دخل قرار وقف إطلاق النار في اليمن، الذي أعلنه التحالف بقيادة السعودية بشكل أحادي، يومه الخامس، بنفس الزخم من المعارك التي جاء لإخمادها، وخصوصاً في الجبهات التي كانت مشتعلة قبل منتصف ليل الخميس الماضي، لحظة دخول الهدنة حيّز التنفيذ. وحتى الآن، لم تحقق الهدنة أيا من أهدافها الجوهرية، فالعمليات القتالية في مأرب والجوف والبيضاء لم تتوقف. كما أن العنوان الرئيسي لوقف الحرب، وهو تهيئة الأجواء لمواجهة تفشي فيروس كورونا، لا تظهر مؤشراته، بعد تسجيل أول إصابة بالوباء في محافظة حضرموت شرقي اليمن وتعالي التحذيرات من غياب الاستعدادات اللازمة لخوض المعركة الصحية.
ومن خلال رصد "العربي الجديد"، فقد كان الجمعة الماضي، أكثر الأيام هدوءاً خلال أيام الهدنة، بعد غياب تام للضربات الجوية. ومن المرجح أن الصدمة التي أحدثها اكتشاف أولى حالات كورونا كان له الأثر في تراجع وتيرة المعارك. لكن يوم السبت الماضي شهد عودة إلى نقطة الصفر. وتحدث الحوثيون، عن 25 غارة للتحالف أول من أمس السبت، وقالوا إن جبهة صرواح نالت نصيب الأسد منها، بواقع 23 غارة. وتبادلت الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين الاتهامات حول المتسبب الأول بالتصعيد، إذ أعلن كل طرف أنه تصدى لزحف على مواقعه. لكن القوات الحكومية أعلنت مقتل 15 حوثياً، وهي نفس الأرقام التي كانت تعلنها في ذروة التصعيد العسكري مطلع مارس/آذار الماضي.
وأعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، في بيان، أن المعارك التي بدأت في صرواح، السبت الماضي، استمرت حتى صباح أمس الأحد. وقال إن 7 غارات إضافية شنها التحالف على مناطق متفرقة في محافظتي مأرب والجوف. وأكدت مصادر قبلية، لـ"العربي الجديد"، أن المعارك التي تشهدها مديرية صرواح، هي نتيجة لتصعيد الحوثيين، حيث تسعى الجماعة لقضم أكبر مساحة جغرافية في محافظة مأرب النفطية، قبيل الجلوس حول طاولة المفاوضات التي سترعاها الأمم المتحدة، وذلك بهدف امتلاك أوراق ضغط هامة في المشاورات، تمكنها من انتزاع مكاسب سياسية، باعتبارها الطرف الأقوى على الأرض. ووفقاً للمصادر فإن الجيش الوطني و"المقاومة" هما من بادر بالهجوم في جبهات قانية بالبيضاء، واستكمال عملية عسكرية كانت قد انطلقت بالفعل عشية إعلان قرار وقف إطلاق النار.
ولا يقتصر التصعيد الجديد على الجبهات العسكرية، إذ اتهمت الحكومة اليمنية، جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) بإطلاق صاروخ باليستي على منزل الزعيم القبلي البارز علي بن حسن غريب، في مدينة مأرب، ما أسفر عن أضرار فقط دون خسائر بشرية. ووصف وزير الإعلام في الحكومة الشرعية معمر الإرياني الهجوم الصاروخي بـ"الإرهابي"، معتبراً أنه "يؤكد رفض الحوثيين لكل دعوات التهدئة ووقف إطلاق النار، واستغلالها (الجماعة) إعلان تحالف دعم الشرعية وقف إطلاق نار شامل واستجابة الحكومة لهذه المبادرة لتصعيد هجماتها على الأحياء السكنية واستهداف المدنيين". ويعد الشيخ علي بن غريب، صاحب كلمة السر في تحول الموقف العسكري بمأرب لصالح الشرعية، بعد إسناده القوات الحكومية بمئات المقاتلين القبليين، الذين تمكنوا من قلب المعادلة في صرواح وجبال هيلان الاستراتيجية، ودحر الحوثيين من مناطق هامة.
