كعادتهم ، يتبادلون التهاني ويغتصبون الابتسامات . هذا دأبُهم مِن زمان . لكنّ أحداً هذه المرّة لم يبكِ من الفرح ! لو أنّ أحدَهم بكى فرحا إثْر توقيع الجميع على وثيقة بن عمر أو مخرجات اللجنة المصغّرة لشعرت بالطمأنينة وبالأمل في سنواتِ فرحٍ قادمة ! لكنَّ الرؤوسَ المُطرِقة لا تبعث على الأمل ، والعيونَ الحائرة لا تدلّ على الطريق !
كنتُ أريدُ أن أحتفل ولو من باب لعلّ وعسى ! لكنّ الظلام كان مخيّما . فكّرت أن أخرج من صنعاء إلى مدينة ٍ قريبة لكنّ الطريق كانت مقطوعة وغير آمنة ، بينما قُطّاع الطرق ينْعَمُون بالأمان ! قلتُ : سأتسلّى قليلاً مع الفيسبوك ! مع ملوكِ الّلَيلِ بلا مُلْك ، وفرسان الضّحى بلا خيول ! للأسف كان الفيسبوك معطّلاً فقد ضربوا الألياف الضوئية . . ثم إنّ الكهرباء مضروبةُ هي الأخرى !
إذنْ ، كيفَ احتفل الجهابذةُ الأفذاذ ؟! هل يحتفلون في الظلام وبالظلام ! إنّ الغموض يلفّ حياة اليمنيين كما لمْ يحدث من قبل . حروبٌ معلنة وغير معلنة . اغتيالاتٌ صامتةٌ غامضة والصّباحات غدَتْ جنازة هادئة مستمرّة ! وضرْبٌ تحتَ الحِزام ولا أحد يقول آه ! يعيشون في الظلام ويموتون في الظلام . في الهند يُشعِلون جثثً موتاهم .. يضيئون اللحظة الأخيرة . هنا يُشعِلُ الأحياءُ أعمارَهم ومضةً علّ الّلَيلَ أنْ ينتبه من غفوته ،ٍ والدّيدبانَ مِنْ غفلته . لكنّ الّلَيلَ تائهٌ في لَيلِهِ ، والدّيدبانَ غارقٌ في وهْمِهِ وَهَمّه .
وسط مهرجانٍ من التهاني الباردة والابتسامات الصفراء وقّع الجميع على وثيقة بِنْ عُمَرْ أوْ مُخرجات اللجنة المصغّرة . مُخْرَجات ! لا يوجد أسوأ من هذه الكلمة ! أتمنى أن يجدوا لها بديلا ! وقَّعوا على وثيقة لكنهم أوقعوا أحلامنا في فِخَاخٍ لا تُرى ، وشِبَاكٍ لا تَبِيْن . . ليْتَهم وقَّعوا وأقسموا على الولاء للوطن وليس للأصنام ، وللمواطن وليس للأحزاب والأقاليم . . لو أنّهم أقسموا لكان ذلك مَدْعاةً للطمأنينة الهاربة .
ما إن تمّ التوقيع على الوثيقة ! حتى تَعالتِ الصيحات . . الحوثي على أبواب صنعاء ! ها قد بدأت الملهاةُ الكبرى و المسلسل الجديد بالتوازي مع مهرجان حصاد الجوائز ! هذه هي اولى الجوائز : جائزة اللامبالاة ! هل استيقظتم لتوّكم الآن ! تفْرِكون أعينكم مشْعوثينَ مدهُوشين ! ألم تفهموا أنّ الحرب تتوالد مثل الفئران . . وأنّ حرْباً تلِدُ أخرى ، وأن الضِّباع تبدأ بالفرائس الصغرى بروفةً للفرائس الكبرى ! مازلتم تَفْرِكُون أعينكم غير مصدّقين . . شاهت الوجوه !
إنّ الدولة كما هي في أي مكانٍ في العالم لا يمكن ان تكونُ محايدةً تجاه من يقتل شعبها وجندها ! كما لا يمكن أن تكون محايدة عندما يلتهمُ الحريق غرفة طعامها ونومها ! وإذا لم تقم بواجبها فسيحاسبها التاريخ عاجلاً غيرَ آجل ، والواجب أن تحسم الدولة وبقوّة بؤَرَ القتلِ والتعصّب والفوضى وتفعيلُ العقاب والحساب بدلاً عن الحديث بلا معنى عنِ الدولة المدنيّةِ الحديثة كتعويذةٍ إعلامية .
الآن ، وبعد التوقيع على الوثيقة / الوقيعة . . هل بقي من عُذرٍ كي تستعيد الدولةٌ نفسَها ، وزِمامَ أمْرِها ؟ بُحَّتْ أصواتنا طوال سنتين بلا جدوى ! لكننا سنتفاءل وسنكافح وكما أقول دائما : هذا قدَرُنا فلا طريق غير ذلك . . أصواتُنا ما تزال ، وعزائمُنا في أوْجِها
للإشتراك في قناة ( اليوم برس ) على التلغرام على الرابط
https://telegram.me/alyompress
اقرأ ايضا :
اضف تعليقك على الفيس بوك