في سبتمبر 2008، أعلن بنك "ليمان برذرز" وهو أكبر بنك استثماري في أمريكا بموجودات تبلغ قيمتها 600 بليون دولار إفلاسه، وكانت هذه أكبر عملية إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة، ومن بعدها بدأ أكبر تراجع اقتصادي عالمي منذ الكساد الكبير الذي حدث عام 1929.
على الرغم من تحذير عدد كبير من خبراء الاقتصاد من وجود فقاعة مالية كبيرة في سوق العقارات تتراوح نسبتها ما بين 10% إلى 15%، إلا أن أغلب المستثمرين لم يتوقعوا ما حدث، ولم يظنوا أن الاقتصاد العالمي سينهار لهذه الدرجة.
ومنذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى عام 2007، زادت أسعار المنازل في الكثير من المناطق بالولايات المتحدة، ففي جنوب كاليفورنيا تضاعفت الأسعار ثلاث مرات، كما أن انخفاض أسعار الفائدة لسنوات طويلة وسهولة شروط الإقراض، شجع الكثير من الأشخاص على الاقتراض والاستثمار، حتى الطبقة الفقيرة بدأت في شراء المنازل بدعم من البنوك.
وبدأت البنوك تستخدم منتجات مالية جديدة، مثل تأجيل دفع الأقساط الشهرية وفوائد القروض فقط، وشراء المنازل بدفعة أولى صغيرة أو حتى دونها، كما لم تعد البنوك تتأكد من قدرة المقترض على السداد، وتسبب هذا في شراء منازل أعلى من قيمتها الحقيقية بنسبة 15 و20%.
في خريف 2007، وجدت مؤسسات الإقراض صعوبة في الحصول على الأموال، لتمويل أنشطتها وبدأ سعر الفائدة يرتفع، الأمر الذي تسبب في عجز المقترضين عن التسديد، كما تراجعت أسعار المنازل، وحينها طالبت البنوك المقترضين بدفع ما عليهم إلا أن عجزوا عن ذلك، مما أدى إلى خسارتهم منازلهم، كما واجهت المصارف خسائر كبيرة بسبب تراجع أسعار البيوت المرهونة لديها، واضطريت إلى تسريح العاملين في شركات الرهن العقاري، حيث فقد 125 ألف عامل وظائفهم في الفترة من عام 2007 وحتى 2008، وبعد فترة قصيرة بدأ سوق الرهن العقاري ينهار، وتسببت هذه الأزمة في نتائج كارثية على الاقتصاد الأمريكي وعلى الاقتصاد العالمي بشكل عام.
ويقول المحلل الاقتصادي، ذكاء الخالدي، إنه بعد مرور 10 أعوام على بداية أزمة الرهن العقاري، مازال الكثير من الأمريكيين يعانون من أوضاعاً اقتصادية صعبة للغاية، حيث تسببت الأزمة في محو 8 تريليون دولار من حصة القطاع العائلي في السوق المالية، و6 تريليون دولار من قيمة المنازل، كما خسر 10 مليون أمريكي منازلهم، وحتى وقتنا الحالي لم يتمكن أغلب الأمريكيين من استرجاع ما خسروه من أموال أو منازل أو وظائف.
وأشار الخالدي، إلى أن العديد من الأمريكيين يلقون اللوم في معاناتهم على 3 مسؤولين سابقين، وهم " بن بيرنانكي" رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك، ووزير الخزانة ومحافظ فرع مجلس الاحتياط الفيدرالي في نيويورك، فبعد أن أعلن بنك "ليمان برذرز" إفلاسه، ذهب الثلاثة إلى الكونغرس مطالبين بـ 700 بليون دولار من أجل إنقاذ البنوك وحماية الاقتصاد الأمريكي من الانهيار.
وحذر الثلاثة من انهيار النظام المالي بأمريكا، وحدوث كساد يشبه ما حدث في عام 1929، إلا أن ما قالوه لم يكن حقيقيًا، لأن الأمر يختلف في الحالتين، صحيح أنه في عام 1929 عندما فشل مجلس الاحتياطي في إنقاذ البنوك حدث الكساد الكبير، ولكن في عام 2008، كانت هناك شركة ضمان الودائع الفيدرالية، المسؤولة عن الحفاظ على المصارف من التعرض لفشل في سيولتها، إلا أن ما فعله المسؤولون الثلاثة تسبب في الإبقاء على الهيكل المالي المنتفخ الذي تكون على مدى ثلاث عقود، وجعل مسؤولو المصارف يكونون ثروات هائلة من الممارسات المالية الخطيرة، التي تسبب في الأزمة، وإذا لم يتم إنقاذ هذا النوع من المصارف لتم التخلص منها عن طريق ديناميكية السوق، إلا أن البنوك التي تم إنقاذها صارت الآن أكبر من أي وقت مضى.
وأوضح الخالدي، أن الأزمة المالية العالمية التي حدثت في 2008، خلفت ثلاثة دروس مهمة يبدو أن الحكومات لم تستوعبها بالكامل، وهي أهمية منع البنوك من ممارسة سياسات ائتمانية خطيرة من أجل مضاعفة أرباحها لأن هذا يعرض الاقتصاد للخطر، وإجبار البنوك على زيادة رؤوس أموالها والاحتفاظ باحتياطيات كبيرة، وتقسيم البنوك الضخمة إلى بنوك صغيرة، تمارس فيها الحكومة رقابة على أنواع القروض، مؤكدا على أهمية تبني سياسات كلية مناسبة، فالسياسة النقدية وحدها أضعف من أن تمنع انهيار الاقتصاد، لذا يجب إعطاء أهمية كبيرة للسياسة المالية، باعتبارها أداة للإدارة الاقتصادية.
وأشار إلى أن بعض العوامل التي أدت إلى حدوث الكساد الكبير في 1929، سبقت انهيار قطاع الرهن العقاري في عام 2008، ولم يحدث هذا من قبيل الصدفة بل أن التاريخ يعيد نفسه والأحداث تتكرر، لافتاً إلى أن زيادة الفروقات في توزيع الدخل اليوم يعد مؤشر إلى ما يمكن أن يحدث غدًا، وحتى بعد أن استعاد الاقتصاد الأمريكي قوته إلا أنه بقى هشًا، فالفجوة بين الفقراء والأغنياء اليوم تشبه الفجوة التي كانت موجودة قبل الكساد الكبير.
- Investing.com