واعتبر مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، في تقرير نشره مساء السبت الماضي، أنه من غير المرجح أن يؤدي وقف إطلاق النار الذي أعلنت عنه السعودية، في 9 إبريل/نيسان الحالي، لمدة أسبوعين لوقف القتال في مأرب. وذكر التقرير، الذي أعدّه المدير التنفيذي للمركز ماجد المذحجي، "يدرك الحوثيون جيداً أن القبول بأي هدنة من شأنه أن يمنح فرصة للمدافعين عن مأرب لإعادة تنظيم صفوفهم ودفاعاتهم، ما يجعل من الصعب عليهم استعادة نفس الزخم الهجومي. أما بالنسبة إلى دعوة الأمم المتحدة جميع الأطراف المتحاربة لوقف القتال للاستجابة لخطر فيروس كورونا، فإن الأزمة الحالية في الواقع توفر فرصة نادرة للحوثيين لشن هجوم واسع على أكثر من منطقة في اليمن، بينما العالم منشغل بتداعيات كورونا ولا يلقي بالاً لما يدور في اليمن". وأشار التقرير إلى أن معركة مأرب هي نقطة تحول مفصلية في حرب اليمن، حيث سيمهد انتصار الحوثيين العسكري طريقهم نحو السيطرة على أكثر المناطق غنى بالموارد، وسيمثل ضربة كبيرة للحكومة الشرعية. أما بالنسبة للحكومة، فإن الدفاع عن مأرب يعتبر امتحاناً مهماً للجيش اليمني، وخمس سنوات من دعم السعودية له، لافتاً إلى أن انكسار الحوثيين في مأرب قد يقوّض طموحهم، ويمنح الحياة لخصومهم، ويُضعف موقفهم التفاوضي الحالي مع السعودية، ويجبر المراقبين الدوليين على مراجعة التقديرات الحالية لقوة الجماعة.
ولا يعترف الحوثيون بالهدنة حتى الآن، وينظرون لها على أنها "مناورة سياسية وإعلامية"، كما جاء على لسان متحدثهم السياسي محمد عبد السلام، لكنهم في المقابل يرصدون خروقات الطرف الآخر أولاً بأول. وإذا لم يشن الطيران السعودي الإماراتي غارات على مواقعهم، فإنهم يعلنون رصد "تحليق" لمقاتلات حربية فوق المحافظات التي يسيطرون عليها. ويمتلك الحوثيون تجارب سيئة مع الهدن السابقة التي رعتها الأمم المتحدة خلال السنوات الأولى للحرب. ففي العام 2016، خسروا ميناء ميدي الاستراتيجي في محافظة حجة أثناء إعلان وقف إطلاق النار، وكذلك خسروا مديرية نهم شرق صنعاء بالتزامن مع هدنة إنسانية، ومن المرجح أنهم يريدون تغيير الصورة النمطية عن ذلك، باقتناص مناطق كثيرة من مأرب في الهدنة الحالية.
وعلى الصعيد السياسي، يسابق المبعوث الأممي مارتن غريفيث الزمن، خشية انهيار آمال السلام، وذلك بضخ مزيد من المقترحات لمبادرته الخاصة بإنهاء شامل للحرب، حيث أعلن، الجمعة الماضي، استيعاب ملاحظات طرفي النزاع وإرساله مقترحات محدثة للمبادرة. وفي أول تعليق للحوثيين، قال القيادي محمد علي الحوثي، فجر أمس الأحد، إن جماعته بعثت برد جديد للمبعوث الأممي، تم التأكيد فيه على "دعمهم لجهوده، وبرهنوا على ذلك بتأكيد ضرورة أن يشهد اللقاء، الذي يتم التحضير له حالياً، توقيعاً وإشهاراً للاتفاق، بعكس الجولات السابقة التي اعتمدت التكتيكات دون حلول نهائية وشاملة والتي عادة ما تفضي للفشل".
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك