمملكة".
المصدر: RT
رُبى آغا