في يوم من الأيام تناقشت مع أحد الدكاترة في جامعة لايدن، هولندا وأنا في مرحلة الماجستير عن تعريف الجامعة، فكانت إجابته ببساطة بإن تعريف الجامعة بكل تخصصاتها هو مُحدد في خدمة المجتمع، ويتطلب ذلك تطبيق المهارات التحليلية لفحص البيئة المجتمعية والإدارية والاجتماعية والسياسية المحيطة والتعامل معها وفقًا للأطر النظرية والفكرية الشاملة، وتطوير وجهات نظر نقدية شاملة وترجمتها إلى تطبيقات عملية لحل المشكلات الاجتماعية المتنوعة والمتطورة والمتشابكة، ولذا لا يمكن أن يتقوقع الاكاديمي في برجه البحثي الذي بعض الأحيان لا يلتمس بالواقع بل هو حوار مبني على افتراضات غير واقعية في معظمها، وهكذا لا يمكن أن تكون إكاديمي إذا أنت غير مدرك أهمية التفكير النقدي. الأكاديمي هو مفكر بطبيعته وتركيبته العقلية وهذا ما يميزه عن الآخرين، وإذا فقد هذه القدرات الفكرية فقد أهليته الأكاديمية .
وهذا المسار التعليمي والعلمي يلزم البرامج الأكاديمية عند التدريس على سد الفجوة بين النظرية والممارسة وإعداد طلبة قادرين على التفكير النقدي من أجل ترجمة الكفاءات إلى ممارسة. هناك العديد من الدراسات التي فحصت الهوة بين النظرية والممارسة والتحديات التي تواجه الأكاديميين والممارسين عند التفاعل المباشر أو غير المباشر، ولكن لا توجد دراسات أكاديمية تبحث في طبيعة التسليم التدريسي وهل تركز هذه البرامج الأكاديمية على الجانب النظري من أصله دون التركيز على الجانب الفكري النقدي. وهذه ما تسمى أزمة كفاءات التفكير النقدي للاستجابة للمشاكل وتحديد الفرص الموجودة في المجال العام في سياقات عدم اليقين.
هناك كثير من المؤسسات الاكاديمية العربية التي تعمل على زيادة هذه الفجوة والابتعاد كثيرًا عن التطور النظري والنقدي والفكري في منهاجها وبرامجها الاكاديمية المطروحة. بل بالعكس نجدها تكرس الجهل وتخلق حفظه وليس مفكرين ، فكثير من خرجي الجامعات العربية يجهلون الوسائل والأدوات الفكرية والنقدية التي تجعلهم ينظرون إلى مجتمعاتهم ومشاكلها بعيون خارجية. للأسف هناك من يرى خلاف هذا الواقع ولكن هو واقع مرير وهو سر التخلف والصراعات العربية ، فالتعليم العربي يخدم الساسة ولا يخدم المجتمع ولا يسعى لحلحلة مشاكل المجتمعات العربية المختلفة.
من أجل إصلاح هذا الوضع لابد من تغيير وتطوير وإصلاح البرامج الأكاديمية. لابد من إعادة ة تأهيل دكاترة الجامعات في هذا الجانب إو بناء جيل جديد من المدرسين المؤهلين في الجانب الفكري النقدي. لابد من إصلاح نظم التعليم من نقطة البداية بكل المراحل، وفي كل مرحلة لابد من فلترة للطلبة يُحدد بها من يذهب إلى الجامعة وفي أي تخصص وما هي شروط كل واحد وفقا لمستويات الطلبة المختلفة. هناك العديد من مناهج الإصلاح وطرقه ولكن لابد من تتوفر إرادة سياسية لتحقيق هذا الإصلاح المنشود والمأمول.
* من صفحة الكاتب على فيس بوك
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك