أعادت عمليات الاغتيال المباغتة التي نفذها الاحتلال في غزة، فجر اليوم الثلاثاء، بحق ثلاثة من أبرز قادة "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي إلى الأذهان أسلوب الاغتيال بالصدمة، الذي سبق وأن استخدمته إسرائيل عدة مرات بحق المقاومة الفلسطينية وقادتها.
وجاءت الضربة المباغتة لثلاثة من أعضاء المجلس العسكري لـ"سرايا القدس" وهم جهاد غنام وخليل البهتيني وطارق عز الدين، لتعيد إلى الأذهان هذا الأسلوب الذي استُخدم مرات عدة، كان أبرزها خلال انتفاضة الأقصى عام 2000، مروراً بحرب غزة عام 2009، وحرب عام 2012 التي شهدت اغتيال القيادي البارز في "كتائب القسام" الذراع العسكرية لحركة حماس أحمد الجعبري.
وفي عامي 2018 و2019، شهد القطاع جولات تصعيد انتهت باغتيالات لقيادات ميدانية كان من أبرزها: نور بركة القيادي في كتائب القسام، والقيادي البارز وعضو المجلس العسكري لـ"سرايا القدس" بهاء أبو العطا، الذي استهدفه الاحتلال بطريقة مماثلة لضربة الليلة.
وشهد شهر أغسطس/ آب الماضي عملية اغتيال إسرائيلية جاءت بشكلٍ مفاجئ لمسؤول لواء الشمال في "سرايا القدس" تيسير الجعبري من خلال استهدافه في شقة سكنية كان يتواجد بها وسط مدينة غزة، عدا عن اغتيال قائد المنطقة الجنوبية في الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي خالد منصور.
ويفتح ما يجري اليوم الباب من جديد أمام عودة سياسة الاغتيالات التي سبق وأن سربت وسائل إعلام إسرائيلية، خلال الفترة الأخيرة، عن وجود قرار بعودتها، وهو ما من شأنه أن يقلب الحسابات الميدانية والعسكرية بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
وتُعتبر عودة هذه السياسة بمثابة كسر لقواعد الاشتباك سيضع المقاومة الفلسطينية أمام اختبارٍ وتحدٍ جديدين في كيفية التعامل مع المشهد ميدانياً، والطريقة التي ستقوم من خلالها بإدارة عملية الرد على طبيعة الاغتيالات الإسرائيلية التي جرت بحق 3 من أبرز قادة المقاومة.
تُعتبر عودة هذه السياسة بمثابة كسر لقواعد الاشتباك سيضع المقاومة الفلسطينية أمام اختبارٍ وتحدٍ جديدين
وجاءت هذه الضربة الأخيرة لتفتح الباب من جديد أمام جولة تصعيد قد تمتد لعدة أيام في ظل رد متوقع ستقوم به المقاومة الفلسطينية سواء عبر "سرايا القدس" الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، أو الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، التي تضم عدداً من الأذرع العسكرية في غزة.
وتتزامن هذه الجولة مع اقتراب "مسيرة الأعلام" الإسرائيلية المزمع تنفيذها بعد أيام قرب باب العامود، أحد أبواب المسجد الأقصى في القدس المحتلة، وسط تحذيرات مسبقة أطلقتها المقاومة الفلسطينية في التعامل مع المسيرة وعدم القبول بتدشين واقع جديد مغاير لمعادلة "غزة – القدس" عام 2021.
"صورة نصر"
في الأثناء، يؤكد الباحث والمختص بالشأن العسكري رامي أبو زبيدة، أنّ الهدف الرئيسي من عملية الاغتيال التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي كان تحقيق "صورة نصر" يحتفي بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمام جبهته الداخلية الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة.
ويقول أبو زبيدة، لـ"العربي الجديد"، إنّ عملية الاغتيال التي جرت بهذه الطريقة "تعكس محاولة الاحتلال لاستعادة حالة الردع التي يرى الجميع أنها فقدت أمام فصائل المقاومة الفلسطينية، لا سيما بعد ما جرى في شهر رمضان الماضي، وحالة وحدة الساحات والجبهات".
وبحسب الباحث والمختص بالشأن العسكري، فإنّ الاحتلال "استخدم الخديعة والغدر للتأثير على حالة الوعي لدى المقاومة الفلسطينية"، مبيناً "استخدام عنصر المفاجأة والصدمة والغش لتوجيه ضربة عسكرية لقياداتها سواء عبر تسريبات إعلامية أو رسائل من خلال الوسطاء تنفي نيته التصعيد".
ووفق أبو زبيدة، فإنّ طبيعة الرد الخاص بالمقاومة الفلسطينية يشير إلى حالة من الوعي سواء من خلال التروي والتباحث المشترك بين الأذرع العسكرية، إلى جانب ضرورة أن يعبر عن طبيعة الجريمة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي من خلال العودة إلى سياسة الاغتيالات.
ويلفت الباحث إلى ضرورة أن يكون رد المقاومة الفلسطينية على عمليات الاغتيال غير متوقع لأحد، وأن يكسر معادلة الاحتلال عبر عنصر المفاجأة، سواء للمستوى العسكري أو الأمني الإسرائيلي، وحتى الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية بطريقة توازي حجم الفعل الإسرائيلي.
وعن شكل الرد، لا يستبعد الباحث والمختص بالشأن العسكري، أن تلجأ المقاومة الفلسطينية إلى "رد بكثافة نارية واسعة المدى وبمستوى غير مسبوق أو عبر استخدام أدوات قتالية غير معهودة كسلاح المسيّرات أو وسائل أخرى لم يسبق أن تم الكشف عنها سابقاً، وهو أمر سيبقي الاحتلال تحت الضغط"، وفق قوله.
وخلال جولة التصعيد الأخيرة التي استمرت عدة ساعات وأعقبت استشهاد الأسير والقيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر عدنان، أطلقت المقاومة الفلسطينية في غزة ما يزيد عن 100 صاروخ خلال وقت قياسي، في رد وصفته بالأوّلي على اغتيال الأسير عدنان داخل السجون الإسرائيلية.
مواجهة مفتوحة
من جانبه، يقول الباحث والمختص بالشأن الأمني إبراهيم حبيب، إنّ عملية الاغتيال الأخيرة التي جرت لقادة المقاومة الفلسطينية في غزة لا يمكن مقارنتها بأي حال من الأحوال مع ما جرى في الحروب السابقة، نظراً لحالة التطور في قدرة المقاومة على تثبيت معادلة الردع.
ويضيف حبيب، لـ"العربي الجديد"، أنّ المقاومة الفلسطينية "تمتلك القدرة على إيلام الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وهو ما سيجعل عملية الاغتيال مدخلاً لمواجهة مفتوحة كان الاحتلال صاحب البداية فيها بالمباغتة، فيما ستكون الكلمة الأخيرة للمقاومة الفلسطينية في غزة".
وبحسب الباحث والمختص بالشأن الأمني، فإنّ عملية الاغتيال جاءت لمجموعة من القيادات كانت تستعد للسفر إلى مصر، وهو ما جعل عملية الاغتيال بهذين الحجم والمستوى، لا سيما وأنّ الفترة الأخيرة تشهد اختفاء تاماً لغالبية قيادات المقاومة، ولو لم تكن المقاومة مستعدة لمثل هذا السيناريو لكان عدد الشهداء أكبر بكثير.
ويعتقد أنّ عدم رد المقاومة السريع "يعكس وجود سيناريو مسبق لديها بشأن إمكانية تعرض قطاع غزة لعمليات اغتيال تطاول قيادات بارزة في الأذرع العسكرية، بالإضافة لكون حالة التروي نقطة إيجابية في عدم الانجرار وراء الفعل الإسرائيلي المستعد مسبقاً".
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك